الحب في زمن الكورونا بقلم:على حزين
تاريخ النشر : 2020-03-23
الحب في زمن الكورونا بقلم:على حزين


                           الحب في زمن الكورونا

قصة قصيرة :  .......                             بقلم / على حزين

العالم اليوم يحبس أنفاسه , كورونا أصبح حديث العالم , الموضوع أصبح جد خطير , خرج عن السيطرة ....

كورونا ماسكة في مفاصل الكرة الأرضية .. كورونا تهدد كوكبنا الأرضي , وباء , ينذر بفناء ثلث العالم على أقل تقدير .. تلك تصريحات منظمة الصحة العالمية .... " أعلنت منظمة الصحة العالمية بأن الوباء يجتاح العالم , وأن العالم لم يشهد مثل هذا الوباء من قبل , والعالم خائف مرعوب , ويراها سوداء قاتمة بُلُك , أسود من قرن الخروب " ...........

 ــ لم أتخيل يوماً أن يصل بنا الحال إلي هذه الدرجة .. ولا أدري إلي أين .. ولا ما مصير الكرة الأرضية ... ؟! ..".....

الخوف والرعب مسيطر على العالم .. الخوف ملء الكرة الأرضية , ألان ملايين البشر رهن الإقامة الجبرية كلٌ يحبس أنفاسه , الكل محبوس في منزله , دول بأسرها أعلنت بأن الأمر عندها خرج عن السيطرة , حتى أن رئيس بريطانيا العظمي خرج ليقول للناس : ..

ــ  ودعوا ذويكم وأحبائكم ..؟!....

يا إلهي أإلي هذا الحد , ولهذه الدرجة , أيام قلائل , يجتاح فيروس صغير العالم ويملا الكرة الأرضية رعباً , والعالم  كل العالم , بما وصل إليه من علم , وبما لديه من إمكانيات , وتكنولوجيا متطورة لم يستطع أن يسيطر على فيرس صغير لا يري إلا تحت المجهر ... سبحانك يا الله ...........

من يعطيني عقله , فأنا الآن بلا عقل , بلا منطق صدقوني , نعم أنا بلا عقل , وفي حالة حزن شديد على ما يحدث للعالم من حولي ..الآن أنا أشعر بالضيق وبالاختناق وبالاكتئاب , أنا فعلا مصاب بالاكتئاب , وسأم من كل شيء , من الدنيا , والعالم , والناس , ومن كل شيء ...........

شيء مرعب مُقْرف أن ترى العالم محمل بطاقة سلبية مدمرة ، حروب  .. طاقات مهدرة , ليس لها أي مبرر .. أزمات اقتصاديه كبرى .. مجاعات طاحنة .. علاوة على الفساد المستشري .. زائد الفقر , والجهل , والمرض , ضيف إلي ذلك الخداع , والغش , والرشاوى , والضمير الذي مات في قلوب كثير من الناس ......  

والذي زاد وغطى على كل هذا وذاك ما يسمى بوباء العصر , كورونا الذي ظهر فجأة , وانتشر بين الناس ........   

الخوف سيد الموقف .. فوبيا  كرونا صارت العنوان الرئيسي على كل المنشطات وضيف على كل الفضائيات , وبرامج التوك شو , وتصدر كل نشرات الأخبار , خوف , فزع , هلع , رعب يجتاح العالم , والكبير والصغير على حذر , ..........

ألاف القصص تحدث , والحكايات كل يوم تروى , وتشاهد علي مسرح الحياة .. مأساة حقيقية تخطت المعقول , ما يجعلها تصلح لان تكون مسرحيات تراجيدية على كوميديا سوداء تخرج لمسرح شكسبير لسانها ..........

رميت نفسي في الشارع , مثل كل مرة , مارست هوايتي المفضلة المشي ...

