استراتيجيات البقاء والاستدامة لمؤسّسات(التعليم التطّبيقي والتدريب) بقلم:أ. صخر المحاريق
تاريخ النشر : 2020-02-27
استراتيجيات البقاء والاستدامة لمؤسّسات(التعليم التطّبيقي والتدريب) بقلم:أ. صخر المحاريق


استراتيجيات البقاء والاستدامة لمؤسّسات(التعليم التطّبيقي والتدريب).
الكاتب: صخر سالم المحاريق.

تُعتبر الجامعات مَنظوماتٍ مُجتمعية مُنفتحةٍ بطبيعتها على سوق العمل، إذ تتأثر به وتؤثر فيه، فهي تتأثر به كوسيط فيما تُقدم من خدمات تعليمية وتأهيلية، مُستندة في ذلك على (القدرة والرغبة*والحاجة الفعلية) للاختصاص ومزاولته كمهنة في سوق العمل، وتؤثر فيه كأداة للتنمية الشاملة عبر عملية "التَعليمَ والتَّعَلُمَ"، والذي يُعتبر مُحرك قطاعاتِ التنميةِ المختلفةِ وصُنوفها، وخاصة الاقتصادية والاجتماعية منها. ولو أمعنا النظر لبُرهَة في المعنى الحرفي والاصطلاحي لمسمى (جامعة)؛ لوجدنا أنها إطار تنظيمي شُمولي، يضم مجموعة من الكُليات والدوائر كتقسيمات إدارية وتنظيمية، مُصنفة المُسميات والاختصاصات، ومُحددة الأهداف والغايات.

إن حَدّيثي هذا سيقتصر على تلك الكُليات، والتي ترعى في خضم نشاطاتها التعليمية، تلك الاختصاصات والتخصصات ذات "الطابع التطبيقي" في دراستها وتشغيلها، بحيث تَمنح درجات علمية مختلفة ضمن هذا النطاق، وهي درجات (الدبلوم والبكالوريوس) التطبيقيين، ومن هذه الكليات على سبيل المثال: كليات المهن التطبيقية، والعلوم التطبيقية، والهندسة بحقولها واختصاصاتها، وليس تلك "الاختصاصات التقليدية" ذات الطابع النظري في دراستها وتشغيلها. وسأبدأ الأمر ببارقة أملٍ لتلك الكليات وروادها من الطلبة والخريجين، والتي تُفيد بأن "التعليم التطبيقي" أصبح اليوم؛ التعليم الأكثر اهتماماً، في طرحه كأداة للتنمية وللتشغيل، وخاصة في دول العالم الثاني والثالث أشباهَنا، والتي هي بأمس الحاجة لهذا النوع من التعليم العملي والمستمر والخلاقِ للريادِّيةِ والمشروعات بصنوفها، كونه أداة الخلاص من ظواهر اقتصاديةٍ واجتماعيةٍ (كالبطالة، والفقر، والعوز، والتَّهميشْ)، فهو الطريق الأقرب لسوق العمل، والأقل تكلفة.

طبعاً هذا هو ما ثَبّتَ جلياً وفق قرائن ومُؤشرات دالة ومُؤكدةً على ما أسلفت، ومن ذلك الارتفاع المُطرد في نسب البطالة الواضحة في (التخصصات الأكاديمية البحتة) وفروعها وخاصة التقليديةِ منها، وفق أرقام وإحصائيات علمية فعلية ومنشورة، مع أني شخصياً أرى أن منظومة "التعليم التطبيقي" المتطورة في هيكليتها، تُبنى في عمادها على أسسٍ متينةٍ من اقتصاديات نشطة وديناميكية ومُتفاعلة بين أطرافها الأربعة (الصناعة، والتجارة، والزراعة، والخدمات) وقطاعاتها المؤسساتية الثلاث (العامة والخاصة والأهلية)، وهذا غير مُتوفر لدينا في فلسطين فعلياً، أو يوجد به بالأحرى فجوات كبيرة في إمكانية وجوده، لظروف من المستطاع ومن غير المستطاع. وهذه بعض استراتيجيات العمل التنموي، والتي من الممكن أن يُبنى عليها بقاء ومُستقبل تلك الكُليات واستدامة أثرها الفعلي والواضح في مجتمعاتها، ومن تلك الاستراتيجيات:

·         أولاً: استراتيجية الاختيار: والتي تستند على عملية (الغربلة والانتقاء النوعي)؛ كأداة لاختيار الصفوة من (الطلبة والمدرسين، والاختصاصات)، وذلك وفق معايير ومتغيرات (كيفية ونوعية) لا (كمية وعددية)، فاختيار الطالب مثلاً يستند (للرغبة* القدرة)؛ وهذا بشكل تلقائي سيعزز من ثقافة الهواية والاهتمام مجتمعياً، وبالتالي الشغف والإنجاز، وأما اختيار المُدرس (فالمعرفة* المهارة*الميزة)، وأما الاختصاص (فالحاجة له * مستقبل تلك الحاجة) في سوق العمل.

