كلمة السر بقلم:أحمد علام
تاريخ النشر : 2020-01-27
كلمة السر  بقلم:أحمد علام


     بقلم أحمد علام
كلمة السر

 الإنسان هو محور الحضارة ومحور التخلف , فإن بناءهِ يحقق الحضارة وهدمه يُخيم التخلف ، ومن ثم أى محاولة لتطوير أى دولة من أى جانب ستنتهى إلى سلة الفشل لإهمالها جوهر الوجود وهو الإنسان , فالإعتناء بأصل التقدم ونواته الحقيقية هو صمام الأمانه للحيلولة دون تدهور أى حضارة وذلك يظهر جلياَ في كل صفحات التاريخ.

وليس أدل على ذلك من نهضة سنغافورة ، الجزيرة التى لا تتعدى مساحتها 710 كليو متر مربع ويسكنها خمسة ملايين ونصف إنسان ، والتى قبعت تحت وطأة الاستعمار البريطانى وانفصلت عن ماليزيا عام 1965, وظهر وقتها رئيس الوزراء « لى كوان يو » يبكى على الهواء ببرنامج تليفزيوني لشعوره بالألم من انفصال مليزيا عن دولته و المسئولية الملقاة على عاتقه لبناء دولة مثل جزيرة سنغافورة،  ليس بها ماء بل تستورده من ماليزيا حتي الرمال تستوردها لعمل شواطىء ولا يوجد لديها موارد طبيعية كالبترول وغيره , والتى كانت عبارة عن مستنقع يبصُق الناسُ بشوارعها ، وتتجمع الحشرات على القاذورات الملقاه فى الطرق،  ويستحم الأطفال بالشوارع وتسودها الجريمة والعنف الطائفى بين أطياف المجتمع من الصينيين والماليزيين والهنود ومواطنى شرق أسيا.

رجل الدولة الحقيقى هو من يتسم بالرجولة الحقيقية والإحساس بالمسؤلية والتي تمثلت فى شخص « لى كوان يو » الذين يسمونه بسنغافورة الوزير المعلم الذى تجرد من نفسه وأهوائها وتوجه بالكلية تماماَ إلى مصلحة دولته فقط بيد بيضاء، فالكل يعمل من اجل سنغافورة وألزمهم بالتحدث فقط بالنجليزية ، سداً لإي فرقة محتملة أو إختلاف بين لغات الطوائف من الصينيين والهنود والماليزيين والأسيويين قد يُحدث فروق بينهم فتضعف قوتهم ، والزمهم بالسكني فقط في أي مبني مكون من كل طوائف الدولة الأربعة حتي يعُم التعايش السلمي بين الجميع إيماناً منه بالوحدة بين الشعب أنها هي أساس التطور و البناء . 

أعتمدت القفزة الحضارية لسنغافورة من 1965 فى أقل من ربع قرن،  على الإهتمام الفائق بتعليم الإنسان ، وتوعيته من الصغر لبناء جيل يستطيع النهوض بدولته ليتوافق مع أحدث الأنظمة التكنولوجية ، وإحترام الوقت لزيادة المساحة الإنتاجية ، وذلك هو جوهر البناء للدولة الحقيقية حيث يتجلي ذلك فى النظافة حتى أصبحت أكثر الدول نظافة وزُرعت الأشجار فى كل مكان لتعطي الشكل الجمالي و تنشر الأوكسجين والروائح الطيبة فى الأجواء ،وتميزت في مجال الصحة ، والصناعة ، والزراعة ، والتجارة ، والسياحة ، والتى تمثل أعلى مصادر الدخل السنوى  وأقل نسبة بطالة،  وأعلى مستويات التعليم،  ويكاد الفساد الإدارى بالدولة لا يرى من روعة التطبيق الفورى للقانون ، فالغرامات تفرض بشكل تلقائى على كل مخالف وطني أو أجنبي لأى قانون للدولة . 

  وبذلك أصبحت سنغافورة القابعة فى جنوب شرق أسيا رابع،  أهم مركز مالى فى العالم ويعد ميناء سنغافورة خامس أهم ميناء بالعالم من ناحيه النشاط ، رغم أنها تحتل المركز الثالث بالعالم من ناحية الكثافة السكانية ، إلا أنها تعد المدينة الأكثر عولمة فى العالم، سنغافورة من أخطر بقاع الأرض إلى أغنى ثالث دولة في العالم وفقاَ لمجلة الإيكونوميست ، وتصدر جواز السفر السنغافورى قائمة أفضل وأقوى الجوازات في العالم لعام 2019، حسب قائمة مؤشر

 "هينلي آند بارتنرز باسبورت إندكس"، وذلك باعتبار أنّه يمكّن حامله من السفر إلى 189 دولة دون تأشيرة مسبقة ، وأصبحت سنغافورة أسرع فى إنعاش إقتصادها عام 2010 بنمو وصل إلى 17.3 % 

التجربة السنغافورية جديرة بالدراسة والتحليل و التمحيص ، فهى بلاشك معجزة إدارية ، وإخلاص فى التنفيذ ، يجب أن تستفيد منها بلادنا العربية ومصرنا الحبيبة ، فإن كلمة السر فى تلك النهضة ، هى إلزام الجميع بإحترام القانون بشكل حازم ، وتطبيقه بشكل عام ومجرد على جميع طبقات المجتمع حكومة وشعباَ.

