تكّلِفة الرد وتكلفة السكوت بقلم:مروان صباح
تاريخ النشر : 2020-01-25
تكّلِفة الرد وتكلفة السكوت بقلم:مروان صباح


تكّلِفة الرد وتكلفة السكوت ...

مروان صباح / جهاتان سجلتهما دفاتر الولايات المحتدة الأمريكية في سيرتها الذاتية ، استطاعتا ضربها في عقر دارها وأثرت الضربتين إلى حد أنهما هزتا الثقة الشعبية بقوة بلادهم ، ولهذا المشهد يعاد تكراره بطريقة أو بأخرى ، في الماضي القريب من القرن المنصرف وقف الرئيس الأسبق فرانكلين روزفلت يخاطب الشعب الامريكي في حادثة لم تكن على الخاطر أو على البال عندما باغت الياباني عام 1941م بضربته التى اندرجت تحت مسمى الوقائية اولاً والتى عرفت ثانياً فيما بعد برقم 353 ، عدد الطائرات التى أغاروا على قاعدة الأمريكية بيرل هاربر الشهيرة ، أما الحدث الآخر عرف برقم 19 ، الأشخاص الذين نفذوا عملية 11 أيلول من عام 2001م في مدينتي نيويورك وواشنطن التى اندرجت ايضاً تحت الحرب المقدسة ضد امريكا وإسرائيل كما اطلق عليها اسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة ، وبالتالي عملية القاعدة بهذا الحجم والاختراق فرضت على الرئيس بوش الابن الإفصاح عن ما لا تستطيع الدبلوماسية البوح عنه ، عندما أعلن بصراحة عن حربه الدينية التى كلفته بها السماء ومن ثم جاء التصحيح السياسي ليعدل التصريح السابق بتحديد جزء من هذا الكوكب بمحور الشر الذي تمثل بالعراق وإيران وكوريا الشمالية ، ولكن اليابانيون لم يُقُّدموا على ضرب الأمريكان من فراغ بل كان هناك شعور يمتلكهم بالذعر من مستقبل عويص وبالتالي هناك أسباب تتشابه لأسباب اليوم ، لقد فرضت الولايات المتحدة حصار خانق على اليابان من خلال سلسلة عقوبات ، في عام 1940م أوقفت واشنطن شحنات الطائرات وقطع الغيار للسلاح الجو المستعمل ومنعت إرسال المعدات الآلية وكانت أهم عقوبة واجهتها اليابان هي أزمة وصول النفط بالطبع ، بعد سقوط الهند الصينية من فرنسا بيد اليابانيين ، فقدت اليابان إمكانية تزويد طائراتها بالبنزين الذي جعلها مكبلة .

حاولت أمريكا منذ ذاك الوقت بما تملك من قوة للتكنولوجية والعلوم والنظام المالي والعسكرية المتطورة اسباغ امثولتها الفريدة بها على عولمة الأرض ، وبالتالي بحثت اليابان ايضاً عن مخارج تخرجها من عزلتها ، فتوجهت الإمبراطورية آنذاك نحو ملايا البريطانية وجزر الهند الشرقية الهولندية ، من أجل احتلالها وبالتالي السيطرة عليها سيؤمن لها النفط وغيره من معادن ، لكن واجهت قتال عنيف الذي اضطرها وبعد سلسلة مؤتمرات داخلية باعتماد فتح حرب مباشرة مع الجيش الامريكي ، وبالفعل لجأت غرفة العمليات اليابانية لدراسة الهجوم البريطاني الذي وقع على الأسطول الإيطالي عام 1940م في مدينة تارانتو بشكل مكثف وقد استفادوا من الواقعة بشكل عميق ، بالطبع هدف الهجوم على قاعدة بيرل هاربر ابعاد الأسطول الأمريكي عن المحيط الهادئ وأنها وجود محور الحلفاء ( البريطانيون والهولنديين من شرق اسيا ) ، تحركت ستة حاملات طائرات يابانية ، تحمل على متنها أكثر من اربعمائة طائرة يرافقها غواصات من أجل تدمير الأسطول البحري الامريكي وسلاحه الجوي في قاعدة بيرل ، وبالفعل اقلعت 353 طائرة وشنت ضربات مدمرة ، دمرت 188 طائرة أمريكية مرابطة على الأرض وأغرقت بوارج وحاملات حربية وثلاثة مدمرات الذي أسفر الهجوم على قتل ألف واربعمائة عسكري ، ثم عادت الطائرات وتزودت مرة أخرى بالقذائف والوقود ومن ثم عاودت الكرة مرة ثانية لكنها لم تدمر الأماكن المختصة للصيانة والتخزين الوقود الذي أدخل عرفة العمليات اليابانية من فوق حاملة الطائرات في نقاش حول الهجوم الثالث ، كان الادميرال البحري ياماموتو مقتنع بأن هدف الحقيقي من الضربة الوقائية عرقلت الأسطول الامريكي في محيط الهادئ وبالتالي لا بد من إفقاده موقعين ، الصيانة والتخزين الوقود ، الذي سيؤخر الجيش الامريكي على الأقل عامين لكي يتعافى من الضربة ، لكن الحيرة والتردد أدى إلى عدم تنفيذ الهجوم الثالث الذي وصف فيما بعد بالخطأ الجوهري والذي كلف اليابان الكثير وبالتالي العسكرية اليابانية صرحت لاحقاً عن ندمها ، لأن عدم إتمام العملية وقرار الانسحاب بالطبع خوفاً من تكبيد السلاح الجو مزيد من الخسائر كلف اليابان الويلات ، وهنا ختم أمير الأسطول ياماموتو المسؤول عن تنفيد المهمة مقولته الشهيرة ، انتصروا اليابانيون انتصاراً تكتيكياً لكن خسروا الحرب .

