إدارة الأزمة ومعركة الوعي في زمن الجائِحة بقلم: د. رمزي عطية مزهر
تاريخ النشر : 2020-03-25
إدارة الأزمة ومعركة الوعي في زمن الجائِحة بقلم: د. رمزي عطية مزهر


بقلم: د. رمزي عطية مزهر   / 24آذار/ 2020

 إدارة الأزمة ومعركة الوعي في زمن الجائِحة

يمر العالم بظروف استثنائية بما فيها فلسطين تتطلب من الجميع التعاون وعدم التساهل وأخذ الأمور على محمل الجد، حيث بدأ فيروس كورونا يهزّ الأسواق العالمية والاقتصادات، بعد أن ضرب الأنظمة الصحية والحياة الاجتماعية في دول العالم كافة لسرعة انتشاره،  والذي انتقل الى بقية دول العالم بواسطة مواطني تلك الدول أو السياح أو التجار، أصبح يقلق الجميع ويهدد الاقتصاد والأرواح. فلقد عزل دولاً بأكملها ومن ثم مدن وأحياء داخلها. وبغض النظر عن الاختلاف في تفسير آلية منشأه وكيفية تكوينه وانتشاره، إلا أنه أصبح واقعا مفزعاً وعلى الجميع التعامل معه بما يقتضي، لمنع انتشاره واحتواءه. وكشف الفيروس الذي أدّى حتى الآن إلى وفاة الآلاف من البشر في أنحاء المعمورة، عن عدم استعداد كثير من الدول لمواجهة مثل هذه الأزمات.

القرارات التي تتخذها الدول والحكومات من إغلاق الحدود والمحلات والأسواق، وإلغاء الرحلات الجوية والفعاليات الترفيهية، وتأجيل المؤتمرات والمسابقات الرياضية، وبقاء الناس في بيوتهم، وعدم خروجهم إلا للضرورة، وتحويل الدراسة إلى التعليم عن بُعد، كل ذلك سيلقي بظلالها على الاقتصاد، وستؤدي إلى تغيرات جسيمة في حال استمرت الأزمة لأشهر، وفي الوقت الذي يرى فيه كثيرون الوضع الحالي أزمة وصدمة طالت البشرية، وتدفعهم إلى التخلي عن غذاء الفكر، والتركيز فقط على غذاء الجسد، يرى البعض الآخر أن هذا الوضع الاستثنائي لا ينفي ضرورة أن الثقافة والإبداع والبحث عن حلول مبتكرة  مهمتها الحضارية والإنسانية القضاء على هذا الوباء المنتشر ، أن الأزمة الحالية التي يعاني منها العالم هي أزمة تستهدف الجميع بلا استثناء، ولا تفرق بين دولة وأخرى، كما لا تختار ضحاياها من بين أبناء قوم أو لون أو دين أو طبقة اجتماعية، بل يتساوى الجميع فقيراّ أو غني، مسؤولاً أو موظف أمام خطره، إلا أن هناك دولاً وشعوباً ومجتمعات مستعدة لمواجهة مثل هذه الأزمات، وتجاوزها بأقل خسائر ممكنة، وتقليل آثارها السلبية كما فعلت الصين بصمت، والتي عملت كخلية نحل وفريق عمل متكامل في كل أجهزة الدولة ، وأخرى انهارت أنظمتها الصحية، وعجزت عن اتخاذ التدابير اللازمة في حينها، وظلت متفرجة على انتشار الوباء.

ما يعيشه العالم اليوم، ليس مجرد أزمة صحية، بل لها جوانب عديدة، وهي في أحد جوانبها أزمة إدارة و معركة الوعي في المجتمعات، وهناك حكومات تتعاطى مع الموضوع بكل جدية، وتدير الأزمة بنجاح وشفافية ومسؤولية ، وأخرى تتساهل فيه وتخفي الحقائق عن الرأي العام، وتفشل في إدارة الأزمة، ولا تبالي بالخطر الكبير الذي يهدد حياة البشر.

فإدارة الأزمات علم وفن بآن واحد، فهو علم يعتمد على مجموعة من المبادئ والقوانين والنظم والنظريات، وأساليب التحليل والتخطيط. وهو فن يعتمد على الموهبة الشخصية، والكفاءة الإدارية، والمهارات الفردية والجماعية، لتحديد وتقدير وفهم التعامل مع المواقف الخطرة، والقدرة على اتخاذ المواقف في ظل الظروف العصيبة، لاستنباط طرق ووسائل الحلول والمخارج للأزمة.

