شغفُ الموتِ بقلم:لؤي العريني
تاريخ النشر : 2020-02-26
بِصراحةٍ، وَلْنكنْ واقعيِّيْنَ، أفضلُ ما يمكنُ أنْ يحدثَ لِيْ هوَ الموتُ، خصوصًا أنَّنِي شابٌّ وَفيْ مقتبلِ العمرِ؛ وَمتدينٌ؛ وَمحافظٌ على صلاتِيْ؛ وَراضٍ عنْ نفسِيْ، وَعنْ عقلِيْ، وَقلبِيْ، وَنوايايَ؛ وَمثقفٌ؛ وَواسعُ الاطلاعِ؛ وَفي الأسابيعِ الأخيرةِ مِنَ المرحلةِ الثانويةِ -التوجيهي- وَربَّما سكنْتُ وَزرْتُ مناطقَ عديدةً؛ وَعرفْتُ، وَصادقْتُ، وَزاملْتُ، وَأيضًا شاجرْتُ، وَخاصمْتُ، وَأحببْتُ: أناسًا كثرًا؛ ذكورًا، وَإناثًا؛ كبارًا، وَصغارًا.
هنا، وَالآنَ تبدأُ المحبةُ المفاجئةُ، الآنَ تبيضُ الثعالبُ، هنا تزدادُ المآربُ؛ تبدأُ اعترافاتُ الصداقةِ الجديدةُ، وَتختفي كلُّ الذكرياتِ السيئةِ، وَالخصوماتُ كلُّهَا تندثرُ بعدَ أنْ كانَتْ تنفجرُ، الجميعُ يكونُوْنَ أصدقاءً وَأحبةً، وَتبدأُ الإثارةُ، أرى الدموعَ بِأمِّ عينِيْ فيْ عينِ أمِّيْ، لنْ تتوقفَ دمعاتُ أمّّيْ -إنْ بقيَتْ على قيدِ الحياةِ مِنْ بعدِيْ- سَيفتقدُ أخِي الوالدُ ذلكَ اللقبَ -أخِي الوالد- وَسَيتذكرُ بياناتي -وَهوَ الأعلمُ بِما أقصدُ- أما زملائِيَ، وَالأصدقاءُ، وَالمعارفُ؛ فَبتولُ لنْ تبقى بتولًا، وَيحيى بِالطبعِ سَيحيا بعدَ موتِيْ وَسيكتملُ الفريقُ، تقى سَتتقي اللهَ حقَّ تقاتِهِ بعدَ موتِيْ، وَثامرُ قدْ يقومُ بِفكِّ حظرِ الماسنجرِ بعدَ ثمرةِ وصالِنَا، أما أستاذتُنَا سلامُ، منْكِ السلامُ، عليْكِ السلامُ، أرجو أنْ تعاودِي إرسالَ طلبِ الصداقةِ قبلَ فواتِ أوانِيْ، بعدَ أنْ كنْتِ قدْ رفضتِهِ بِأولى الثواني، وَصديقتِيْ بسمةُ لنْ تبقى على وجهِهَا البسمةُ.
سَيسارعُ الجميعُ بِنشرِ خبرِ وفاتِيْ، وَسَتتولى الصحفُ العامةُ ذلكَ أيضًا، وَكأنَّنِيْ أهمّ شخصيةٍ في المملكةِ، الجميعُ سَيبدأُ بِقصِّ المحادثاتِ الخاصةِ وَنشرِهَا؛ لِبرهنةِ عمقِ الصداقةِ -وَهيَ المزيفةُ بِالأصلِ- لِذا احتفظُوا بِمحادثاتِيْ؛ قدْ يكونُ يومِيْ قريبًا، سَتحتفظُ جدتِيْ بِقميصِيَ الأخضرِ الذيْ كنْتُ أرفضُ خلعَهُ أوْ تبديلَهُ، سَيتمُّ بناءُ بيتِ العزاءِ في الأرضِ المقابلةِ لِبيتِنَا وَالتي لنْ يكونَ بِمقدورِيْ بناءُ البيتِ فيْهَا إنْ نجحْتُ بِامتحاناتِ الثانويةِ العامةِ، سَيمتلئُ البيتُ، وَسَيأتي الجميعُ معزيِيْنَ وِمنْ جميعِ أنحاءِ المملكةِ، وَسَتشهدُ أسرتِيْ جنازةً هيَ الأعظمُ، وَالأكثرُ حضورًا، سَيتمُّ نعيُ خبرِ وفاتِيْ بِالإذاعةِ المدرسيةِ في اليومِ التالي، وَسَيشهدُ جميعُ الأساتذةِ وَالطلابِ بِأنَّنِيْ كنْتُ الأفضلَ، حقًّا سَأكونُ شخصًا رائعًا!
أما محبوبتِيْ خائنتِيْ، وَسرُّ خمودِيْ، فَسَأتركُ لَهَا تكملةَ هذا النصِّ بِذكرياتٍ هيَ أعلمُ بِهَا، فَالمخفيُّ ما زالَ أعظمَ.