العبودية لا يغيرها المكياج ولا يجملها الكوافير بقلم:أ. حسام شحادة
تاريخ النشر : 2020-02-17
أ. حسام شحادة

هل تنظنون أن ثقافة العبيد، انقرضت من العالم، ولم يعد الناس يباعوا ويشتروا ؟

عُرف العبيد عبر التاريخ على أنهم الأشخاص الذين يباعوا ويشتروا في سوق النخاسة، وعند بيعهم يصبحون مملوكين للأسياد روحاً وجسداً، وقد تم استخدام لفظة الجواري من أجل تجميل هذه الثقافة الاستعبادية؛ ولكن مع تطور المجتمعات، وتقدم الحياة، وظهورالتشريعات والقوانين ومنظومة حقوق الإنسان، تغيرت هذه الثقافة، وبات هذا الشكل من الاستعباد غير مقبول إلى حد بعيد.
ويتصور كثير من الناس البسطاء والطيبين حول العالم بأن هذه الثقافة اندثرت، ولكن للأسف الشديد جداً، فهي ما زالت مُسيطرة على واقع الممارسة الفعلية في المجتمعات الحديثة، على الرغم من التناقض الظاهر والواضح بين الحداثة كمصطلح يدلل على الحرية والرفاه، وبين الاستعباد الذي يعتبر استبدادياً ظلامياً.

لقد استخدم هنا مصطلح "ثقافة" للتدليل على عمق هذا السلوك في الحياة، فهو ليس ممارسة شاذة فقط بل هو ثقافة لها شواهدها المادية والمعنوية، التي تمتد عميقاً في الوجدان بالرغم من كل المحاولات التي تحاول صياغة الواقع بشكل أكثر انسانية.

العبودية بشكلها الأولي والبدائي التي ظهرت فيه سابقاً، مازلت قائمة ولكنها غيرت جلدها، فهي تظهر في استغلال الأطفال والنساء والفقراء في الدول النامية، من خلال سلسلة توريد للعمالة التي تعيش في معسكرات لا تشتمل على الحد الأدني من مقومات الآدمية، وكذلك تظهر في استحدام رجال الدين في ابتزاز الصبية والنساء واستخدامهم سواء في البغاء أوشياء أخرى، كما ظهرت حديثاً في الحروب الاخيرة في العراق وسوريا واليمن وما تبعها من تجارة في النساء والأطفال واستخدام الشباب في أعمال السخرة أوستخدامهم كدروع بشرية.

العبودية القديمة مازلت حاضره وبقوة، وولكننا هنا في هذا المقال سوف نركز على العبودية الناعمة التي أصحبت جزء من الثقافة المعمول بها في بلدان العالم الثالث.فاليوم يعاد صياغة العبودية بأسلوب جديد وفلسفة جديدة وهي فلسفة تشييء الإنسان وجعله سلعة تباع وتشتري، وخاصة الفئات الأكثر هشاشة والأكثر انكشافاً في المجتمعات الفقيرة، مثل الأطفال والنساء والشباب العاطلين عن العمل. حيث أن هذه الهشاشة لم تأتِ وليدة ظرف معين بقدر ما هي مخطط لها من أصحاب السلطة والاقتصاديات المحلية وفي واقع مثل واقع فلسطين يمكن اضافة الاحتلال كسبب ثالث.
فاليوم نحن نصاغ ونتعلم في المجتمع، وبيئة العمل، والدولة، فن الانصياع والطاعة العمياء ولكن بأدوات جديدة غيرت المفهوم التقليدي للعبودية، فاليوم نحن عبيد الإستهلاك، والاعلام، والمسؤولين، عبيد للمهيمنين على الاقتصاديات الضغيرة والكبيرة وصانعي القرار، وأصبح مفهوم الحرية مشوهاً فكلما زادت مهاراتك في الاستهلاك الغبي لكل ما يقال ويباع ويُسوق لك، كلما زاد الرضى عنك، وبالتالي زيادة الشعور بحريتك المزيفة، والأدهي من ذلك أننا لم نعد عبيداً بلهاء لا حول لنا ولا قوة، بل عبيداً أذكياء ، نجد مبررات للخيبة التي نعيشها فنحن أوجدنا أشكال تبرير لكل السلوكيات الشاذة.

لقد استخدمت الفئات الهشة في المجتمعات كسلعة، تستخدم كبيان اعلامي تحت شعار الانتصار لهم، ولكن ما
يحدث فعليا، أن الاقصادات المحلية وأصحاب السلطة هم من يفوزوا بكل الامتيازات ويبقى هؤلاء الناس دوماً مجرد قضية اعلامية للتدوال، وأحيانا نخلق من الضحايا من النساء والاطفال والشباب، قضايا مجتمع ونبادر من أجل انقاذهم ولكن في النهاية لا يتغير شيء على الناس، فقط ما يتغير فعلياً هو نمو قوى التدخل سواء كانت شخصيات، أو مؤسسات، أحزاب، ومزيداً من الضعف والحاجة لتلك الفئات، والأمر لا يتوقف عند هذا الحد بل يتم استخدم الضعفاء في أدبيات المتدينين ويستخدمون معاناتهم من أجل إثارة السخط على النظام أو الاستجداء من أجلهم، وما يحدث حقيقة أن الفقراء يزدادون فقراً واصحاب الخطب العصماء يتكرشون.

ثمة خدعة خرافة كبرى، أطلق عليها أصحاب القوى في المجتمع "الانتماء للنظام" بدون تحقيق الحد الأدني من الانتماء للذات وتحقيقها في سياق ضامن لتعدد الخيارات أمام الفرد، وزيادة الفردية الشخصية التي تؤهله للاختيار الذي هو أحد أهم الحقوق الدالة على الحرية الانسانية، وقد دُلل على ذلك في كل الأدبيات الدينة والإنسانية بشكل صريح وواضح، وبدونه تصبح مفاهيم الثواب والعقاب والتعلم والتجريب والاكتشاف مجرد كلمات عابرة لا تحتمل أي مصداقية أو أي معنى. كأن نضع الناس في زجاجة ونطلب منهم التأقلم، أو نسرق كل الفرص الحقيقية من الناس، ونطلب منهم الاقتال على الفتتات أو الاختيارمن بين موتين.

الأمر يحتاج إلى الإنعتاق من براثن التنمر والسلطة بكل أشكالها لصالح انسانية الفرد بالمقام الأول، وهذا يتطلب ثورة على مفاهيم التنميط، وثورة على الصور الرمزية التي طُورت عبر الوقت كطوطم أو تابو لا يمكن تحطيمه، الأمر يحتاج إلى جدية التعاطي من كرامة الناس، وتغيير مناهج التعليم بالمقام الأول لخلق انسان ذو كرامة فردية بعيداً عن مفاهيم التنميط والأدلجة، وتعزيز مبادئ المساءلة القانونية، والابتعاد عن استخدام مفاهيم حقوق الانسان والكرامة الإنسانية مثل أثواب الزينة ومساحيق التجميل، فالعبودية لا يغيرها المكياج ولا يجملها الكوافير.