الطبيب النفسي البديل بقلم:محمد رشاد الحلبي
تاريخ النشر : 2020-02-19
الطبيب النفسي البديل
محمد رشاد الحلبي

مع اشتداد وطأة منصات التواصل الإجتماعي على حياة المتصفّح الإلكتروني، وحضورها الفاعل على كافة أجهزة الإتصال، أسّس ذلك  لتعلق قهري وتكيف آلي للإنسان مع كل ما تبرزه وتضيء عليه هذه القنوات التواصلية برضاه أو بالإكراه التلقائي والموافق عليه. فأنت، وبمجرد ان تضغط على زر الدخول الى أي منصة، تُعد راضٍ كليا عن كل ما يقدّم اليك من وجبات مصورة ومكتوبة.

فبعد ظاهرة صفحات "التنكيت" ونهفات الـ memes  أخذت منصات التواصل الإجتماعي تعجّ بعرّابي الوصايا النفسية والإجتماعية الذين ينشرون محتوى تحفيزي مصور او مكتوب لمساعدة الناس في حياتهم، وإيجاد مخرجات ونوافذ وضروب مشكّلة لفض النراع بينهم وبين المطبّات الحياتية والصعوبات اليومية. فمن على هذا الجسر، نعلن الدخول رسميا في المنطقة الزمنية للطب النفسي البديل. فمن هو ذلك الطبيب النفسي البديل الذي يسعى جاهدا الى إخراج الناس من مركز المعركة المحتدمة ليضعهم في منطقة خفض التوتر تحت تأثير الإقتباسات والفيديوهات التشجيعية؟

إنه المؤثر! صاحب المنصة الفيسبوكية أو الإنستغرامية (وغيرهما) الذي يكرّس وقته وفكره لتنمية مهارات الناس على الصعد الإجتماعية والنفسية. فمنهم من يسألك عن معاناتك مع الوسواس القهري في النظافة، ويقول: " هل تريد حلاً لذلك؟" أو يشير الى خطورة الخجل الإجتماعي ويعدك بحلول جذرية تشفيك من هذا الخجل. ويأتيك من يريد أن يزيد من حلاوة حضورك الإجتماعي ويعدك بتزييت الكاريزما خاصتك. وحين يلتقط المؤثر عددا من المتابعين، يبدأ بمراسم تحويل خط السير الى قناته على يوتيوب ليغدق عليهم بفيديوهاته التى لا تنضب. وبالنتيجة، يأخذ خط الربح المادي لديه منحى تصاعدياً. فذلك ليس أمرا معيبا، بل هو أمر جيد طالما يأتي بالمنفعة على الناس وعلى الشخص المحفّز. ولكن ما هي نقطة التقاطع بين الطبيب النمطي الكلاسيكي والطبيب المؤثر الإلكتروني؟ هل أصبح الطب النفسي بروائزه ومدارسه ومناهجه عرضة للمحق تحت مدافع الطب النفسي البديل، أسوة بما يحدث مع الإعلام الكلاسيكي الذي يخضع لعملية تكيّف واندماج مع الإعلام البديل؟ هل كل ما يطرح من طرف المؤثر يصلح ليكون حلاً أو علاجاً نفسيا؟ هل باتت التجربة الشخصية وإسقاطها على حياة الآخرين بديلا لزيارة الطبيب المختص؟

لا شك بأن التحفيز من خلف الشاشة له تأثير نافع الى حدّ ما، ولكن ذلك لا يمكن أن يلغي أهمية زيارة الطبيب النفسي والخضوع لجلسات تفريغ البواطن وحلحلة العقد بأسلوب علاجي مركّز. فمثلا، قبل دخول المؤثرين على خط الطب النفسي البديل، واتخاذ دور الحل الوسطي ما بين رغبة المتأزم نفسيا بعلاج ولو كان مبدئيا، وهاجس زيارة الطبيب التي هي بحد ذاتها بحاجة لتدخل طبيب لحلها. كنا نسمع عن وسائل علاجية نفسية من خلال ورشات العلاج بالدراما، عن طريق تشجيع المتأزم نفسيا على تفريغ بواطنه بالفن والأداء المسرحي الذي يقوي دوافعه للبوح بوجعه لعلاجه. وهنالك أيضا، العلاج بالضحك، وفي هذه التقنية، يتم التركيز على عدوى الضحك. فنرى مجموعة من الأشخاص يتحوقون حول بعضهم البعض ويبدأون بالضحك دون سبب محدد، وتأخذ هذه الضحكات تتوسع وتنتشر بينهم حتى تملأ المكان بقوة. فمن شأن ذلك ان يخفض من مستويات التوتر، ويمنح الإنسان راحة داخلية. فمن هذه النقطة، يجب ان نفهم بأن التحفيز الإلكتروني مفيد ولكن لا يمكن له ان يكون بديلا لتواصل المباشر، وجها لوجه، مع الطبيب في الزيارات العيادية الروتينية أو مع الآخر في ورش علاجية مشتركة. فالإختلاط مع الآخرين  ومشاركة اللحظات معهم هو محطة أساسية للتخلص من سموم النفس. وآخيرا، ان التفيز الظاهر أمك على وسائل التوصل، يمكن أن يكون حلا لمشاكل صغيرة معينة أو دافعا لتحسين المزاج. ولكن، تخدير المشكلة هو حل مؤقت، فعليك بالحل الدائم.

محمد رشاد الحلبي