‏ أزمة (كوفيد-19) في ميزان الربح و الخسارة بقلم: حمدان العربي
تاريخ النشر : 2020-03-26
‏ أزمة (كوفيد-19) في ميزان الربح و الخسارة بقلم: حمدان العربي


في الحقيقة ، النتائج تُحسب دائما على قاعدة المقارنة بين الربح و الخسارة وتكون النتيجة ايجابية إذا كانت كفة الربح اعلي و العكس صحيح...
تماما ، مثل المواجهات المسلحة و الحروب أطراف النزاع لا تحسب نتائجها بخسائرها في المعارك بعدد الأموات و المعدات وإنما بمحصلة الحرب ونتائجها و درجة استفادتها منها...
على سبيل المثال ،أثناء الحرب الكونية الأخيرة ، الجيش النازي ربح المعارك و خسر الحرب و الحلفاء خسروا الكثير لكنهم استفادوا منها في الأخير ، اقتصاديا و عسكريا ومنها أصبحوا يتحكمون في مقدرات العالم ويسخرونها لصالحهم.بمعنى ميزان ربحهم كان أعلى من دفة خسارتهم رغم فداحتها . وهكذا تُحسب الأمور..
وعلى هذه القاعدة علينا رؤية الأمور من خلال المواجهة الشرسة و الحادة الدائرة الآن بين الفيروس العابر للقارات المسمى كورونا أو اختصارا "كوفيد-19"، ومجمل دول العالم تقريبا . ويُمكن تسميتها بالحرب الكونية الثالثة، الفرق أن الخصم هذه مرة مخفي و لا يستعمل معدات أو تجهيزات يُمكن مواجهته بمثلها و انما التسلل المخفي وشل تنفس الخصم...
بغض النظر عن طبيعة هذا الخصم وكيفية وجوده و انتشاره وعلاقته بنظرية المؤامرة من خلال العلامات الاستفهام الكبيرة التي تحوم حوله..
ابتدءا تعامل الصين بلد مصدر الوباء معه وكيف تعاملت مع طبيبها الذي كان أول من شد الانتباه لهذا الفيروس . مرورا بتصريحات مسؤولين على غرار رئيس الوزراء البريطاني الذي بدل من اخذ الإجراءات الضرورية لوقف تدهور الأوضاع أطلق تصريحات خطيرة جدا بان القادم أسوا بمعنى يحرض على اليأس و الاستسلام ...
ولم يتحرك عمليا إلا بعد التهديد الفرنسي بان سيتم غلق الحدود في وجه بريطانيا إن لم تتحرك هذه الأخيرة وتبادر إلى غلق مركز التجمعات كالمقاهي و المطاعم و غيرها وتدعيم الإجراءات الوقاية والتعامل الجدي مع الوباء ...
انتهاء بتبادل التهم بين مسؤولين صينيين و أمريكيين وكل واحد يلقي المسؤولية على الطرف الآخر في ظهور و انتشار الفيروس...
بمعنى ، هناك شيء مخفي في الموضوع لا يعلمه سوى الاثنين (الصين و الولايات المتحدة). قد يبقى سرا ابدي ، كما هو الحال للعديد من الأمور هزت العالم وبقت طي الكتمان..
وما يزيد هذه الشكوك ، محاولة الرئيس ترامب للاستحواذ كليا على دواء الألماني في طور الاختراع المضاد للفيروس. محاولة منه كما تبدو بوضوح حرمان البشرية الاستفادة من هذا الدواء لإبقاء على هذا الفيروس ينهش في حياة الشعوب . هذه كلها علامات استفهام تحتاج أجوبة مقنعة...
والعودة لموضوع ميزان الربح و الخسارة، الصحيح أن هذا الفيروس ادخل الرعب وشل كليا أو جزئيا النشاط الصناعي و التجاري و الاجتماعي للجميع الدول و لم يستثني أحدا ...
حتى الدول التي تمتلك قطاع طبي و صحي جد متطور وقفت عاجزة ومنها من رفعت الراية البيضاء في وجه الفيروس موكلة أمرها لله...