نحن في بلدنا العزيزة لا نحتاج إلا أن نطبق القاون بعدالة علي الجميع ، لمحاصرة الفساد والتضييق عليه،  حتى تُسد عليه كل ثغرات التى تستنزف ثمرات العمل وجهود الإنسان التى تضيع هباءاَ منثوراَ ، حيث يبنى شخص ويهدم آخر مابناه ، فيزداد مثلث التخلف مساحة ومرضاً وجهلاً ، ولذلك فإن القضاء على مسببات الفساد وبتر أذرعه بقوة القانون لا مفر منه، فهو السبيل الوحيد أمام البناء والحضارة ، وبدونه مهما كان التطوير كأن شيئاَ لم يكن .

إن إنتزاع السلوكيات السلبية من الامبالاة ، والتسويف ، والكسل ، واليأس ، والفهلوة ، و عدم الإتقان ،  والإعتماد علي الحكومة في كل شيء ، و الرغبة بتحقيق أعلى دخل بلا عمل ، وانعدام الاحترام لقيمة الوقت ،و البلطجة ، وإستخدام الألفاظ السوقية في الحديث وعدم إحترام الكبير ، وإعتناق الشىء والإيمان بعكسه،  فترى المصريين يؤمنون بالنظافة ويلقون كل ما هو قذر بالطريق ، ويمارسون التحرش وفى نفس الوقت يتغنون بالشرف وإحترام المرأة ، وتتكدس الناس بالمساجد برمضان للصلاة ودروس العلم للفقه والقرب من الله ، ويخرجون من المسجد للسب والقذف وقبول الرشوة،  فلا يكاد المصرى يأخد حقه إلا بعد الدفع مقدماً رغم أنه حقه، وينتفض الناس لمحاربة الدروس الخصوصية والدعاء علي المدرسين بسبب جشعهم فى نهب مال الأباء،  هروباَ من القيام بواجبهم وهي أسمي رسالة نحو بلدهم ، و بتلك الرسالة النبوية وهى التعليم وفى نفس الوقت حين تمنع الدروس الخصوصية يتسابق الأباء لرجوع هذه الدروس  ، حرصاَ على مصلحة أبنائهم وما هذا إلا شيزوفرنيا واضحة فى لوغارتمات النفس وتعقيداتها .

إعتصار الأزمة أصبح له صوت يبح من كثرة النداء للعقلاء ، من هذا الوطن للتدخل السريع لإنقاذ ذلك المريض ، وإخراجه من حجرة العمليات الحرجة ، ليلتقط نفسه حتى يبقى على وجه الحياة ، فالكل يصرخ ويعانى ويتألم من الفساد بكل أنواعه،  وكل ما نحتاجه هو تطبيق القانون يا سادة ،  وإلا فما الداعى لوجود كل هذه الأجيال التى تتخرج من كليات الحقوق على مستوى الجمهورية ، أو وجود الكليات فى حد ذاتها .

والغريب فى الأمر أن بلدنا تزخر بفقهاء أكفاء فى كل فروع القانون ،  يستطيعون وضع منظومة قانونية متكاملة،  وقد فعلوا ذلك فى أغلب الدول العربية فكانوا البناه الحقيقيين لها، ولا يحتاج الأمر بعد ذلك إلا حل تلك المعضلة الكبرى التى تواجه دولتنا وهى تطبيق القانون على الجميع. 

مصر بكل تاريخها العريق وحضارتها التى علمت العالم , فقد أجمع العلماء على وراثة تلك الجينات العظيمة عن أجدادنا العظماء الذين قدموا للبشرية أعظم الحضارات التي أبهرت العالم  شرقا وغربا ، وكل ما نحتاج إليه هو نفض تلك الأتربة عن هذه الجينات المعجزة وتحفيزها للظهورمرة أخرى لتتلألأ في جبين الحضارة من جديد.

وإنى علي يقين ليس له حدود ، أن تلك الجينات إن عادت للعمل مرة أخرى،  فستبهر العالم كما أبهرت العالم قديماً ، فمن ليس له ماضى ليس له حاضر ولا مستقبل فلا نتغنى بالماضى ونجلس عليه كأريكة للأستراحة بل نعود إليه لنقفز إلى الأمام ، وتلك الميزة تعد الحافز القوي بالثقة في التفس التي لا يتمتع بها أكثر شعوب العالم ، ولكن المصريون يحملون بذور الحضارة ويستطيعون زراعتها فى أى وقت إن أرادوا ذلك.