الحلم في زمن الكورونا بقلم: م . نواف الحاج علي
تاريخ النشر : 2020-03-25
الحلم في زمن الكورونا  بقلم: م . نواف الحاج علي


الحلم في زمن الكورونا
( قصه قصيره )
اخذ يتقلب في فراشه يمينا وشمالا ، بعد ان اقفل جهاز التلفزيون ، ثم ادار جهاز الراديو الذي يحتفظ به بجانب السرير ، واخذ يستمع الى محطات الاذاعه وهي تذيع اعداد من قضوا في هذا الوباء اللعين ، ثم اعداد من التقطوا هذا الفيروس " الكورونا " او من التقطهم ؟؟؟ ثم حول المؤشر نحو محطة تذيع آيات من القرآن الكريم بصوت المقرئ " عبد الباسط عبد الصمد " الذي يحلق صوته بروح المستمع الى افاق عليا ----
لا يدري ان كان في اغفاءة ام صحوة ، فقد رأى فيما يراه النائم انه قد انتقل الى مرحلة الشباب يتزاحم مع زملائه الذين يتدافعون على لوحة الاعلانات المعلقة على جدار المسجل العام في كلية الهندسه بجامعة القاهره ، ليعرفوا نتائجهم في الامتحانات النهائية ، لنيل درجة البكالوريوس ؟؟ اخيرا التقط اسمه في كشف الناجحين بتقدير جيد في الهندسة المدنيه ، وبتقدير امتياز في التخصص ---
لا فرحة تعادل فرحة النجاح ، خاصة حين كان اعداد الخرجين من مهندسين في العالم العربي قليله ، والعمل متوفر في كل الاقطار ، وكانت دراسة الهندسة معقدة وصعبه في غياب وسائل التكنولوجيا الحاليه !!! --- وجد نفسه في شارع : سليمان باشا " في القاهره ؟؟ يمشي ويمشي ويمشي --- ونشوى الفرح بالنجاح تجعله لا يشعر بالمكان ولا بالزمان -----
عين مهندسا في قسم الطرق بوزارة الاشغال العامة بالكويت ، ووجد نفسه مساعدا لمدير احدى مشاريع الطرق في الاشراف على مشروع طريق تحت الانشاء ؟؟ كان مدير المشروع مصريا من مدينة الاسكندريه ، وكانوا يتداولون الاحاديث في مختلف المواضيع اثناء فترات الراحه ؟؟ ثم تطرق الحديث الى موضوع الزواج ؟؟ وكان هذا الموضوع يشغل بال صاحبنا " حسن " ، ، خاصه وقد مضى على التحاقه بالعمل حوالي العام تقريبا – فبعد ان حاز على الشهادة التي كان يطمح اليها ، ثم على الوظيفة المناسبه ، فلم يبق امامه سوى الاقتران بابنة الحلال ----
وخلال الحديث ابلغه مدير المشروع المهندس " عبد اللطيف عبد ربه " ان ابنة جيرانه في الاسكندرية سوف تتخرج بعد شهر من كلية الاداب بجامعة الاسكندريه ، وهي مثقفة وجميله وعلى جانب كبير من الخلق ومن اسرة محترمه ؟؟ فان كان له رغبة في الزواج فعليه اخذ اجازة والسفر الى الاسكندريه ، وسوف يقوم هو بابلاغهم بانه قادم لتسجيل اخته بالجامعه ، ويرجوهم مساعدته في ذلك ، ولن يذكر لهم شيئا عن موضوع الزواج ويترك الى المهندس " حسن " التصرف بالموضوع ؟؟؟
اتصل المهندس " حسن " من الفندق الذي نزل فيه في الاسكندريه بوالد الفتاه واسمها " آمال " ، وطلب المساعده في تسجيل اخته بجامعة الاسكندريه ، وكان والد الفتاه قد تلقى مكالمه من المهندس عبد اللطيف يوصيه بذلك . فرحب والد آمال بالمهندس " حسن " واصر قبل كل شيئ ان يحضر " حسن " في اليوم التالي لتناول الغداء معهم ، وكانت فرصه ل "حسن " كي يرى ما يمكن فعله ؟
جلس " حسن " مع والد " آمال" ووالدتها في صالة الجلوس ، واخذوا يتعارفون ، وقد ابلغهم " حسن " انه من الاردن من الضفة الغربيه ، والتي بقيت تحت السيادة العربيه بعد حرب 1948 حين احتلت اسرائيل القسم الاكبر من فلسطين ، وقد توحدت الضفة الغربيه مع شرق الاردن ليشكلا معا ( المملكة الاردنيه الهاشميه ) . وقبل ان يتقدموا الى مائدة الغداء دخلت " آمال " ، وكانت قادمة من الجامعه ، وقد ابلغتهم ان كل شيء قد اكتمل لحفلة تخرجها في اليوم التالي ، وهنا قال والدها مخاطبا حسن : اذن غدا سوف تحضرمعنا تخرج " امال " ، وهي سترشدك لاحقا عن كيفية تسجيل اختك بالجامعه ؟؟
