الوسطية المتهمة في النضال! بقلم:بكر أبوبكر
تاريخ النشر : 2020-02-25
الوسطية المتهمة في النضال! بقلم:بكر أبوبكر


الوسطية المتهمة في النضال!

بكر أبوبكر

من أهم مشاكل التيار العام في الثورة الفلسطينية في تاريخه الطويل هي مواقفه المرنة في كثير من الاوقات وعديد الأمور، والتي تصب في سِمته الغالبة ممثلة بوسطيته واعتداله.

 ومن أبرز مشاكل هذا التيار، وهو التيار الوطني مشكلة التموضع بين الأطراف المتقاتلة أوالمتصارعة سواء في المساحات الجغرافية أو السياسية، أو حتى في مساحات الأهواء الشخصية للسلاطين أو أمراء الحروب، لذلك أقرّ هذا التيار منذ البداية وعلى رأسه حركة فتح التمسك بمحور الاعتدال الصعب والوسطية المتهمة، وبعدم الرغبة بالتدخل في شؤون الدول العربية، أوغير العربية.

في مرحلة الكتلتين (الشرقية والغربية) وقفت كوادر التيار الوطني بقوة ضد تصنيف ما كان يسمى دول الاعتدال العربي بالخيانة والرجعية والاستسلام، فاتهمت هي نفسها بالخيانة والرجعية واليمينية والاستسلام. (حسب مصطلحات اليسار)، وبالنفاق والكفر والعلمانية (بمعنى اللادينية) حسب مصطلحات الاسلامويين.

وبعد أن انكسر المحور الشرقي (بانهيار الاتحاد السوفيتي-روسيا) وتم ابتلاع العالم بفم الغول  الاستعماري الامريكي، ظل التيار الوطني الواسع ممثلا بغالب منظمات منظمة التحرير الفلسطينية اليوم على ذات المسافة من مواقف الدول العربية المختلفة، والى ذلك ظلت قياداته تُتهم بوسطيتها واعتدالها، من هذا المحور وذاك في العالم العربي والمنطقة.

الوسطية والاعتدال لا تعني عدم وجود صلابة أو مبدئية في الموقف، بل على العكس يأتي ذلك في نطاق الصلابة التي هي بتكريس أولوية ومركزية وأساسية القضية الأولى أي قضية فلسطين، ما هي بالنسبة لكثير من أنصار اليسار فقرة في كتابها الأممي الاشتراكي، وما هي بالنسبة لليمين (الاسلاموي) في مسارها الأممي الاسلاموي مجرد مسواك كما قال محمود الزهار.

إذن الصلابة المبدأية حول الفكرة الرئيسة، والقضية الأساس تستوجب الوسطية الواعية والاعتدال بمنطق تحقيق ما يخدم القضية الرئيسية بأن تتخذ المواقف الوازنة التي تحقق الالتفاف حول قضيتك وبأن تأخذ من جميع الأطراف ما يصب في خدمة الهدف الرئيس، وأن تعمل على تكثيف المكاسب، وتكثير معكسر الأصدقاء، وتقليص المخاسر ما بين الأطراف المتصارعة، وما اكثرها في عالمنا العربي.

لذا تظل وسطية النضال في الإطار الفلسطيني مطلوبة لغرض تنحية الثانوي عن التأثير في الأساسي الذي هو استمرار جعل فلسطين قضية العرب المركزية دون الالتفات للصارخين في وديان غيرهم ممن يستثيرون الغبار حولنا فننشغل بقضايا جانبية عن القضية المركزية.

فما أصعب أن تقف وسطا بين المتصارعين في أمتنا وميداننا الحضاري، في إطار التمسك بمثلث (الصلابة والوسطية والحضارية) وبالتمحور حول أولوية فلسطين، ما أصعب ذلك لأنك بهذا الاعتدال وهذه الوسطية تظل متهما!

ويا لها من تهمة جليلة عندما نحمل فلسطين فقط بين جوانحنا.