من ضحايا المجتمع وغياب القوانين بين القدس والضفة بقلم:وجدان شتيوي
تاريخ النشر : 2020-02-26
عندما التقيتها في عمل أول مرة قرأت في عينيها حزنًا لا ينتهي ، و شعرت أن وراء ابتسامتها ألم كبير ، و حكايات طويلة لكني أتجنب دائمًا نبش ما يحاول المتعبون إخفاؤه ، و لا يحكمني الفضول لأتخذ من مآسي الناس مجدًا ، و من معرفة تفاصيل أوجاعهم خيطًا لنسج قصص أو روايات ملفتة للنظر ، أو نشر قضية مثيرة للجدل ، و هذا ما أراه من أدب الكتابة وأخلاقياتها.
وذات يوم بعثت لي فرح التي أسمت نفسها بهذا الاسم علها تأخذ منه نصيبًا برسالة تخبرني بتفاصيل عن مشكلة حدثت معها ،و تطلب مني الكتابة عنها، فطلبت أن نلتقي لأني شعرت أن الموضوع أكبر من أن تشرحه رسالة ، وربما يصلح أن يكون موضوعًا شيقًا لرواية كاملة.
فرح فتاة فلسطينية من الضفة الغربية من ضحايا التخلف المجتمعي جعلها طلاقها عبئًا على أهلها ، مما جعلهم يقبلوا بتزويجها بشاب من القدس بلا أي مهر مقبوض حتى .
وكان ذلك الشاب متزوج ولديه أربعة أبناء ، وقبل أن يتقدم لها طلق زوجته وهي ابنة عمه؛ لأن قوانين الأحوال الشخصية في القدس تتبع قوانين الاحتلال إذ يمنع الجمع بين زوجتين.
لكنه كان في قرارة نفسه يريد أن يتزوجها بهدف الحصول على شيئ أعجبه ليس إلا عندما لم يتمكن من الحصول عليه بلا زواج..
ظل يضع العيوب في زوجته التي تبين فيما بعد أنها جميلة جدًا ولا ينقصها شيئ ، و لكنه لم يعد يطيق إهمالها بنفسها على حد قوله ،ذاك الإهمال الذي إن دل على شيئ دل على زوج أناني لا يشاركها في مسؤوليات أبنائه وبيته ، و في هذه الجزئية درس لمن تفني نفسها في الإنجاب من أجل الرجل على حساب صحتها ، فيملها ويتركها ، أو يخونها.
لكنه ترك فرح من اليوم الأول ، وعاد لزوجته ،و كان لا يدخل البيت إلا كصديق بين الحين والآخر ،مما جرحها في كرامتها، و أشعرها بالإهانة ، و أي إهانة أكبر من تلك التي تمس الكرامة!
ولسوء الحظ حملت فرح ،و ظنت أنها ستفرح بطفل تربيه في كنفها بعد أن اضطرت للتنازل عن حضانة أطفالها الثلاثة من زواجها الأول لعدم موافقة أهلها أن تربيهم .
وفي الشهر الخامس من الحمل أجهضت فرح، وكان ذلك بسبب وضع أخوات زوجها اللواتي يعملن في وظائف مرموقة دواء لها في الطعام ؛ لقتل الجنين مبررات فعلتهن أنهن لن يرضين بها زوجة لأخيهن ، وهو سيطلقها لا محالة و لن يسمحن بقدوم طفل يتربى بعيدًا عن أهله!
ذهبت فرح بعدها في زيارة لأهلها فطلقها غيابيًا وبلا أي حقوق مادية، فقد تزوجته بمهر على ورق لم تقبض منه شيئًا ، و لن تحصل على أي حقوق أخرى من نفقة ومؤخر ؛ لأنها مواطنة فلسطينية تحمل هوية الضفة الغربية فلا مجال للشكوى على طليقها المقدسي لأنه لا يخضع للقوانين الفلسطينية ولا سلطة لها عليه .

جنت فرح كيف يقتلن نفسًا وروحًا بهذه البساطة فكانت ردة فعلهن بوقاحة: سنكفر عن خطئنا بعُمرة ،و سينتهي الأمر، و كأنه بهذه البساطة!

قلن لها بصريح العبارة:وماذا سيختلف عليكِ الأمر؟!
كنتِ مطلقة و ستعودين مطلقة كما كنت ، و أخي لم يقصر أبدًا بالإنفاق عليكِ.
قضت فرح في ذلك الأسر سنة كاملة ،و هي حبيسة البيت قلما تخرج لحاجة ، لا تعرف أحدًا سوى جارة واحدة يتضح فيما بعد أنها أفعى على هيئة امرأة إذ تقوم بسحب كلام منها عن طليقها بعد أن تبدأ هي في الحديث عنه، و أهله و تمنحها الأمان ، مستغلة ما كانت تعانيه من وحدة لتحتفظ لهافي النهاية بتسجيلات صوتية تعطيها لطليقها.

رفعت فرح قضية للمطالبة بحقوقها إذ وكلت محامية مقدسية فكسبت القضية لكن طليقها وكل محاميًا آخر و أسقط شهادة فرح ،و تهجم عليها ، وزور ملفها بعد أن باعته محاميتها متذرعة بالخوف والتهديد من طليقها،والضغط عليها من قبل عائلتها .
فأسقط المحامي الملف لأن موكله لا يخضع لقانون السلطة الفلسطينية وفق الأعراف والقوانين المسَنّة.
وبعد ذلك رفعت فرح قضية لا تزال قائمة أو عالقة بالتعاون مع النقابات و جمعيات المرأة لتحصل على مقدمها أو شيئ من حقوقها،
أو لتعاقب المحامية على سوء احترامها لأخلاقيات مهنيتها على الأقل ، و لتردعها عن فعل ذلك مع ضحية أخرى .
وبالمناسبة معاناة فرح مع المحاميين لم تقتصر على أمور الطلاق فحسب ،فقد كانت وضعت كل ما تملكه من مال ثمنًا لأرض اشترتها ليتضح أن المحامي قد باع الأرض لأكثر من شخص ، و لا أوراق رسمية تثبت ملكيتها له ، و لم يتوقف به السوء عند هذا الحد فقد أحضر أوراقًا باطلة تثبت أنه مريض سرطان ليخرج نفسه من دائرة العقوبة.
فإن كان العدل عند أهله يتلاشى ويخفت صوته ، و المهنة التي وجدت في الأصل لتحقيقه تخلو من أقل قليله فعلى الدنيا السلام.
فعندما تصبح المادة هي الحاكمة يملأ الجشع القلوب ، و يسقط قسمُ الأخلاقِ في أغنى الجيوب.
أيمان كاذبة ، و شهود زور ، وأحكام باطلة من أجل بضعة أموال هي أسرع ما يفنى في الحياة ، و من أهم ما يسأل عنه المرء عندالله يوم تجتمع عنده الخصوم.
ولا تنسوا أن الأمة الكافرة تنصر بالعدل ، و الأمة المسلمة تهزم بالظلم.
فهل ستجد فرح في المحاكم ضالتها؟
وهل سيعود يومًا شيئًا من حقها المسلوب؟ أم أنها ستفوض أمرها لخالقها و تنتظر عدله في أرض الظالمين؟