اخذ " حسن " ينظر الى آمال من طرف خفي ، فرأى فيها فتاة احلامه : وجه ابيض مستدير وعينان سوداوان وقوام معتدل ليس بالطويل ولا بالقصير وخصر نحيل ، وقد اخذت تساعد والدتها في اعداد مائدة الطعام --- وقد ذكرت لها امها ان هذا المهندس الذي اوصانا جارنا بالعناية به من اجل تسجيل اخته بالجامعه ، وعليك مساعدته وسوف يحضر غدا معنا حفل تخرجك ؟؟ وبدون قصد وجدت " امال" نفسها تنظر الى " حسن " وقد احمر وجهها خجلا ، وتدلت خصلتان من شعرها على وجهها من تحت المنديل ، وهي تنحني لترتيب المائده ---
انتهت حفلة تخرج امال ، وتقدمت نحو المدرج التي كان يجلس فيه والدها ووالدتها وبجوارهم حسن، فاخذوا يقبلونها ويقدمون لها التهنئه على التخرج ؟؟ اما " حسن " فقال لوالدتها : لو سمحت اريد ان اقدم هدية متواضعه للانسه امال بمناسبة تخرجها ؟؟ وكان قد اشترى سنسالا من الذهب الناعم قدمه هدية لامال ، وقد شكرته وهي تتصبب عرقا ، واحمرت وجنتاها خجلا ؟؟ لقد شعرت بشعور الغبطة بداخلها ، ولكنها ابعدت نظرها عنه حى لا يعرف احد ما يجول في خاطرها ؟؟
ذهب حسن مع امال في اليوم التالي الى الجامعه ، وقابلوا مسجل كلية الاداب ، ورحب باستقبال طلب اخت حسن الذي بدوره ابلغ المسجل انه سيحضر اوراقها في المرة القادمه ؟؟؟؟؟!! عادوا الى منزل امال ، ودعته الى دخول المنزل ، فوافق فورا وجلس مع اهلها ثم قال لهم : اني ادعوكم غدا لتناول طعام الغداء في الفندق الذي اقيم فيه ، وتحت اصراره وافقوا ، بعد ان رفضوا في البدايه كونه هو الضيف ---
بعد ان تردد حسن على منزل امال وقابلها مرات عديده ، اخبرهم باتصال هاتفي انه سوف يحضر لمنزلهم في المساء لأمر هام ؟؟؟ ولا بد ان تكون امال موجوده ؟؟ ولما سمعت امال بالخبر صار قلبها يدق ، ودارت في رأسها الاحلام وألآمال ----- وكان قد لمح لها سابقا بما يدور في ذهنه تلميحا خفيفا ---
قبل ان يشرب القهوة في منزلهم ، قال لهم هناك موضوع يجب ان اكلمكم فيه ، ولكن قبل ذلك اريدك يا عمي انت والخاله حرمكم ان اكلمكم على انفراد – هنا طلبوا من امال ان تذهب الى غرفتها ، وهنا قال لهم بعد ان تلعثم في الكلام في البدايه :
انا بصراحه لا اعرف المقدمات الطويله ، ولا المجاملات والكلام المنمق ، وسوف ادخل في الموضوع مباشره ، باختصار اني اطلب يد كريمتكم آمال على سنة الله ورسوله ؟؟ ويمكنكم ان تسألوا عني المهندس عبد اللطيف ؟؟
هنا رد والد امال قائلا : الا تشعر يا بني بانك استعجلت ، فانت لا تعرفنا معرفة عميقه ، اما نحن فلا داعي لان نسال عنك ، فقلب الانسان دليله ، وانت ما شاء الله تبدو لنا انك ابن حلال ، وشاب محترم ، ولكن علينا ان نسال " آمال " اولا ؟ فرد حسن بقوله : انا طلبت ابعادها حتى لا تشعر بالحرج ، فقال والدها : اذن ساناديها الان لنعرف رأيها ؟؟
ردت آمال وهي تبتسم بسرور ، بانها تحتاج لسنة كامله كي تفكر في الموضوع ، وقد احمر وجهها وانفرجت اساريرها وبدت الفرحة عليها ، وهنا تفاجئ حسن قائلا : هذا ليس معقولا ابدا ، ولم اتوقع منك هذا الجواب ، لكن في النهاية الامر موكول اليك ؟؟ قالت وهي تبتسم : لكنك لم تعرف ان الوقت امر نسبي !!؟؟ ، فالسنة عندي مجرد ثلاث دقائق ؟؟ !! اشرب قهوتك وسوف تجد جوابي بالموافقه ؟؟ وهنا زغردت الام وقرأوا الفاتحه ، واتفقوا على كتب الكتاب في اليوم التالي . واخبرهم حسن انه سوف يجهز المسكن بالكويت ، ثم ياتي بعد ثلاثة اشهر كي يحتقلوا بالزواج ---
ظل حسن يتصل يوميا مع امال ، وتوطدت بينها المعرفة ثم الصداقة ثم المحبة ، ثم العشق ، واخذ الاثنان ينتظران الزواج بلهفة ، حتى انهما تشاورا في تقريب الموعد ، وعدم التقيد بثلاثة اشهر ---
