مرايا بقلم:محمود حسونة
تاريخ النشر : 2020-02-14
مرايا بقلم:محمود حسونة


1- رسم الطبشور…
وردتي الحمراء الأولى!!
عندما يحلّق الماضي مع الأغاني المؤلمة؛ أتذكر تلك الأيام:
ذات صباح والمخيم في سكون، رسمت بالطبشور أغنيتي الأولى على الجدران الرمادية… وردة حمراء وحبّا بريئا لطفلتي ذات الضفائر الغجرية!!!
كان حلما صغيرا تحفه الطيور، وفرحا وأنا أكتب لها رسالة كل ليلة!!
أنتظر نهارا تلو آخر لولادة الوردة!! ما كنت أعلم أن هناك هزيمة!! ولم أفهم كيف يمكن أن يكون الحلم حبّا محرما؟!
وحين صار المخيّم يئن من خطوات همجية ثقيلة!! وازدحمت الجدران بضجيج الصور، وبهتت خطوط وعلامات الطبشور!!
كنت أغفو على طُهر التراب متأبطا حلمي وسنوات الحنين ؛ أطلّ من نافذتي فلا أراكِ، ولا أرى دهشة الصباح منكِ حين تمرّين!!
لم تعد الأماكن تتسع لعينيكَ يا صغيري!! ولا يليق الصباح بالسنونو وبالياسمين!!!
وحين تأجج الحلم، رسمته على صفحة السماء تحفة الملائكة … حلم الأماني المسروقة، حلم ضاق من قسوة السنين!!
وبقيت أنتظر شتاء وراء شتاء لعله يأتي ولو بعد تعب، ولو حزينا فأمسح بالفرح الحزن من عينيه …
كتب لكِ هذا ليذكرك أنكِ في البال الآن وهو يقرأ اسمكِ و اسمه من رسالة قديمة!!

2- مرايا وحكايا!!
لم يتبقَ وقت للتفكير، تلبس فستان وتخلعه، وتجرّب آخر!! تقف على أطراف أصابعها تنظر في مرآتها من زوايا مختلفة!! تجرّب عطرا، هناك منْ لا يحبون العطر، يفضلون رائحة الأنثى!! أعادت تصفيف شعرها مرات كان عليها أن تغيّر لونه؛ ليوائم هذا الفستان سيكون مهينا، سيهزأ بي خِفية…
كي تذهب إليه عليها أن تمرّ بهذا الطريق!!
في الطريق رؤوس تهتز وأمزجة غريبة!! تتأمل خطواتهم، أليس في كل خطوة مغامرة كداعبة سخيفة للمجهول؟! تنزع خطواتها الثقيلة من وحل هائل!!
على الجانبين بيوت لها أبواب، والأبواب بأقفال صدئة!! تعيد ترتيب فوضى قلبها في كل مرّة، سيكون كل شيء تافها لو لم يحدث انجذاب بينهما؛ فتشتبك حرارتها مع برد الطريق!!
توقفت لتستدعي تنهيدة بقيت عالقة، لم يحذرها أحد من ريح تهبّ فجأة على الورق الخفيف... مَنْ هؤلاء الأخريات؟! بملامحهن المتقاربة العادية!!
بعض القلوب كالقصائد لها حكايا وأخرى باهتة كالحصى!! هذا ما قال لها الطبيب، وظلّ يحكي ويحكي وصمت حين سألته: أليس من الأجدر أن تكون علامة نميّز بها قلوبهم؟!
لم يكن هناك أحد، كانت وحدها صاخبة مع مرآتها… المرآة متشققة، ورأسها ثقيل!! والطبيب مازال يحكي ويحكي لها ما تظنه أكاذيب!!

3- يحدث لأنّك!!
كلّ وقتٍ ما بعد الغروب، أتمرّن المشي كحجل صغير على أرصفةٍ تحت مطر خفيف!! أمضي في حلم قد يأخذني لآخر جهنم وأول الجنون!!
حين لا يدلني قمرك وتتعبني إشارة حمراء وتمنعني العبور؛ ألتقط أنفاسي، أدعو لكِ وأرسل لك الوعود، أسهر لساعة متأخرة أنتظر، وحين ينام أهل المدينة أكون في ركن قصىّ أتعلم الشعر كأني أعصر غيمة، وأكتب لكِ قصيدة غزل يشتُمها رجال الدين!!
تقول الإشاعة: أن مسحورا يأتي كل يوم بعد الغروب يتجول على أرصفة المدينة، ينفض عن ملابسه شيء كالبريق!!
هذه حكاية لا تخصُّ المدينة، هذه حكاية كقصيدة حب قديمة، هذه حكايتك أنتِ!!
في الصباح ينادى المنادي على جميع المجانين الخروج من هذه المدينة…
لو مررت من هناك وحذروك من مجنون يشبهني … لا تصدقيهم ، ولا تصدقي الجنون، لا تستديري وتقولي وداعا يا مجنون!! فكل هذا يحدث لأنك لست هنا، لقد تأخرتِ كثيرا!!

4- مذاق القهوة يتبدل!!
ذات مساء بارد؛ ولتبديد صمت الهواء، أعددت فنجان قهوة على طقوس أغنية ونار هادئة … والساعة تشير إلى السابعة.
ولأنها تذوقته خِلسة دون أن أدري!! تركتْ عليه أسرارا وكثيرا من الكلام...
أمسك بالفنجان؛ فتظلّ أصابعي ترتعش؛ من سرِّ نبضٍ لها تركته بدلا من الكلمات!! وأنفاسها تلفح قلبي؛ لتمنحني فرحا جديدا وتمسح أحزانا من عيني!!
وسرُّ رحيق لها لا يشبهه شيئ آخر من مطر ولا ندى!! أيكون لها كل هذا المدى؟! وهي أمامي تلملم فضاء شالها وتخنس مع ابتسامة ونظرة أخرى!!
هناك أوقات كهذه نفكر فيها بأمور تبدّلت عن أحوالها لأسباب نجهلها، هكذا أحدّث نفسي!!
الساعة صارت الثانية عشرة منتصف الليل، وأنا أتأمل فنجان قهوة ارتشفت منه رشفة واحدة، فنجان ستحرسه ذاكرتي!! وما يحيرني كيف تبدل مذاق القهوة هذا المساء؟! وكيف تبدلت أحوالي أنا؟! وهل أحتفظ بهذا الفنجان وأستكشف مذاقه كل مرة يصمت فيها الهواء!!
بقلم:محمود حسونة (أبو فيصل)