وبرغم كل التحذيرات عبر الفضائيات , وعبر مواقع الانترنت بلزوم البيت , وعدم مغادرة المنزل لأي سبب من الأسباب .. وبرغم فرض عدم التجوال في البلاد ..    إلا أني خرجت أشتم الهواء كعادتي , لا أعلم لي وجهة معينة , لكن حب الفضول دفعني لأن اقترب من احد المتاجر الكبيرة في المدينة القديمة الصاخبة .. فهالني ما رأيت , وما رتبه لي القدر من صدفة جميلة , رأيت حبي القديم, دنوت منه , مددت يدي نحوها , سلمت عليها , ردت علي السلام , قلت لها :

ــ رب صدفة خير من ألف ميعاد ,

فابتسمت ولمعت عيناها , ثم أطرقت إلي الأرض هنيهة تفكير , وكأن أمراً ما عنى لها , وكنت واقفاً أمامها أنظر إليها , وموج عينيها الأزرق يسحبني نحو الأعمق , وبسمتها تعيد الحياة إلي الروح الموات , ارتدينا الصمت ساعة ,  وشريط الذكريات يكر في رأسي كرا .. ثم واصلت كلامي معها , سألتها عن أحوالها , وسألتني هي أيضاً .. تكلمنا , واشتممنا عطر الماضي .. ثم انصرفنا كل منا في طريق , وإلي حال سبيله وظلت انظر إليها , وشوارع المدينة القديمة المزدحمة الصاخبة قد ابتلعتها ... وغابت وسط الزحام .... كانت تشتري أغراضا لها , حين رأيتها في نفس المكان صدفة في القديم ................

تذكرت أول لقاء جمع بيننا , حين كنت في الجامعة .. وكانت هي تدرس في نفس المدينة التي كنت أدرس فيها , جمعنا القدر ذات مرة , ونحن عائدون في القطار ,  وكانت كالقصيدة صاخبة ثائرة , ودار بيننا حوار بسيط جداً , كلماته مقتضبة , لا تتعدى أصابع اليد الواحدة , أنا الذي بادرتها بالكلام , فابتسمت لجرأتي معها .. وكانت تستمع إلي ولم ترد , غير أنها كانت معجبة بما افعل .......

" أذكر على جيلنا , وفي ثمانيات القرن المنصرم تحديداً , كان الاختلاط قليل جداً , ويكاد يكون معدوم إلا في بعض أماكن محدودة بعينها , وكان الكلام مع أنثي غريبة عنك , خاصةً في مكان عام , يعتبر تهور, ومخاطرة غير محمودة العواقب, ومجازفة , وجرأة تصل إلي درجة الانتحار , أو الجنون , وخصوصاً في صعيد مصر, ومع ذلك تهورت , وجازفت , وتجرأت , وكلمتها , فكلمتني , وضحكت لها فضحكت لي , ثم توالت بيننا القاءات , وتطورت الحوارات , ونشئت بيننا علاقة عاطفية قوية , وقصة حب رائعة , لكنها لم تكتمل لتتوج بالزواج .. يا آه على تلك الأيام الحلوة ..".....

يأتيني صوتها الجميل العذب , كقطعة موسيقية رائعة , تسحبني من تحت ركام الماضي , وتداعياته المؤلمة , وينتشلني من بحر الذكرى , ومن أمواجه المتلاطمة وابتسامتها الساحرة التي لم يستطع الزمن أن ينال منها , تملأ  روحي التي جفت بماء الحياة , ...............

انتبه لأجد نفسي واقفاً أمامها من جديد وجهاً لوجه , وأنا أفكر في هذه الصدفة التي دبرها لنا القدر .. وكأن الزمان عاد بنا إلي الأيام الخوالي , وعجلة الحياة دارت وعادت من جديد , ورحنا نعدو مع بعضنا , في المدينة القديمة , نستدعي ونسترجع  الذكريات , ثم افترقنا مرة أخرى .. كل منا في طريق ....

" ربما سيل الذكريات المؤلمة هو الذي جرفني , وربما السأم والأرق والملل من كل شي حولي , وربما المخاوف التي تملكتني والأفكار التي انهالت علي فجأة , وهاجمتني من كل جانب كوحوش ضارية هي التي أخرجتني الليلة من منزلي , لأهيم علي وجهي في الشوارع والطرقات ..".........

مخاوف , وظنون , شكوك , وأوهام , تنتزع العقل مني , وتقض مضجعي .......

أخذت أمشي علي غير هدى , كالتائه أحاول أن أتفادى الزحام .. والعربات التي تملأ نهر الشارع , أخرجت منديلاً ورقياً , وضعته علي أنفي وفمي , حتى لا أتنفس عادم العربات , والشبورة الترابية .. احتميت بكورنيش النيل .. الذي وجدته خاويًا من العاشقين .. وحتى لا اصدم بأحد يكون محمل بالفيروس وبالعدوى .. لعنة الله على كل الأوبئة , والأمراض ..........  

