أصلِحوا الخطباء وأوقفوا التحريض عن منبر رسول الله بقلم: احمد فايق دلول
تاريخ النشر : 2020-01-27
أصلِحوا الخطباء وأوقفوا التحريض عن منبر رسول الله
بقلم/ احمد فايق دلول

ياسر عرفات رحمه الله ليس فوق النقد، ولم يكن معصوماً من الخطأ، بل كان له وعليه، حيث اجتهد قدر الإمكان في إقامة سلطة حكم ذاتي سعياً منه لإقامة دولة فلسطينية مستقلة عن الاحتلال والارتباطات الإقليمية، وقد أنشأ مطاراً في غزة وكان على وشك استكمال بناء مؤسسات الدولة، لكن الموت عاجله قبل يحقق التطلعات الفلسطينية، لدرجة أننا رجونا لو عاد الزمن بنا إلى فترة حكم هذا الأب والربان لسفينة المشروع الوطني الفلسطيني.

أيَّا كانت الأمور؛ أستغرب من هذا أو ذاك الخطيب الذي يعتلي منبر رسول الله لبث سموم التحريض والتفرقة بين مكونات الشعب؛ تاركاً الحديث عن آلاف المشكلات التي تنخر في النسيج الاجتماعي لسكان قطاع غزة نتيجة تمسُّك حماس في الحكم بعد أحداث الانقسام منتصف 2007م وما نتج عن ذلك من عقوبات فرضها الرئيس محمود عباس وقبله رئيس الحكومة سلام فياض على الغزيين قبل اعوام.

لقد مضى 14 سنة على آخر انتخابات ديمقراطية جرت في الأراضي الفلسطينية بعد فوز حماس فيها، عاش خلالها الغزيون ألم الفقر والبطالة والحصار وإغلاق المعابر والغلاء الفاحش وتراجع الأوضاع المعيشية وانقطاع المياه والكهرباء، كما تعرَّضوا ل3 حروب وعشرات العدوانات الإسرائيلية، وهذا كله حدث بعد وفاة أبو عمار الذي تكالب عليه أعداء القرار الوطني المستقل. وفي ضوء هذه الحالة؛ لم نسمع 10 من الخطباء ينتقدون آلة الحكم في غزة أو يقدمون النصح والإرشاد لها، لأنَّ الخطيب الذي ينتقد الحكم في غزة يتعرض للإقصاء والتهميش وربما يتم منعه من الخطابة.

بدا واضحاً في السنوات العشر الأخيرة أنَّ منبر رسول الله لم يعد فقط لأجل الدعوة وشرح الإسلام بعيداً عن حالات التشوية والشيطنة التي فرضتها التنظيمات الداعشية وبعض التنظيمات السلفية، وقد تحوَّل إلى وسيلة إعلام سياسي يجري استخدامها لتبرير أخطاء التيارات السياسية وانتقاد الآخرين أو الأغيار، حيث أُسيء استخدامه من كل التنظيمات الإسلامية ومن حركة فتح أيضاً، حيث يُعتبر محمود الهباش واحداً من أكثر الخطباء الذين يبثون سموم الفرقة والحقد والخلاف بين مكونات الشعب من خلال الموضوعات التي يتناولها، لدرجه أنَّه قد حوَّل أغلب خطباته إلى دعاية سياسية علَّه يحافظه على مكانته المترنحة عند الرئيس محمود عباس بعد الملاحظات الكثيرة التي سُجِّلت عليه، وخاصة بعد اتهامه باختلاس ملايين الدولارات.

لا أخفيكم سراً أنني أتابع جدول الخطابة كل أسبوع حتى أهرب من المساجد التي يخطب فيها العنصريون أو محدودو الثقافة السياسية والمجتمعية، لأنّني أتعامل مع الخطبة كمحطة للتزود ببعض المعارف والمعلومات التي قد تغيب عن البال، لذلك تجدني أنتقل من مكان لآخر بحثاً عن الخطيب المتميز، وأقوم بتقييم الخطيب كل جمعة عبر تطبيق وزارة الأوقاف، وفي المقابل؛ أعرف بعض الخطباء عن قرب، ولم أحضر لهم منذ ما يزيد عن 10 سنوات بسبب عنصريتهم أو عدم كفاءتهم، حيث حضرت لخطيب أكثر من خطبة في أكثر من مسجد، وكان الموضوع واحداً لمدة تزيد عن 4 أشهر.

في أحد الأيام دعاني مسجد شمال قطاع غزة لتقديم درس عن تطورات القضية الفلسطينية بعد صلاة العشاء لعموم المصلين، وقبل إقامة الصلاة أوصاني أمير المسجد بألا أنتقد الرئيس محمود عباس، وهذه لفتة طيبة من هذا الصديق الواعي، فأخبرتُه في حينه أنني سأنتقد حماس وفتح على السواء أو لا أنتقد أحداً منهم. لقد استمر الدرس ساعة كاملة دون أن ألاحظ أنَّ أحد المصلين قد غادر المسجد.

كثير من الخطاب الذين يعتلون المنبر اليوم غير مؤهلين للخطابة، وتراهم يخطئون في اللغة العربية نحواً وصرفاً، ولا يدركون كثيراً من معلومات القضية الفلسطينية أو التاريخ الذي يستشهدون به. وأغلبهم يحتاجون إلى برامج توعية وتدريبية وتثقيفية في موضوعات مختلفة مثل القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان ومبادئ علوم السياسة والاقتصاد والإدارة والاجتماع واللغة العربية وعلم اللغة وعلم النفس، بجانب صقل مهاراتهم في بعض المهارات الحياتية الضرورية كمهارات الاتصال والتواصل، حتى لا يستمع المصلون إلى جعير صادر منهم يٌذهب مضمون الخطبة أدراج الرياح، وكذلك مهارات الحوار وأدب الاختلاف وتقبل الآخر، بحيث يركز الخطباء على القواسم المشتركة بين الكل الفلسطيني.

يجب التأكيد ختاماً على ضرورة احترام حرمة المنبر واستخدامه في الدعوة إلى دين الله، واحترام مشاعر المصلين المختلفين فكرياً، ومن المهم ألا يعتلي المنبر إلا من كان مؤهلاً وقادراً على هذه المهمة الصعبة، ولنتذكر دائما (وقفوهم إنَّهم مسئولون)، وذلك حتى لا يكون الخطيب واحداً ممن يُخرجون الناس من دين الله.