الخطر على الأبواب، فلنتوحد في التصدي له بقلم: د. مصطفى البرغوثي
تاريخ النشر : 2020-01-27
الخطر على الأبواب، فلنتوحد في التصدي له بقلم: د. مصطفى البرغوثي


الخطر على الأبواب، فلنتوحد في التصدي له
بقلم د. مصطفى البرغوثي 

الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية

ليست صدفة أن يترافق إعلان نتنياهو وغانتس في عن نواياهم ضم الأغوار و المستعمرات الاستيطانية، مع دعوة كليهما الى واشنطن لبحث صفقة القرن مع إدارة ترامب، في ظل اتضاح استحالة قدرة أي منهما على تشكيل حكومة بعد الانتخابات الإسرائيلية القادمة. 

و هناك أساس قوي للإعتقاد بأن ترامب يحاول انقاذ شريكه نتنياهو بالضغط لتشكيل حكومة وحدة وطنية بين نتنياهو وغانتس، بهدف تمرير صفقة القرن التي كما صار واضحا ليست سوى خطة لتصفية الحقوق الوطنية الفلسطينية، و لنسف إمكانية قيام دولة فلسطينية ذات سيادة، و لتشريع الضم والتهويد والاستيطان ليس فقط للقدس بل ولمعظم أراضي الضفة الغربية، ولفرض نظام الأبرتهايد والتمييز العنصري ضد الفلسطينيين، والعمل على تمرير التطبيع مع المحيط العربي على حساب القضية الفلسطينية. 

وفي الواقع فقد ثبت قطعا أن "صفقة القرن" ليست سوى خطة إسرائيلية صاغها نتنياهو لتقدم بلباس أمريكي زائف.

 لا يجوز التعامل باستخفاف مع الإعلان المرتقب لصفقة القرن، أو مع تصريحات نتنياهو وغانتس ونفتالي بينيت وليبرمان وحركة شاس، حول تبنيهم ضم منطقة الأغوار وشمالي البحر الميت إلى إسرائيل، أو مخططهم لفرض القانون والسيادة الإسرائيلية على جميع المستوطنات والبؤر الاستيطانية التي يبلغ عددها مائتان وستون مستوطنة وبؤرة.

ولا يجوز كذلك إعتبار هذه التصريحات مجرد أدوات في التنافس الانتخابي، وإن كان عنصر المزايدة العنصرية بين الأحزاب الصهيونية قائم فعلا.

الحقيقة أن تكرر هذه التصريحات، وما تتضمنه صفقة القرن يمثل تحولا نوعيا خطيرا في الأهداف المعلنة للحركة الصهيونية، بعد أن كانت كامنة، وإنتقالا بهذه الأهداف إلى التطبيق الفعلي. 

وما تؤكده هذه التصريحات أولا، أنه نتنياهو وغانتس ومعسكريهما يمثلان وجهان لعملة واحدة من التطرف العنصري اليميني، وأن هناك توافقا صهيونيا بين كافة الأحزاب الصهيونية، و تناغما كاملا بينها وبين صفقة القرن، على ان وقت ضم الضفة الغربية وتهويدها قد حل رسميا، لاستكمال ما نفذه المشروع الصهيوني في أراضي 1948 من قبل. 

وما تعنيه هذه التصريحات ثانيا أن هذه الأحزاب الصهيونية تتشارك مع فريق ترامب في مؤامرة مشتركة عنوانها صفقة القرن لتدمير إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة وتصفية مكونات القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني.

الأمر الثالث الذي تثبته هذه التصريحات، أن الأحزاب الصهيونية متفقة على تكريس نظام الأبارتهايد ضد الفلسطينيين للتعامل مع معضلة الوجود الديموغرافي الفلسطيني.

الأغوار ليست مجرد جزء من الضفة الغربية، بل تمثل 29% من مساحة الضفة الغربية وهي جزء من مناطق "ج" التي يريدون ضمها والتي تمثل 62% من الضفة.

وتضم الأغوار حوض المياه الشرقي وحجمه 170 مليون متر مكعب من المياه، وهو من أكبر مصادر المياه في الضفة. 

وضم الأغوار يعني إنهاء أي تواصل جدودي للفلسطينيين وحشرهم في جيتوهات ومعازل، معدومة السيادة وهو ما تنص عليه صفقة القرن عندما تؤكد على السيطرة الأمنية الإسرائيلية على كامل الضفة الغربية وقطاع غزة.  

وضم الأغوار إلى جانب فرض القانون الإسرائيلي في المستوطنات يعني الإنطلاق في عملية ضم وتهويد الضفة الغربية بكاملها، وتكرار ما نفذته الحكومة الإسرائيلية أيام النكبة في أراضي 1948.

الذي يجري ليس مجرد تصعيد عنصري جديد، وليس مجرد خطوات استعمارية استيطانية أخرى. الذي يجري فصل الختام في التحول نحو قتل ما سمي "بحل الدولتين"،  وتشييع رسمي لجثمان إتفاق أوسلو وملحقاته، وتنفيذ لما بيتته الحركة الصهيونية لسنوات، وتجرأت اليوم على إعلانه استنادا إلى الاختلال الخطير والمريع في ميزان القوى.

ولا يمكن الرد على ذلك ببيان، وإدانة، أو استنكار، كما لا يستطيع أي طرف فلسطيني إدعاء البراءة من المسؤولية عن المستوى الخطير الذي وصلت إليه قضيتنا.

الرد على الخطر المحدق، يجب أن يكون، أولا إنهاء الإنقسام فورا وتشكيل قيادة وطنية فلسطينية موحدة، تنشغل بإستراتيجية النضال ضد الاحتلال، والضم، والتهويد، والأبارتهايد، وليس بمواصلة الصراع على سلطة يقضمها المحتلون كل يوم، وكل ساعة، ولن يتبقى منها شيء في نهاية المطاف لا في الضفة الغربية، ولا في قطاع غزة.

والرد يجب أن يكون بناء إستراتيجية وطنية موحدة تستند إلى القناعة الجلية بأننا لسنا في مرحلة حل، بل في مرحلة صراع كفاح ونضال، ضد الحركة الصهيونية.

والرد يجب أن يكون بالتركيز على تعزيز الصمود والبقاء الفلسطيني على أرض فلسطين، والمقاومة الشاملة لمنظومة الأبارتهايد والتمييز العنصري، والتحلل الكامل والنهائي ليس فقط من الإتفاقيات التي مزقها الجانب الإسرائيلي، بل ومن كل القيود و العلاقات التي تعيق تطور النضال الشعبي الفلسطيني، وكل ما يعرقل إعادة توحيد طاقات كل مكونات الشعب الفلسطيني في الداخل، وفي الأراضي المحتلة، وفي الخارج.

هذه لحظة تحول تاريخي، تتطلب رداً بمستوى وخطورة هذا التحول.