المؤامرة هي ما سيأتي بقلم:عايد مرار
تاريخ النشر : 2020-02-24
المؤامرة هي ما سياتي

يظن البعض ان صفقة القرن هي اكبر مؤامرة يمكن ان تحاك ضد الشعب الفلسطيني وقضيته ,  فهي التي تلغي بديهيات الحق الفلسطيني واسس اقامة الدولة التي فيها يقرر مصير الفلسطينيين. وهي التي تزيل طاولة التفاوض التي يمكن لها ان تحل حولها قضايا الحل النهائي التي نصت عليها اتفاقية اوسلو,لان صفقة القرن تحسم هذه القضايا لصالح اسرائيل دون الحاجة لطاولة التفاوض اصلا, ولكن هذه الصفقة لا يمكن لها ان تحظى بموافقة الفلسطينيين حتى لو تغير الرئيس الرافض محمود عباس ,  لان الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات  وشريكه في اتفاقية اوسلو من الطرف الاسرائيلي اسحق رابين كانا قد شمعا حل الصراع بالشمع الاحمر,وذلك بسبب زمزيتهما في مجتمعيهما ,  فلن يستطيع اي فلسطيني التنازل عن اكثر مما تنازل عنه ابو عمار , ولوكان غير ابو عمار لما استطاع ان يتنازل كل هذا التنازل ,  ولن يستطيع اي اسرائيلي ان يتنازل اكثر مما تنازل عنه رابين و  ولو كان غير رابين لما استطاع ان يتنازل كل هذا التنازل .ومن اجل حل قضية كانت ولا زالت اساس المشاكل في العالم , كونها تصنع التهابا مزمنا في كبد العالم , ولا يمكن للعالم  ان يهدا بدون علاجة ,ولهذا فان اي صفقة او اي مؤامرة لن تحل هذا الاشكال الا بموافة الفلسطينيين , وبما ان قيام دولة اسرائيل كانت مؤامرة عالمية بامتياز,  وبما ان الشعب الفلسطيني الذي بقي في فلسطين صار واقعا لا يمكن تجاهله حسب القوانين الدولية التي صنعها نفس صانع اسرائيل , ولا يمكن تجاهل  حقوقه ايضا , فلا بد من ترويضة ودفعه باتجاه القبول بخطة تنهي الصراع , وتبقي على دولة الاحتلال , والتي استطاعت بدورها ان تفرض وقائع على الاراض في الاراضي التي احتلت عام 1967 والتي هي الحيز الجغرافي التي قد تطبق عليها الشرعية الدولية وتقرير المصير الفلسطيني,  وقد اصبحت هذه الوقائع المستجدة قيدا على من صنعوها , لدرجة ان الديمقراطية الاسرائيلية تحتم على دولة الاحتلال التشبث بها ,كونها لا تستطيع فرضها على الشعب الاسرائيلي الذي انجرف نحو اليمين , وبات التطرف جزءا من المنظومة السياسية الاسرائيلية ولا يمكن تجاهله , ومن اجل حل هذا النزاع صار لزاما على من يريد  حله ان يفك الشمع الاحمر عن هذه القضية , ويجبر الطرفين عن التنازل عن ثوابتهما , ولكي يتم هذا الصلح على كل طرف انتداب وكيل عنه ويلتزم كل طرف بما يلتزم به وكيله , وهذا عرف متبع بشكل روتيني في الاصلاح العشائري عندما يتعذر على المصلحين جمع اطراف التناقض على حل معين, وما الواقع العشائري عن واقع الحال السياسي ببعيد  , وعلى هذا الاساس اصدرت وكالتين غير قابلة لعزل  الاول وكل العرب واعطاهم ثوابته واولوياته بما يسمى المبادرة العربية والثاني وكل امريكا واعطاها ثوابته واولوياته بما سمي بصفقة القرن ومن هنا فان المنطق يدلنا على ان امريكا ليست بهذه السذاجة التي تدفعها لفرض سفقة تعلم مسبقا ان الفلسطينيين لن يوافقوا عليها ويبقى الاقرب الى المنطق ان تكون امريكا قد وكلت عن اسرائيل لحل القضية حسب الخطوط الحمراء لاسرائيل وليكون في المقابل جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي الذين وكلوا مسبقا عن الفلسطينيين ليحلوا القضية على اساس الخطوط الحمراء للفلسطينيين , وتبدا  المفاوضات بين الوكيلين اللذان يكونان بالضرورة اكثر مرونة من الاطراف نفسها وابعد عن الارهاصات الشعبية التي تقيد كلا الطرفين وستصير المفاوضات التي ستكون بالضرورة غير معلنة   وبوساطة من الاتحاد الاوروبي ومباركة كل من الصين وروسيا واليابان ليتوصلوا الى حل يظهر وكانه مقترح اوروبي روسي صيني ياباني ويفرض على الفلسطينيين على اعتبار انه افضل بكثير من صفقة القرن , بل ان على الفلسطينيين ان يشكروهم على هذه المبادرة , ! التي لا يمكن لها ان تلبي باي شكل من الاشكال الحد الادنى لحقوق الفلسطينيين وسيلعب العرب فيها  دور الضاغط والمساوم والممول  وان كانت بالفعل افضل من صفقة القرن , ولتجبراسرائيل ايضا , او على الاقل تمكن الحكومة الاسرائيلية من  ان تقنع شعبها , بانه ليس من  صالحها ان ترفض موافقة امريكا على الصفقة الجديدة وتحرجها وهي الحليف الاستراتيجي الاقوى لها ولا حول ولا قوة لاسرائيل بدونها , وهنا ستحل القضية الفلسطينية بحل يوافق عليه الفلسطينيين ولو محرجين . ولكن لن يكون حسب قرارات الشرعية الدولية القديمة , لان الصفقة الجديده ستكون هي الشرعية الدولية الجديدة بعد اقرارها في مجلس الامن والجمعية العامة للامم المتحدة.

