رفضاً لصفقة ترامب – نتنياهو رسالة إلى الرئيس بقلم: عمر خلوصي بسيسو
تاريخ النشر : 2020-02-27
رفضاً لصفقة ترامب – نتنياهو رسالة إلى الرئيس بقلم: عمر خلوصي بسيسو


رفضاً لصفقة ترامب – نتنياهو رسالة إلى الرئيس..
بقلم/ عمر خلوصي بسيسو *

ما تفرضُه القوة هو ما يجب أن يكون.. تلك هي رسالة ترامب ونتنياهو, ورؤية "صفقة المسيحية الصهيونية المتطرفة, واليمين التوراتي العنصري المتطرف في أمريكا وإسرائيل"  للفلسطينيين.. 

إنها رؤية نتنياهو التي تبناها كوشنير وصاغها محاموه فيما يُشكل سابقة في حقوق الدول والشعوب والقانون الدولي.. لم يعُد هناك ما يُمكن التفاوض عليه, إنه قانون القوة الذي يستحضر شريعة الغاب!

هكذا جاء الإعلان الأمريكي الإسرائيلي عن "صفقة احتيال" مخالفة حتى لأسوأ التوقعات, وهي "صفقة اغتيال" لحلم السلام, كُشفت تفاصيلها بعد التنفيذ الفعلي لمعظم بنودها على الأرض, بضم القدس لإسرائيل إعلاناً وممارسةً وقانوناً وقرار, ونقل السفارة الأمريكية إلىها باعتبارها العاصمة الأبدية للشعب اليهودي, والإلغاء الأمريكي لحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة, وشطب هذا الحق من أجندة المفاوضات, ووقف تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين " الأونروا" ومحاولة إنهائها, وتشريع الاستيطان وضم الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة.. 

لقد ترافق إعلان الصفقة  مع دعوة للمفاوضات مشروطة بالاعتراف الفلسطيني بيهودية إسرائيل وروايتها التوراتية السردية لتاريخ فلسطين, والقبول بسيطرة إسرائيل الأمنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية على ما تبقى من الأرض. 

يقولون لنا في صفقتهم: سموها دولة إن شئتم, المهم أن تفهموا أن السيادة التي طالبتم بها على مدى عقود بعد توقيع اتفاق أوسلو مفهوم جامد لا يناسب الشعب اليهودي ولا يحقق أمن إسرائيل, ولتكن الاراضي مخصصة لعيشكم ورفاهكم الاقتصادي, وأن تبقى منزوعة السلاح والسيادة في 60 معزلاً تربطها جسور وأنفاق وبلا حدود أو ميناء أو مطار..

ليس هذا فقط, بل يوجهون لنا كلاماً بلغة السادة للعبيد: عليكم تعديل مناهجكم المدرسية, واعملوا بحسن نية لضمان أمن إسرائيل, التي تقرر ما إذا كانت ستمنحكم ومتى وكيف وإلى أي مدى حق أن تكونوا شركاء في حفظ أمنكم الداخلي الذي سيبقى خاضعاً لتدابير يضعها الأمن الإسرائيلي!  

في مواجهة محاولة إلغاء الحق الفلسطيني وتصفية القضية نهائياً, لم يعُد كافياً ومقبولاً, الاكتفاء ببيانات الرفض.. لقد اُعدت الصفقة بعبارات وجمل وصياغات تستدرج الرفض الفلسطيني وتضمنت خطابا فوقياً ولغة استعلائية وصائية, تُشعر قارئها بالإهانة, ولم تترك لنا شيئاً لنفاوض عليه أو من أجله, إنها صفقة عار لمعلنيها وداعميها, تعيد الصراع إلى حالته الوجودية.. فإما نحن وإما هم, أو القبول بعودة طوعية لعصر السادة والعبيد, والتسليم بالسردية التوراتية للتاريخ بما فيها من غيبيات. 

إن الرفض العملي لهذه الصفقة بمخاطرها وآلياتها, لا يتم على منابر الخطب وفي مجلس الأمن والجامعة العربية لأن جميع هذه المحافل تُسوق لحالة انتظار طالت أكثر مما يمكن تحمله وطنياً وتؤسس لــ "ركون وعجز ولا قرار".