ألقيت نظرة على النيل الأزرق , فرأيت منسوب المياه قل عن ذي قبل .. وظهرت بعض المناطق التي كانت يغمرها الماء ............

تذكرت ما كنت أسمعه في الماضي وكل ما قرأته من عشرون عامًا مضت عن الماء وحروب الماء القادمة .. وحروب الجيل الرابع والخامس.. وكنت لا اصدق ما يقال . وكنت اضحك بملأ فمي وأقول : ..

ــ  كيف ذلك , وعندنا نهر النيل العظيم , ولدينا خزان السد العالي ..؟!...

وكنت استبعد هذا كله من زهني .. كما أن عقلي كان لا يصدق ذلك , وأقول لنفسي:

ــ كيف يأتي يوم ولا نجد فيه الماء , ونحن عندنا نهر النيل العظيم .. ومصر أم الدنيا وهبة النيل العظيم منذ ألاف السنيين .............

تذكرت تلك الأزمة الدائرة حول سد النهضة , وحقنا التاريخي في الماء , والحرب الكلامية الطاحنة الدائرة بين البلدين في الإعلان , وعبر الفضائيات , والمفاوضات ــ هل صحيح ما يقال بأن إسرائيل من زمان طويل تريد بأن تأخذ حصة من الماء وتحولها في مجرى إليها.. لذلك هي تلعب في المحابس , وتعين علي قيام السدود هنا وهناك من أجل أن تحجب عنا الماء .. وتعبث بأمننا القومي .. أهل صدق المحللون والاستراتجيين ..؟..

نظرت حولي , الشوارع شبه خاوية , بالرغم أن الوقت لم يزل مبكراً .. قِلَةٌ هم الذين يمشون في الشوارع , الوجوه التي تقابلني محملة بالخوف , ويملئها الرعب والحزر ... قلت في نفسي .......

ــ لماذا الناس تخاف من الموت , وهي على يقين بأنها سوف تموت يوماً ما..؟!.. وما هو الخوف ..؟!.. وكيف انتشر هذا الفيروس القاتل اللعين .؟.. وكيف , ولماذا يهدد البشرية والعالم جمعاء..؟!..وكيف انتشر..؟.. ومن الذي تسبب في انتشاره..؟ ومن وراءه ..؟.. وهل هو حديث أم قديم ..؟.. وهل فعلاً كما يقول أصحاب نظرية المؤامرة .. بأن ألشيطانه أمريكا هي التي أطلقته علي الصين , وإيران ..؟..

أم أن الصين هي التي تسرب الفيروس من معاملها..؟.. أهل يعقل هذا.. ولماذا..؟!. ولما لا والصين وأمريكا تتبادلان الاتهامات والحرب الكلامية حتى الآن , ومنذ فترة ولم تنتهي بينهما بعد .. ثم الغريب في الأمر, أن أمريكا تقول : اكتشفت مصل وعقار للفيروس , وهاهي الصين تعلن نجاحها في القضاء علي الفيروس .. ونظريات أخري كثيرة , تتداول وبكثرة , وشائعات تنطلق هنا وهناك , ما بين مهول , ومهون , وكلاً يدعي بأن الحقيقة معه , وهي حكر عليه وحده .. على سبيل المثال , هناك من يقول :

ــ أن الأمر خطير للغاية , وبأن البشرية والعالم لم تشهد مثل هذا من قبل ..  

ومن يهون الأمر يقول :

ــ أن ما يطل علينا وما يصدر من بعض الدول الموبوءة , وما صرحت به , وما أعلنته منظمة الصحة العالمية , ونطقت به من كلام غير صحح , وعاري تماما من الحقيقة , وبأن الأمر كله ما هو إلا هزل , ولعبة قذرة تلعبها كبرى شركات الأدوية العالمية بالاتفاق مع بعض أعضاء منظمة الصحة العالمية والدول العظمى والغُرف التجارية من أجل شراء منتجاتهم ..

أنا الآن ليس على ما يرام .. أنا الآن أعاني من التشويش العقلي , وعدم القدرة علي التركيز , وعدم معرفة الحقيقة .. ما أصعب العجز , والقهر , والخوف من المجهول , والشك وعدم اليقين .. وأن نبكي من دواخلنا , ونصرخ من جوانا ..