صحيح انه حتى الان لا توجد ملامح ظاهرة لهذه المبادرة رغم تداول بعض الاخبار  والاساعات حولها ,الا انه من السذاجة الاعتقاد انها لن تتكون في المستقل الذي قد يكون اقرب مما نتخيل . فاوروبا لا يمكن ان تترك هذه المعضلة في حديقتها الخلفية دون التفكير بحلها,   خاصة عندما نتذكر ان مؤتمر مدريد للسلام كان في اوروبا , واتفاقية اوسلو ايضا كانت في اوروبا , ورئاسة اللجنة الرباعية لرعاية عملية السلام اوروبية ,وما محاولات وزير خارجة لوكسمبورك بحشد اعتراف اوروبي بدولة فلسطين , الا ملمح لهذه الصفقة , والتي لا يمكن لعاقل ان يتخيل ان اعتراف اوروبا بالدولة الفلسطينية ان حدث , سيكون بدون اشتراطات او ان هذه الدولة المعترف بها اوروبيا ستكون كما يريدها الفلسطينيون تماما  . ولا يمكن لطرف ان يعترف به كوسيط محايد متفق عليه مثل اوروبا وكما قال المثل الفلسطيني ما بصرف الجن الا الذي احضره.

ويجب على الفلسطينيين ان يتنبهوا للخطر القادم الذي سيدخلهم التاريخ بين سطوره على انهم الطارئين على هذه الارض , وان الاصل هي دولة اسرائيل اليهودية , ولكي نتخلص من هذا الفخ التاريخي علينا ان نخوض حربا استباقية وحاسمة وتاريخية واستراتيجية , حتى وان كان ثمنها مكلفا ,  وتتمثل هذه الحرب باعلان حل السلطة , هذا الاعلان الذي سيفرض على اسرائيل التعامل ضمن معطيات جديدة غير متوقعة , يفرض عليها اما ان تستجدي الفلسطينيين بقبول دولتهم كما يريدوها حسب قرارات الامم المتحدة المعروفة,  او ان تعيش دولة ابارتهايد فيها اليهود من الدرجة الاولى وهم الاقلية والفلسطينيون من الدرجة الثانية وهم الاكثرية , وسينبذها العالم ويفرض عليها اجلا ام عاجلا ان تعطي الفلسطينيين حقوقهم السياسية والانتخابية .ولتصبح الاغلبية هي من تحدد دستور الدولة واسمها وعلمها وقاوانينها , وبمجرد ان يلوح هذا الحل في الافق حتى ولو بعد حين , فان اليهود في هذه الدولة المزدوجي الجنسية وخاصة الغربيين الاصل منهم سيختارون العودة الى اوروبا , التي فيها نظاما شبيها بنظامهم وثقافة شبيهة بثقافتهم بدل المغامرة بالحياة في دولة ستصبح ملامحها شرق اوسطية بامتياز