في القرن الماضي, بدأت حركة التحرير الوطني الفلسطيني"فتح" ثورة شعب يسعى لاسترداد حقوقه المغتصبة, حينها تم تحديد العدو ومجموع الخصوم.. كانت القضية مرشدأً والتضحية طريقاً, وكان الوطن أعز وأغلى من أن تتجاذبه المصالح والأهواء.. 

كنا بقيادتنا التاريخية عنواناً لحركات التحرر العالمية.. ونموذجاً للعمل الوطني الرافض لكل اشكال الاحتلال.. كنا نملأ الساحات العالمية فعلاً ثوريا مناضلاً, استرشدنا بتجارب تشي جيفارا وكاسترو وهوشيه منه والجنرال جياب والثورة الجزائرية.. وكسبنا احترام العالم واعترافه بعدالة قضيتنا وحق شعبنا في التحرر.. كان العالم يدعمنا والخصم يخشانا والعدو يخاف فعلنا.. 

فجرنا الثورة المسلحة ومن بعدها الانتفاضة.. وواجهنا من المؤامرات ماتنوء به الأحمال, صمدنا وواصلنا النهج إلى أن جاءت كامب ديفيد ومن بعدها اتفاقات أوسلو وخطة السلام العربية.. وقدمنا الاعتراف بإسرائيل, وألغينا بنود في الميثاق الوطني واعتمدنا التنسيق الأمني مع قوة الاحتلال وداعميها ورعاة سطوتها, مقابل حكم ذاتي ناقص في أول المفاوضات لا أخرها.

وللأسف غادرت قيادتنا في عهد اتفاقية أوسلو نهج التشاور.. وحق الاختلاف وضرورات الاتفاق على البرامج الوطنية الجامعة.. استفرد بعض القادة بالقرار ولم يتدارسوا خطواتهم.. ولم يخططوا لمواجهة استحقاقات اليوم التالي مع عدو شرس, 

لقد دمرت أوسلو تاريخنا النضالي وعصفت بحقوق شعبنا وأراحت الاحتلال وجعلته بلا كلفة! كما حفزت الاستيطان وسرعت تهويد القدس, وجعلت بعضنا حراساً للاحتلال منقادين لمحطات مخابراته ومؤتمرين لغرف عملياته.. أنهت حالة الصراع وفتحت الباب واسعاً للسلام والتطبيع العربي الإسرائيلي, لا لحل القضية الفلسطينية!

وبإعلانهم الصفقة الأمريكية الإسرائيلية اغتالوا ما تبقى من أثر لما سًمي بـ "عملية السلام" ومرجعياتها, ليجري فرض حلول بلا مفاوضات أو حتى تعاقد.. لا لوم لترامب وكوشنير فنحن لم نعلم الناس التفكير ولم نقبل منهم الرأي الأخر، بل اعتمدنا نهج تلقينهم، وضمهم للقطيع .. وكانت المشكلة..

لقد قالها الرئيس.. 

قال: "أنا عايش تحت البساطير الإسرائيلية" وقصد سطوة ضباط وجنود جيش الاحتلال! 

وقال: لا أؤمن بالحرب وأبلغت ترامب بأنني أريد دولة فلسطينية منزوعة السلاح! 

وقال أيضاً وفي أكثر من مناسبة: لايوجد طريق آخر, ولا نريد أي طريق غير المفاوضات للوصول إلى سلام بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي!

فماذا بعد وما موقفك الأخ الرئيس؟

إنهم خصومك.. من أضاعوا سنوات المفاوضات ودمروا فرص السلام, ولم يبقوا لك ولنا حقاً.. اتهموك باكراً بالإرهاب السياسي, والأن دسوا لك السم في ما أسموه "صفقة القرن", إنه "البلونيوم 210" في نسخته السياسية والإعلامية الأكثر إشعاعاً وإيلاماً لحكيم سلام ومفاوضات مثلك! 

نعم لقد دسوا لك السم, أما المصل المضاد فهو في رأيي إلغاء اتفاق أوسلو. 

وإعلان فلسطين دولة مستقلة.. على كامل أراضي الضفة والقدس وغزة باعتبارها أراض محتلة منذ العام 1967, والتوجه لمقاضاة بريطانيا على وعد بلفور, والولايات المتحدة على صفقة ترامب, وإسرائيل على كل جرائمها!