·         ثانياً: استراتيجية التشكيل والتكوين المهني: والتي يجبُ أن تستند على (التركيز والتخصصية الضيقة، إضافة إلى التَّعلُمْ المُجتمعي)؛ بمعنى آخر أن يتم تقسيم "العملية التعليمية" إلى شطرين أساسيين: الأول: ويتمثل في التموضع في صُلب الاختصاص ولبه دون أية مُشتتات تذكر، فيما يُعرف بعملية "التمركز والتخصصية الضيقة"، والتي تصنع التميز والاختلاف بين خريج وآخر وكلية وأخرى، من خلال جملة من (الكفايات التعليمية والمهنية)، إضافة للميزات التنافسية والمطلوب توفرها في شخص المهني أو الفني، وأما الثاني: فهو التعليم المجتمعي المزدوج؛ بحيث يمارس في الكُليات (الجانب النظري) من التعليم بنسبة 40%، وفي سوق العمل (الجانب العملي) والمُكثف بنسبة 60%، وذلك في مُجمل العملية التعليمية، بحيث يكون فيها الجانب العملي أكثر تكثيفاً بساعات زمنية فعلية، مما يُعزز من سرعة انخراط الخريج في سوق العمل وتوظيفيه، عبر تماسه المباشر بمشغله المستقبلي أو الافتراضي، وتجاوزه للجانب التدريبي عند التشغيل لتقمصه فعلياً.

·         ثالثاً: استراتيجية التعلم مدى الحياة والمعروفة (بالتعلم المستمر): هذا النوع من التعليم والذي يضمن لتلك الكليات امتدادها وتواصلها المستمر بمجتمعاتها، من خلال البقاء في الطليعة عبر علاقة مُستمرة ودائمة مع صنوف المهن وقطاعات الأعمال المختلفة، فيما تمنحه هذه الجامعات عبر كُلياتها من درجات علمية ذات طابع "فني ومهني"، ووصف ومواصفات مهنية ووظيفية أي (كفايات) لمزاولة المهن المختلفة، وضمانٍ لمستقبل تطورها ونموها، ومن ذلك درجات الدبلوم بأشكاله قصير المدى "أقل من سنة"، متوسط المدى من 2-3 سنوات، والدبلوم العالي ما بعد الدراسة الأكاديمية، إضافة للدورات التدريبية المستخدمة لغيات التطوير والتحسين الوظيفي والمهني المستمرين، كمتطلبات وأركان لإدارة الموارد البشرية الكفؤة والفعالة في المؤسسات المختلفة.

·         رابعاً: استراتيجية الانفتاح الاداري والتغلغل المُجتمعي: وهذا يُحتم على مؤسسات التعليم العالي "الجامعات"، عدم الثبات والركون إلى حالة من التَقَّوْقُعْ على الذات، بل بالمُبادرة في تجسيد علاقات (الشراكة والتشبيك) مع غيرها من تشكيلات المؤسسات (العامة والخاصة والأهلية)، أو حتى تكوين "علاقات توأمة" مع غيرها من المؤسسات المحلية والدولية ذات الأهداف المشتركة.

·         خامساً: استراتيجية الاستثمار والتدوير لا الانتظار والتوفير: وذلك لمّدِ وتمويل خزينة تلك المؤسسات مالياً، وزيادة اعتماديتها على الذات، عبر تدور رأس المال واستثماره من خلال (إنشاء أو شراء أو محاصصة المشاريع الاستثمارية) مع غيرها، في هيئة ورش ومصانع متخصصة أو معامل للتجميع، تمزج بين عملية التعليم وعملية الإنتاج كمخرجات تعليمية صالحة للبيع والإتجار، والتي تزيد من عملية الاستدامة المالية لتلك المؤسسات التعليمية، وتُعزز من التخلي عن رسوم الالتحاق بها شيئاً فشيئاً، باتجاه "التعليم الرمزي".

·         سادساً: استراتيجية القولبة والنَمذَّجة والتأْطير: وهذه هي استراتيجية التميز والاختلاف المحلي والعالمي، والتي لا تأتي من فراغ بل تتطلب من تلك الكُليات بناء الذات وصياغة الاستراتيجيات، في أن تكون رائدةً على مستوياتها المحلية فيما تصنعه وتصيغه من قوالب تعليمية وتطبيقية، قابلة للتعميم والمُحاكاة والنمذجة العالمية، وهذا فعلاً ما تقوم به العديد من المؤسسات التعليمية الدولية، والتي نجحت في صياغة قالبها الخاص في بلادها ثم انطلقت به إلى العالمية، من نقل فلسفات بلادها التعليمية إلى غيرها، كنماذج تعليمية تنموية قابلة للتعميم المحلي والعالمي.