وتسليم السلاطة لا يجب ان يكون ارتجاليا او انفراديا , بل يجب ان يكون بمباركة كافة الوان الطيف الفلسطيني , لان  بقاء حماس في قطاع غزة بما يشبه السلطة او الكينونة السياسية سيعفي اسرائيل من ضم اكثر من مليون ونصف فلسطيني , والذين سيحسموا الحرب الديمغرافية في المستقبل بين الفلسطينيين واليهود على ما تبقى من ارض فلسطين التاريخية بين البحر والنهر  بدون قطاع غزة لصالح اليهود لعشرات السنين القادمة , وكذلك فانه لا يجب الانتظار حتى تقع الواقعة وتعلن الصفقة الاوروبية ,  لانه باعلانها سيظهر ان العرب ايدوها وسيؤيدون أي طرف فلسطيني سيقبل بها بالترغيب او الترهيب , وموقف العرب هذا سيغري بعض الفلسطينيين على السير في ركبهم على عكس الوضع الراهن الذي يرفض صفقة القرن بالاجماع الفسطيني والعربي والاسلامي  ويظهركل من يسير بركبها وكانه خائن ومتامر على قضيته وشعبه , وسيتم ايجاد هذا المركوب الفلسطيني حتى ولو صنعت من اجله حربا تكتيكية تظهره فيها وكانه المنقذ للفلسطينيين كما ظهر محمود عباس منقذا للفلسطينيين بعد ان بدات جذوة انتفاضة الاقصى بالذبول بعيد استشهاد القائد الرمز ابو عمار .

ان خيارحل السلطة لهو خيار غاية في الصعوبة , يظهر وكانه تنكرا لانجازات الشهداء والاسرى وتحاملا على حياة الفلسطينيين,  ويكرههم على العيش بوضع اكثر صعوبة مما هو عليه الان ,وقد يعتقد البعض ان حل السلطة الان سيكون صعبا او مستحيلا كون الامن الفلسطيني يستطيع ان يثبت السلطة حتى لو استقال محمود عباس , ولكن الواقع والمنطق  يؤكدان ان زوال الشرعيات سيؤدي حتما الى زوال السلطة,  وسيعتبر الشعب ان أي صورة من صور السلطة بعد انتهاء اخر شرعيتاتها ستكون جزء من الاحتلال ,  وسيتم استهدافها  بغضب الشعب كما يتم استهداف الاحتلال , وخصوصا في زمن الربيع العربي ومرحلة الحراك الشعبي الذي يمكن له ان يسقط انظمة اقوى وارسخ من السلطة بمئات المرات . ومهما كان هذا الخيار صعبا ومعقدا ومؤلما  , الا ان حرية فلسطين وحماية اسم فلسطين وتاريخها وجغرافيتها تستحق هذا الخيار , الذي ان تجسد سيدخل التاريخ شعب فلسطين بين سطوره على انه صاحب الحق , وهو الام الحقيقية لفلسطين الذي يابى انقسامها , ولينسجم مع سياق التاريخ الذي حافظ على فلسطين وحدة جغرافية وتاريخية واحدة ,  دخلتها كل احتلالات العالم وانسحبت منها ليبقى هو السيد على ارضه ,  مطعما بثقافات العالم وجيناته الوراثية المتنوعة التي مرت عليه  ومتجذرا في سهولها وجبالها واغوارها 

عايد مرار

مؤسس اللجان الشعبية لمقاومة الجدار والاستيطان