***
في السادس من حزيران عام 1967 ، كان المهندس حسن والمهندس عبد اللطيف يدرسان برنامج العمل مع المقاول حين سمعوا اصوات هتافات من ركاب السيارات الماره من الطريق المجاور، يلوحون بالايادي واغطية الراس بالهتافات والزغاريد، لقد قامت الحرب بين العرب واسرائيل --- فتحوا المذياع ، فاذا المذيع " احمد سعيد " يعلن تساقط الطائرات الاسرائيليه ، وقد اصبح النصر قاب قوسين او ادنى ؟؟ وصار حسن يفكر في الذهاب الى يافا وحيفا والتي تم احتلالهما عام 1948 – انها نهاية اسرائيل تلك الدولة المصطنعه التي اقامتها الدول الاستعماريه كي تكون خنجرا مسموما في خاصرة الامة العربيه ؟؟ توقف تقدمها وتستنزف طاقاتها وتمتص خيراتها ، وتجعلها مطية لتلك الدول الاستعماريه ؟؟ - لكن للاسف ، فقد صدمنا بنتائج تلك الحرب الكارثيه ، والتي سميت بالنكسه ؟؟ فقد احتلت اسرائيل الضفة الغربيه من الاردن وهي ما بقي من فلسطين بعد احتلال القسم الاكبر منها عام 1948 ، كما احتلت قطاع غزه وهضبة الجولان السوريه وسيناء المصريه ---
اتصل بعدها بايام حسن بخطيبته آمال قائلا : اسمعيني جيدا ، تعرفين ما جرى بين العرب واسرائيل ، لقد التحقت بالمقاومة ولا ادري ان كانوا سينقلونني للجبهة ام ابقى هنا للدعم اللوجستي ، انت بصراحة في حل من العقد الذي وقعناه سويا ، ولست مجبره على المجازفة معي ، فانا لا ادري كيف يكون مصيري ، لكني لن اتوقف عن المقاومة حتى نحرر الارض العربيه المحتله ؟؟ اخبريني رايك بصراحه : ان كنت تفضلين الاقتران بشخص اخر، حتى ارسل لك ورقة الطلاق ؟؟ انا احبك بكل كياني وضميري ، ولكن حبي لوطني وامتي يجعلني مصمم على المقاومه ، فاما الشهادة او النصر ؟؟ ردت آمال وهي في حالة عصبية وهياج : لقد اغضبني كلامك يا زوجي العزيز ، ولست ادري كيف تتصور اني اتخلى عنك !! ثم من قال اني اقل وطنية منك ؟ وقد احتلت ارض مصر ايضا ، وانا لا افرق بين الجبهات العربيه ، فكلنا مدعوون للمقاومة رجالا ونساء حيثما كنا ، وسوف اكون معك ولن اتخلى عنك ، ومصيري ومصيرك واحد ، سالتحق معك بالمقاومه ، وسوف اقوم بواجبي كاملا ، وحيثما يطلب الي ان اكون --- ساحضر بنفسي اليك ان شئت غدا ، فانا اعتبر نفسي جزءا لا يتجزأ منك ----
********
سمع حسن طرقا على الباب ، فافاق من حلمه والعرق يتصبب من وجهه ، واتجه نحو الباب فاذا بحارس البناية خلفه يناوله كيس الخبز الذي اوصاه عليه ،، فقد اصدر رئيس الوزراء الاردني بيانا يمنع فيه التجول حرصا على سلامة السكان من فايروس " الكورونا " ؟؟ هنا شعر حسن بمرارة الحياة ، وضيق العيش ؟؟ في هذا الزمن الذي اخذ فيه العالم العربي يتكالب على رغيف الخبز ، وقد نسي فلسطين والاقصى والاراضي المحتله ؟؟ واخذ حسن يستعيد ذكرياته في المقاومة ، وكيف ان المعنويات العربيه بقيت عالية رغما عن النكسه ، وقد اخذت المقاومة دورها في التصدي للعدوان الصهيوني ، كما استعدت الجيوش العربيه للتحرير ؟؟ اين نحن من لاءات مؤتمر الخرطوم الثلاث ، ومن مقولة ( ما اخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة ) ، اين نحن من معركة الكرامة ومن معركة رأس العش وحروب الاستنزاف ؟؟ اين نحن من الابطال الذي قضوا في الدفاع عن كرامة الامة ؟؟ اين نحن من امثال : مشهور حديثه ، والشاذلي ، وليلى خالد ، وغيرهم الكثير من الابطال !؟ اين نحن من امثال القادة العرب الاحرار الذين رفضوا الهزيمه واقاموا حروب الاستزاف واستعدوا للتحرير ---- اين نحن من الابطال : شهداء الامه ----- ايتها " الكورونا " لقد كشفت عن وجه الامة ألآخر !!!!! لكن الايام دول ، ولا بد ان يولد فجر جديد قريب تعود فيه الامة الى سابق عهدها من الحرية والكرامة والكبرياء ، وتستعيد امجادها وتثأر لشهدائها وتحرر ارضها وتأخذ مكانها الملائم بين الامم ---