لماذا نجحت الصين وفشلت أمريكا وأروبا في الحرب على كورونا بقلم:د. كاظم ناصر
تاريخ النشر : 2020-03-25
لماذا نجحت الصين وفشلت أمريكا وأروبا في الحرب على كورونا بقلم:د. كاظم ناصر


لماذا نجحت الصين وفشلت أمريكا وأروبا في الحرب على كورونا وماذا ستكون تبعات هذا النجاح؟

الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا من الدول الصناعية الكبرى الأكثر تطورا، التي كان العالم يلجأ إليها طلبا للمساعدة في أوقات الشدة والكوارث الطبيعية والأزمات الدولية ويستفيد من دعمها المالي والعلمي والتقني، فشلت في تطويق انتشار فيروس كورونا، وأظهرت حالة من الضعف والعجز كانت بمثابة صدمة لشعوبها وشعوب العالم؛ فحتى أمريكا التي كانت حتى وقت قريب تعتبر القوة الأعظم الحامية للعالم الغربي، فشلت في احتواء الوباء، وتعاملت معه بطريقة مشابهة لتلك التي تعاملت معه بها دول العالم الثالث الفقيرة! بينما نجحت الصين بتطويق المرض والحد من انتشاره، وتقوم حاليا بمساعدة الدول الأوروبية وغيرها للسيطرة عليه.
فما هو السر في نجاح الصين وفشل أمريكا وأوروبا في مواجهة هذا الوباء العالمي؟ هناك العديد من العوامل الهامة التي أدت إلى ذلك من أهمها أن الصين تعتمد على نفسها وعلى اكتفائها الذاتي، حيث إنها تمكنت من اكتشاف خطورة الفيروس مبكرا، وأقدمت على أكبر عملية طبية في تاريخ البشرية؛ فقد انتفضت وفرضت حجرا صحيا على منطقة " هوني " التي يقطنها 60 مليون نسمة، وخاصة مدينة "ووهان" مركز الفيروس البالغ عدد سكانها 11 مليون، وامتد الحجر الصحي وشمل مدنها بدرجات متفاوتة، وعملت بسرعة على استدعاء وتوجيه جميع الفرق الطبية المتخصصة في الأوبئة والإسعاف من جميع أنحاء البلاد إلى "هوني " وبصورة خاصة إلى مدينة "ووهان"، وبنت 16مستشفى، كان أحدها عملاقا تم تشييده في عشرة أيام، واستخدمتها للفصل بين مرضى الفيروس والمرضى العاديين.
وفي الوقت ذاته كانت الدواة حريصة على وحدة البلاد، واعتمدت على نفسها في التقنية والمعدات الطبية والأدوية، فهي أكبر منتج في العالم للكمادات والقفازات الطبية، والأدوية، والمعدات الطبية باختلاف أنواعها، والتقنية الطبية الخاصة بالتنفس التي لا غنى عنها في غرف العناية الحثيثة وتعتبر أساسية في علاج المصابين بكرونا، أضف إلى ذلك كون إدارة الدولة الصينية قائمة على مركزية صنع القرار ووحدته، حيث ان قيادات الحزب الشيوعي العليا تتخذ القرار ويعمم ويطبق في كافة أرجاء البلاد، أو في مناطق معينة بسرعة دون الرجوع إلى إجراءات بيروقراطية تؤخر أو تعرقل تنفيذه كما يحدث في الدول الديموقراطية، وكذلك وعي الشعب الصيني وتعاونه، وتطبيقه للقرارات التي اتخذتها الدولة في محاربة الفيروس.
وبالمقارنة بما قامت به الصين فإن الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية فشلت في إيقاف انتشار الفيروس حتى الآن لأسباب عديدة من أهمها غياب مركزية ووحدة اتخاذ القرار والممارسات البيروقراطية في قبوله والعمل به، وعدم إعطائها الأهمية اللازمة للوباء في البداية، وتلكؤها وفشلها في التضامن والتعاون والاتفاق على تنسيق جهودها في مواجهته. لكن المفاجأة الكبرى التي أدهشت مواطنيها ودول وشعوب العالم ظهرت جلية في النقص الحاد في كوادرها الطبية، وعدم توفر أجهزة التنفس والأجهزة الأخرى التي تستخدم في التشخيص والعلاج ، والنقص الهائل في الكمامات والقفازات الطبية والملابس الواقية، والفشل في إيجاد دواء فعال، وعجز المستشفيات عن استيعاب أعداد المصابين المتزايدة، مما أرغم الرئيس الأمريكي وقادة إيطاليا وألمانيا واسبانيا وفرنسا وبريطانيا وغيرها على اتخاذ إجراءات للحد من التجول وتعطيل الحياة العامة والإنتاج، وكان من الممكن تجنب ذلك لو أنهم تحركوا في الوقت المناسب لمنع حدوث هذه الكارثة.
هذا الانفجار المتسارع في أعداد المصابين في أمريكا وأوروبا، والنقص الحاد سواء في المعدات الطبية أو المستوى المهني لمحاصرة الفيروس، ترك الأمريكيين والأوروبيين في حيرة من أمرهم ويتساءلون: هل وصل العجز بنا أننا لا نستطيع صنع كمامات طبية بالقدر الكافي لمواجهة هذا الظرف؟ وأرغم الدول الأوروبية على طرق باب الصين وغيرها للحصول على معدات ودعم طبي، واستجابت الصين وروسيا وكوبا بتقديم أدوية ولوازم ومهارات طبية لإيطاليا واسبانيا وفرنسا، وانطلق قطار يحمل مساعدات طبية من الصين إلى أوروبا، وأعلن الرئيس الصيني " شي جين بينغ " أن مصير البشرية جميعا مشترك، مؤكدا أنه لا يمكن التغلب على هذا التحدي إلا بالتضامن بين دول العالم، وقال إن الصين مستعدة للتعاون ومساعدة أوروبا وأمريكا ودول العالم لاحتواء الفيروس، مما يعني أنه ولأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية ينظر العالم إلى الصين طلبا للمساعدة، ولا يوجه أنظاره إلى الولايات المتحدة الأمريكية ودول الغرب وهو تعبير عميق يشير الى مرحلة جديدة من العلاقات الدولية.
وباء كورونا كشف هشاشة المنظومة الدولية بقيادة أمريكا، ومن المتوقع أن تكون له تداعيات سياسية واقتصادية خطيرة تغير مفهوم التضامن الدولي، وتؤسس لتغيير النظام العالمي من عالم آحادي القطب إلى عالم متعدد الأقطاب تكون فيه الصين أكبر قوة اقتصادية وأحد أقطابه، وربما قطبه الأعظم، ويتراجع دور الولايات المتحدة والغرب في الهيمنة على سياسة واقتصاد العالم.