" على العموم الأيام القادمة كفيلة لتكشف لنا كل الحقائق , وتبين من الصادق ومن الكاذب .. أنا بتمني أعيش في كوكب تأنى .. " ...............

لليلة أمس خرج علينا المتحدث الرسمي باسم الصحة , ليعلن عن عدد المصابين والمشتبه بهم , وعدد المتوفين منهم , والمعافين , ويعلن عن تعليق الدراسة لمدة أسبوعين مدفوعة الأجر , وإعلان حالة الطوارئ في البلاد ...................

استوقفني مشهد صبية صغار يلعبون في نهر الشارع , برغم التحذيرات من قبل السلطات , وإغلاق كثير من النوادي , والمقاهي , ودور العبادة , والسينما .  ومع ذلك ها هم الآن صغار يلعبون في الشارع .. ولا يفكرون إلا في اللعب وفقط

ولا يدرون ماذا يدور حولهم في العالم .. وكأنهم لا يعرفون شيء إلا  اللعب والضحك البريء .. وكأن الأمر لا يعنيهم ...............

" اللعنة على كورونا , وعلى هذا الوباء اللعين , وعلى من يقتل الأطفال الأبرياء"

جلست على احد المقاعد الرخامية المجاورة وأنا أنظر إليهم , وأتابعهم عن كثب وهم يلعبون ويلهون , وهم يحضنون بعضهم بعضاً , وهم يضحكون , دون خوف من كورونا , وكأن شيء لم يكن قد حدث في هذا الكون , ورحت اسأل نفسي :

ــ لماذا هؤلاء الصغار لا يخافون ..؟!. تري هل يعرفون ما يحدث في العالم ألان .؟!

وكنت أنظر أليهم وبرأسي ألاف ألأسئلة تدور ولا أجد لها إجابة ناجعة ......

شعرت بالبرد الشديد وبالصقيع والملل , قمت من مكاني ,عدت أدراجي إلي البيت جلست على أقرب أريكة قابلتني في الصالة , فتحت التلفاز , قلبت في قنواته الفضائية , نفس الوجوه القميئة التي مججتها وسئمتها جميعًا .. الكل يثرثر عن وباء كورونا , وعن أعراضه , والعدوى , وطرق الوقاية منه ..........

أتقلب على أريكتي , وأنا كلي ضيق وضجر , متبرم من كل الأحداث التي أراها تجرى من حولي , العالم أصبح قرية صغيرة , كثير من الدول قفلت حدودها , ولا يدري العالم إلي أين هو ذاهب , ولا ما المصير ,

شعرت بالاختناق , أسرعت إلي النافذة , طللت برأسي إلي الشارع الطويل .. أخذت أتنفس نفساً عميقًا , سحبت كرسيًا وجلست , أشعلت سيجارة كيلوباترا , بعدما صنعت كوباً من الشاي الساخن , , سرحت بعقلي بعيدًا ,  وأخذت أتأمل في كتاب الكون البديع , وهذا الوجود الفسيح ,

ــ " وله في كل شيءً أية تدل على أنه الواحد "

وأخذت أكتب ما يأتيني من أفكار .. ثم اتركها وقتاً , ثم أعود إليها لأهذبها بعد ذلك , فأنا أعلم بأن الأفكار صيد والكتابة قيد , وأنا أفعل ذلك دائمًا  

سرحت بخيالي , وأخذت الذكريات تتقافز من راسي , تذكرت أيام طفولته , وتذكرت  أبي الذي مات من سنيين طويلة , وأمي التي لم تقوى على فراقه فرحلت خلفه كمدًا وحزنًا.. وتذكرت حبي القديم الذي لم يتوج بالزواج , وتذكرت ما يحدث للعالم اليوم وأخذت أفكر في مستقبل أولادي , وما سيلحق بهم عندما يكبرون , فضحكت قليلاً , وبكيت كثيرا.. ولم أفق إلا صوت الأذان يملأ الأفاق , قامت من مكاني , توضأت  , صليت , ثم دعوت الله أن يدفع عنا الغلاء والوباء والبلاء .....

************

تمت ظهر الأحد 22 / 3 / 2020

على السيد محمد حزين ــمصر