عقدة المحرقة تطاردها بقلم:عمر حلمي الغول
تاريخ النشر : 2020-02-19
عقدة المحرقة تطاردها  بقلم:عمر حلمي الغول


نبض الحياة

عقدة المحرقة تطاردها

عمر حلمي الغول

لم يتم إبتزاز دولة في العالم كما إبتزت ألمانيا، التي تطاردها عقدة المحرقة، التي نفذها النظام الهتلري ضد اتباع الديانة اليهودية اثناء الحرب العالمية الثانية، ومن الواضح ان الحكومة الألمانية تخضع لشرطين متلازمين، الأول عقدة المحرقة، والثاني الإبتزاز الرخيص من قبل أميركا وإسرائيل واللوبيات الصهيونية. فضلا عن ثقل قوى اليمين في المشهد السياسي، مما يضيق الخناق عليها، ويحول دون منحها حرية التقرير والتصرف ببعض المسائل السياسية، وخاصة مسألة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث لا تقوى على إتخاذ موقف محايد، ولا أقول منحاز للقانون الدولي، وليس للدولة الفلسطينية المحتلة.

وعطفا على ما تقدم، طلبت ألمانيا من محكمة الجنائية الدولية إكتساب مرتبة صديق للمحكمة ، حتى تستخدم هذة النافذة للدفاع عن دولة الإستعمار الإسرائيلية، وتطعن في مكانة الدولة الفلسطينية، وعدم أحقيتها برفع قضايا للمحكمة، بإعتبارها ليست دولة كاملة العضوية، كما تحاول ان تدعي. مع ان الدولة الفلسطينية وفق كل المعايير الأممية ومعاهداتها ومواثيقها وقرارات الشرعية الدولية، هي دولة من حيث الجغرافيا المحددة، والمعترف بها دوليا وإقليميا، وشعبها الفلسطيني العربي قائم، ومتجذر في ارض وطنه الأم، والمؤسسات الحكومية تعمل بشهادة العلاقات الثنائية الفلسطينية الألمانية خصوصا والأوروبية عموما.

إذا إندفاع المانيا لترافع امام المحكمة الجنائية الدولية ضد الدولة الفلسطينية، وحقها في ملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين، هو قرار سياسي وقانون خاطىء، ومدان ومرفوض. لإنه يتناقض مع ابسط القيم والمعايير الأممية، ويتناقض مع محددات السياسة الألمانية، التي تعلنها بشكل دائم بشكل مستقل، وفي إطار المواقف المشتركة لدول الإتحاد الأوروبي، وحتى تصويتها لصالح التسوية السياسية القائمة على خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967، وهي في ذات الوقت، تناصر دولة الإستعمار الإسرائيلية المارقة والخارجة على القانون الدولي، وتبيح الإرهاب الصهيوني ضد ابناء الشعب العربي الفلسطيني، وتضرب بعرض الحائط ركائز السلام، الذي تنادي به، وتدعي انها تعمل من اجله.

التركيز على المانيا دون سواها من دول الإتحاد الأوروبي، لم يكن بالصدفة، ولا هو للإفتراء على أحد الأعمدة المركزية في اوروبا، والدولة الأقوى إقتصاديا، انما بالضبط لثقلها ومركزيتها في دول الإتحاد الأوروبي، ولمكانتها على المستوى العالمي. وللإسهام في ترشيد المجتمع الألماني ونخبه السياسية، ودعوتها بضرورة التخلص بعد ثمانية عقود من عقدة المحرقة. لا سيما وان النظام الحالي لا يتحمل وزر جريمة النازية الهتلرية، اضف إلى ان المانيا دفعت مبالغ هائلة لإسرائيل، وهي التي بنت قواعد الإقتصاد الإسرائيلي. مع ان إسرائيل ليست ممثلة الديانة اليهودية، بل هي أداة إستعمارية إستغلت اليهود لتنفيذ المشروع الكولونيالي، الذي انتج محرقة جديدة ضد الشعب العربي الفلسطيني، وايضا ضد اتباع الديانة اليهودية المقيمين في الدولة العبرية. وبالتالي مرافعة المانيا امام المحكمة الجنائية دفاعا عن مجرمي الحرب الإسرائيليين لا يصب في مصالح ألمانيا، ولا يخدم مكانتها الدولية، ولا يساهم في تعزيز علاقاتها مع دول العالم العربي. الأمر الذي يفرض عليها إعادة نظر في موقفها المرفوض، والمعادي لمصالح وحقوق الشعب الفلسطيني.

اما الدول الأخرى مثل التشيك والنمسا فشأنها مختلف، ويعود السبب في إنحيازها لدولة الإستعمار الإسرائيلية لسيطرة اليمين القومي المتطرف في كلا البلدين، ولخضوعها لإملاءات إدارة ترامب، وايضا لنفوذ جماعات الضغط الصهيونية. لكن مواقف هذة الدول متحركة، ولا تعاني من عقد تجاه المسألة اليهودية، والتأثير في مواقفها أكثر سهولة، شرط التركيز عليها، وتوسيع دائرة العلاقات مع القوى المؤثرة في صناعة القرار فيها. ومع ذلك، واي كانت مواقف الدول، التي ستدافع عن إسرائيل امام المحكمة، فإن ملاحقة إسرائيل وقادتها مرتكبوا جرائم الحرب عملية كفاحية هامة، تستدعي حشد كل الطاقات الفلسطينية والعربية والدولية الصديقة للإنتصار على دولة الإرهاب والجريمة المنظمة.

[email protected]
[email protected]