شعبك يريد أكثر مـن مجـرد رفـض للصفقـة..

الأن  شعبك بحاجة إلى قيادتك ولكن في طريق آخر.. 

الشعب الفلسطيني يريد الإمساك بزمام أموره والبدء بتحرك يُغيٌر مسار حالة العجز التي أثقلت كاهله, سلطة ومنظمة وحركة قائدة.

شعبنا يريد الحياة ويستحقها، ومن حقه وواجبه الدفاع عن أرضه ووجوده وحقوقه وكرامته, 

ومستقبل أجياله.. من واجبه الثورة على كل من خدعوه وتأمروا عليه, بكافة أشكال النضال, ليس فقط لجعل الاحتلال مكلفًا, بل لفرض التحرير طريقاً للتحرر والاستقلال. 

إن قضيتنا الوطنية الفلسطينية عادلة ومتفوقة أخلاقيًا، مدعومة بقرارات دولية حتى لو جاء بعضها ناقصاً ومجحفاً, ولها أبعاد عربية وإسلامية ومسيحية وإنسانية, تتناقض مع  كل ما تحاول الصفقة فرضه, بالقوة الغاشمة, وبعيدًا عن حقائق التاريخ.

المطلوب وبلا تردد أو تأخير 

إعلان فلسطين دولة تحت الاحتلال وحشد الشعب الفلسطيني لمعركة التحريرضمن رؤية تتضمن إعادة بناء منظمة التحرير على أساس الميثاق الوطني الفلسطيني. وإحياء حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" كفصيل ثوري وحركة تحرر وطني وتوحيد قوى اليسار الفلسطيني وضبط مسار الإسلام السياسي وتعظيم دوره ومعالجة أخطائه, بمراجعة واعية الملتزمة بمنظمة التحرير التي نريدها منظمة جامعة وحاضنة للكل الفلسطيني.

لم يعُد مقبولاً التمسك بتناقض المقاربات والرؤى, وتمترس حركة "حماس" وراء سلطة أمر واقع في قطاع غزة, وتمسك حركة "فتح" بسلطة بلا قرار في الضفة الغربية, ولم يعُد ممكناً طرح تسليم السلاح وما فوق الأرض وما تحت الأرض, كما لم يعًد جائزاً سياسياً وقانونياً الاستمرار بالتنسيق الأمني فيما تُصادر الأرض ويتسع الاستيطان وتُلغى الحقوق ويجري تصفية القضية, حصار قطاع غزة وقضم وضم أجزاء من الضفة الغربية جرائم لا يمكن مواجهتها بالمفاوضات وحدها! 

لم يعُد مقبولاً استمرار عذابات الشعب الفلسطيني في دول اللجوء العربية, وعلى أرضه التاريخية, كما لم يعُد ممكناً الصمت على صمت فصائل المنطمة واتحادات وهيئات المستقلين تجاه ما جرى ويجري فيما يُسمى جهود المصالحة بين شقي الوطن أي فتح وحماس!   

المطلوب لملمة الكل الفلسطيني واستعادة من خرج أو أُخرج من المظلة إلى الحضن الفلسطيني الجامع بقرار محكمة وطنية بالعفو المشروط أو الإقصاء والتجريم بحكم  محكمة قانونية تعتمدها هياكل المنظمة بعد إعادة بنائها.

علينا العمل لإعادة الاعتبار للفكر القومي العربي ولفلسطين كقضية قومية عربية إسلامية مسيحية وأممية جامعة. وإعادة الحياة لقرار اعتبار "الصهيونية حركة عنصرية وإسرائيل كيان غاصب" كما يجب ألا نخشى فزاعة معاداة السامية التي صارات أداة لتكميم الأفواه ومنعها من تناول حقيقة إسرائيل والحركة الصهيونية.. وألا نُلقي بالاً للوائح الإرهاب الأمريكية التي تتخذها الولايات المتحدة فزاعة وهي راعيته الأساسية وصانعته الخفية وتوظفه لتحقيق مصالحها وأهدافها.

* صحفي ومدير تحرير/
 مدير دائرة العلاقات والإعلام الخارجي سابقاً بوزارة الإعلام الفلسطينية.