لذا فإن إدارة الأزمات تعتبر اختباراً صعباً للإدارة والقيادة، وتظهر المهارات القيادية الحقيقية، والقدرة على التصرف بسرعة وجدارة، والقدرة على تدوير الزوايا الحادة للأزمة، لإيجاد حلول جذرية للمشاكل الناجمة عن تلك الأزمة، أما في وطننا الحبيب فأن القيادة الفلسطينية تسخر كافة الإمكانيات البسيطة، والتي قدمت فيه مؤسسات الدولة نموذجاً يقتدى به للإدارة الرشيدة، وإدارة الأزمات الوطنية، حيث أظهرت حكومة الدولة، مستوى غير مسبوق من الحكمة والتعقل والانضباط والصبر والإيمان، وعدم التعامل باستهتار مما يؤهل القيادة الفلسطينية للنجاح في مواجهة أزمة الكورونا متقدمة بذلك على الآخرين في دول متقدمة. حيث تم تشكيل لجنة عليا وفعالة لإدارة الأزمات برئاسة معالي رئيس مجلس الوزراء، وذلك لضمان التزام جميع الوزارات والهيئات والمؤسسات، تلك الهيئة التي باشرت في وضع وتنفيذ خطط وإجراءات احترازية وقائية وعلاجية بآن واحد. وعلى الرغم من قساوة الأزمات، إلا أنها تحصن الدولة التي تضربها إذا ما كانت هيئة إدارة الأزمة مؤهلة وترفع من مناعتها تجاه أزمات جديدة، حيث تتطلب إدارة الأزمات مهارات قيادية حقيقية تتسم بالأمانة والجرأة والالتزام والقدرة على التصرف بمهنية وجدارة لاحتواء الأزمة والأبحار في خضمها إلى بر الأمان.

وطننا الجريح سخر كل إمكانياته رغم قلتها للتعامل معه واحتواءه والحد من انتشاره، فجاءت الإجراءات الحكومية المهنية والصارمة وكانت مناسبة لقوة الحدث، رغم اصطدامها في البداية بعدم وعي البعض، وما نتج عنه من عدم التزام ومحاولة التقليل من أهمية وخطورة هذا الفيروس.

أن مستوى الوعي والسلوك، والثقافة لدى الشعوب والمجتمعات في مثل هذه الحالات هو من أهم عوامل النجاح أو الفشل في مواجهة الأزمة، وهناك شعوب تملأ الطرقات والأسواق والمقاهي، رغم خطورة التواجد في الأماكن المزدحمة، ويهاجم أفرادها المحلات والأسواق بهلع لشراء كمية كبيرة من المواد التموينية والغذائية ما يكفيهم لأسابيع وأشهر، وتخزينها في البيوت، بل هناك أسوأ من ذلك، وهو وقوف الناس في طوابير طويلة أمام المخابز والصيدليات، كما هو الحال في ظل انتشار فيروس كورونا.

وفي الجهة الأخرى، هناك شعوباً ومجتمعات مستوى الوعي والسلوك، والثقافة لديها عالٍ للغاية، وتلتزم بالقرارات التي تتخذها الحكومات كي لا ينتشر الفيروس، ويلزم أفرادها البيوت، ولا يخرجون منها إلا للضرورة، ويراعون الظروف الطارئة الاستثنائية التي يمر بها العالم، وهؤلاء بعيدون كل البُعد عن الأنانية، ومستعدون لتقاسم ما لديهم من المواد التموينية والغذائية وغيرها مع الجيران والفقراء والمحتاجين، وبالتوازي مع أخذهم بأسباب الوقاية، واتخاذهم التدابير اللازمة كافة، والتزامهم بتوجيهات الحكومة المعنية، يؤمنون بقضاء الله وقدره، وأنه لا يصيبهم إلا ما كتبه الله لهم، ويلجؤون إلى رب العالمين بالتوبة والدعاء، ولا يستسلمون للخوف

قد تكون المرحلة القادمة أكثر صعوبة وتتطلب الالتزام التام وما يصاحبه من البقاء في المنازل وعدم الاختلاط والمحافظة على المسافة المجتمعية الآمنة.

ولكي تمر هذه المرحلة بسلام ولكي يكون التزامنا في منازلنا مفيداً، يجب إشغال الوقت بالعبادة والقراءة والمطالعة والعمل والتعليم عن بُعد، وتدريس الأطفال وإيلاء العائلة العناية اللازمة.

 وما يجول بخاطري : آما آن الأوان  لتوحيد الصفوف وأنهاء الانقسام الذي هو أشد خطراً علينا من هذا الوباء، لتحصين مناعتنا الفلسطينية، وحل أزمتنا الداخلية ومواجهة المخاطر الخارجية.

نسأل الله العلي القدير أن يوحد صفوفنا ويبعد عنا جميعاً الأمراض والأسقام والأوبئة وأن يحمي البشرية من كل مكروه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

        كاتب فلسطيني