لكن إذا تفحصنا جيدا ميزان حسناته ( الفيروس)، يحتوي ( الميزان) ، على الكثير من الايجابيات في صالح خصمه ، أي البشرية المرعوبة منه . وإذا أحصينا هذه الحسنات نجد عددها لا يقل في أدنى تقديري ، عن أربعة ايجابيات:
1. الجانب الايجابي الأول ،حوادث المرور قبل وصول كورونا كانت تحصد أرواحا يوميا ربما في كل ثانية ، ناهيك عن الخسائر المادية ...
مع وصول كورونا ودخلت الإجراءات مكافحته حيز التنفيذ من تقييد في الحركة وصولا على حجر كامل لمناطق من الطبيعي تقل أو تنعدم تماما حوادث المرورية وبالتالي هناك أرواح بشرية تبقى في أجسادها ، ربما تساوي أضعاف و أضعاف ما يقتله الفيروس في نفس المدة ...
مع العلم ، على حسب المصالح المختصة ، الفيروس المذكور لا يقتل أكثر من 2 بالمائة من ضحاياه.وعلينا مقارنة الخسائر بين الطرفين ، اجتماعيا و تكلفة ...
اجتماعيا ، وما تخلفه تلك الحوادث من ماسي اجتماعية من ضياع أرواح بشرية من أهل و أحباء و أصدقاء وجيران ، الخ... في هكذا حوادث ، موتا أو عاهات مستديمة يعجز الدهر على محو آثارها...
سببها كثرة المركبات المرورية وتهور الفرد البشري في قيادة تلك المركبات من سرعة جنونية و استعمال الهواتف النقالة أو القيادة في حالة سكر أو حبوب الهلوسة، الخ...
مما يصبح هذا الفرد أشد ضررا و فتكا من الفيروس نفسه. يصبح هذا الأخير أكثر إنسانية من الأول كان من المفروض أن يكون الأولية في محاربته من الفيروس نفسه ..
تتكبد من خلاله الإنسانية أضعاف خسائر جميع الفيروسات مجتمعة. أضيف لها خسائر الخزائن العمومية من جراء التعويضات و التكفل بالضحايا ماليا وطبيا و اجتماعيا. ويكون ذلك على حساب ميزانيات مشاريع تنموية تنفع المجتمع ككل...
وما الصور المنتشرة من إحدى البلدان الأسيوية المطبقة للحظر بسبب الفيروس و كيف لحيوانات برية خرجت من الغابات و هي تتجول بكل راحة و اطمئنان في الطرقات الفارغة من المركبات ، دليلا أن كل الكائنات الحية التي تتقاسم الكون ، من بشر و حيوان و نبات، استفادت بصفة أو بأخرى من ميزان حسنات الفيروس...
2. الجانب الايجابي الثاني ، فيما يتعلق بالمناخ المهدد بشكل جدي من خلال النشاط البشري و الصناعي العالمي المكثف و المتزايد بشكل رهيب و لم تنفع معه تحذيرات الجد متكررة من الخبراء على مأسوية مصير الحياة للكائنات الحية على كوكب الأرض إذا استمر الوضع البيئي على حاله...
وقد يكون تدخل كورونا على الخط فرصة للمناخ للالتقاط أنفاسه ولو مؤقتا مع توقف بشكل كبير النشاط البشري و الصناعي العالمي في فترة مواجهة الفيروس. وهذا يعد مكسبا مهما لا يمكن الاستهانة به...
حتى أن دراسة علمية حديثة أظهرت العلاقة بين الفيروس المذكور و التلوث المناخي ، البيئة المناسبة لانتشار الفيروس. وإذا ربطنا العلاقة نجد نسبة مصداقية هذه الدراسة عالية جدا، لأن هذا الفيروس هدفه المباشر الجهاز التنفسي للإنسان نفس فعالية التلوث...
