حضارات ما بعد كورونا بقلم:د. رائد ابو بدوية
تاريخ النشر : 2020-03-25
حضارات ما بعد كورونا

نتّفق مع رؤية الفيلسوف الفرنسي اونفري حول الحضارة الغربيّة و الحضارات الناشئة،  نتّفق تماما مع رؤيته بأفول و إنحطاط الحضارة الغربيّة.  

ونزيد بالقول، إنّ ملامح إنتشار وباء كورونا القاتل اليوم، وتمكّنه من أوروبا، لهو نتاج رأسماليّة أبهرتنا في تكديس الثّروة و المال لدى طبقة صغيرة من طبقات المجتمع التي أنتجها و شكّلها النظام الراسمالي. وأبهرتنا أيضا بمستوى الفرديّة الانانيّة التي تعيشها أوروبا. تلك الرأسمالية التي  سمحت بإنتقال رأس المال سعياً وراء الرّبح -حيث الإنتفاخ- ، دون أيّ إعتبار لمستلزمات الصحة العامة و إحتياجاتها، مع وقوف الدولة - لردح من الزمن - موقف المتفرّج على طبقة الأغلبية الكادحة تواجه مصيرها بنفسها.

عامل نتفق به مع أونفري، وهو غياب القيمة و الرّسالة و عامل نضيفه عليه يتمثّل بمنظومة رأسمالية بالغت بتعظيم رأس المال ولو على حساب الإنسان و قيمه، حتى جعلت منه عجوزاً متروكاً في دور العجزة الإسبانية يواجه كورونا دون أيّة رعاية طبية ولا حتى خدمية. و لربما يشكّل كورونا  القشّة الأخيرة التي سحطّم ظهر البعيرمقصوم الظّهر أصلا بفراغه الروحي و القيمي الذي تطلّبته ماكنة الإنتاج الرأسمالية.

لمن القادم؟  لا أحد يعرف يقينا عن القادم الذي قد نختلف فيه؛ ففي الوقت الذي يرى البعض أن القادم إسلاميا، لا نرى مقومّات هذا القادم جاهزة ليقود العالم نحو التقدّم و العدالة المرجوة.

قالقادم الإسلامي -كما يروق للبعض المتفائل- ينقصه الكثير الكثير حتى يتصدّر وجه الحضارات من جديد .

وإن كنا نسلّم بقينا أن الفكر الإسلامي قادراً – على الاقل من الناحية النظرية -  على لعب هذا الدّور؛ ففيه من المنظومة القيميّة الإنسانية و الرّوحية ما يكفي و يزيد لتصدّر وجه الحضارات و نشر عدلاً دنيوياً غيّبته الآلة الرأسمالية الربحيّة ، إلا أن المعيقات أمام هذا الدّور -المراد له القيام به- ينقصه الكثير.

فمسلمو اليوم (وللأسف) ما زالوا يسكنون البيت الرأسمالي بكل تفاصيله، بعباءة اسلامية . ولا  حتى يجيدون طرق الإمساك بأدواته .  يعيشون حالة من التناقض الغريب؛ يلعنون الرأسمالية و الغرب دون أن يعلموا أنهم يلعنونها بأدوات غربية و فكر و منطلاقات غربية . هم منشغلون بتغيير القبيح من ثانويات هذا البيت الرأسمالي الذّي فرض عليهم. لم يبدأوا  بعد بوضع رؤية إسلامية شاملة تشكّل أساساً لبرنامج فكريّ نهضوي قادر على تغيير وجه التاريخ . هذا بالإضافة إلى ما ينقص المسلمين من أدوات لإنطلاقة مادية تتطلبها أيّة حضارة قادمة ؛ فما زال المسلمون عموماً، مستهلكون يتبعوا النظم الغربية المنتجة .

قد أكون مخطئا حين أنظر إلى الصين و أراها عملاقاً قادماً يبسط أنماطه في العالم أجمع، لكنّه يحتاج الكثير – قيميّاً و فكرياً - حتى يتمكن من ركوب موج فراغ الحضارات القادم .  

د. رائد ابو بدوية

استاذ العلاقات الدولية و القانون الدولي
كلية الدراسات العليا الجامعة العربية الامريكية