3.المكسب الثالث لوجود الفيروس. التساوي في الخوف بين جميع طبقات المجتمع وانه لا يفرق بين احد. وإذ كان قبل الفيروس صاحب الجاه و المال يُمكن له تلقي التسهيلات للعلاج في أرقى المصحات العالم الكثير منها التكاليف على حساب الخزينة ...
بينما المواطن العادي لا يستطيع بسهولة العلاج بمستشفى عمومي بالقرب منه. و هذا يعتبر مكسبا اجتماعيا .لأن جميع بمصير واحد : الحجر المحلي فردي أو جماعي...
وقد يكون هذا التساوي أحد أسباب بروز هذا الفيروس بقوة للواجهة الأحداث عالميا . لأن ما كان يحدث ذلك لو كان ضحاياه طبقات أو شعوب بعينها من غير الأخرى...
و لنا أمثلة كثيرة كيف لأمراض وفيروسات تفتك في كل زمان و مكان بأرواح لا تعد و لا تُحصى من البشر و لا تلقي أدنى اهتمام.لأن ببساطة ضحاياه من طبقات مجتمعية أدنى.بالخصوص في دول العالم الثالث ...
وليس ببعيد ، فيروس ايبولا ، على سبيل المثال لا الحصر ، هذا الفيروس الفتاك الذي يفتك بالتجمعات البشرية في القارة الإفريقية أكثر ما يفعله "كورونا" في العالم كله ...
والتي تقول المصادر المختصة أن معدل الإماتة عنده قد تفوق 50 بالمائة . ومع ذلك لم يتحرك المجتمع العالمي كما هو مجند اليوم....
أيضا،نفس الحديث عن ضحايا الحروب والأزمات المسلحة و لا أحد يو لي لها اهتمام، رغم ماسيها . حروب تستعمل فيها كل أدوات القتل حتى الأسلحة الدمار الشامل من بينها من هو أخطر بأضعاف المرات من كورونا نفسه...
3. الجانب الايجابي الثالث . الفيروس ادخل في المجتمعات الاستشعار الوقائي بالخطر من خلال الاهتمام ، في بعض الأحيان مُبالغ فيه ، الالتزام الصارم بقواعد الوقاية الصحية ، مما يُقوي المناعة الجسدية سيؤدي مستقبلا نقص الأمراض خاصة تلك الناتجة نقص الاهتمام بالنظافة الجسدية أو محيطية ...
مما يؤدي حتما انخفاض الاكتظاظ العلاجي على مستوى المستشفيات و المصحات الطبية. وهذا أيضا مكسبا استراتيجيا مهما للخزينة العمومية بعد أن تنخفض تكاليف استيراد الأودية والتجهيزات الطبية و ،ما شابها...
4.المكسب الرابع و المهم . أن فيروس كورونا سيعطي درس تطبيقي للكثير من الأنظمة بأن تولي اهتماما على قطاع الطبي و الصحي والبحث العلمي بدل الاهتمام بقطاعات الترفيه و التسلية ...
لأن في وقت الشدة و الأزمات ، الباحث و الطبيب و الممرض و المستشفى و تجهيزاته، الخط الدفاعي الأول و الأخير لبقاء الأمة من عدمه ...
وماذا عسى إن تنفع منشات ترفيهية أو رياضية ، لأمة نصفها في المقابر و نصفها المتبقي تحت الحجر الصحي ...
بالمختصر المفيد ، على مراكز البحوث و الدراسات المختصة في الميدان القيام بتقييم خسائر و أرباح الدول لكي لا تبقى تكاليف مواجهة فيروس كورونا ، مطية للحكومات لتبرير بها العجز في الانجاز المشاريع التنموية أو الوفاء بمستلزمات شعوبها...
بحجة أن عملية مكافحة الفيروس استنزفت الخزائن و أصبحت فارغة متجاهلة الشق الثاني من دفة الميزان الربحية و كم وفر الفيروس من أرباح لتلك الخزائن على مدى المتوسط و البعيد..

بلقسام حمدان العربي الإدريسي
24.03.2020