بعد الكارثة التى حلت في قاعدة بيرل هاربر ، تزعزع موقف الحلفاء وأصيب تشارشل رئيس حكومة المملكة المتحدة بكآبة وليس اكتئاب لكن روزفلت بقى متماسك والشعب الأمريكي رفض ابتلع الهزيمة وتشكل على الفور لديه قناعة مطلقة بضرورة دخول الحرب العالمية الثانية بشكل مباشر ، في المقابل دخلت الفرحة إلى قلب هتلر وعقب على الضربة بتصريح شهير حمل في مضامينه لوم اليابانيين لتأخرهم للرد على الإذلال الامريكي ، قال ( الحقيقة أن الحكومة اليابانية التى ظلت تتعرض لسنوات من الرئيس فرانكلين روزفلت الإهانات ، أصبحت في النهاية تشعر بالملل من سخريته منها بهذه الطريقة الغير لائقة ، وأضاف والكلام لهتلر ، ألمانيا وإيطاليا واليابان يكافحون معا جنباً إلى جنب من أجل الحرية والاستقلال ووضع حد للتوسع الأمريكي في العالم ، لكن نهاية الدول الثلاثة لم تكن مستقلة ابداً ، اليابانيون لأنهم تجرؤا بالوصل إلى الجغرافيا الأمريكية كان عقابهم بالانتقام منهم بالقنابل النووية أما ألمانيا شهدت أكبر مأساة عبر التاريخ البشري .

في رأي الآلاف وربما الملايين من ضحايا الحرب في مشارق الأرض ومغاربها سوف يواصلون بالانقسام بين من يرى بأن هتلر مجرم حروب تارةً ومقاوم للإمبريالية طوراً ، تماماً كما تتواصل الملايين ايضاً باعتقادها بأن الحلفاء خلصوا البشرية من قاتل من أجل أن يحلوا مكانه ، فالقوة في النهاية تفرض على صاحبها ما لا يرغب أو يرغب ، هنا ايضاً أشد وضوحاً ، في ضربة القاعدة لنيويورك وواشنطن ، أدى الفعل إلى إسقاط بلدين مسلمين ، أفغانستان والعراق ، لقد تعامل الجيش الأمريكي مع جبال تورا بورا الواقعة في جبال البيضاء في شرق أفغانستان بالقرب من ممر خيبر ، باستخدم قنبلة ديزي الملقبة بأم القنابل ) القوة ما قبل المفرطة ، تكلفة القنبلة الواحدة 16 مليون دولار ، الآن حصيلة المعارك في افغانسان وعلى الأخص في جبال تورا بورا كان القتال على الأرض يصب في صالح القاعدة وحركة طالبان لكن بفضل الطيران الذي لم يفارق المنطقة على الإطلاق غير المعادلة وحسمت القنابل الديزي المعركة وايضاً القنابل النووية في اليابان كان لها الكلمة العليا في حسم المعركة واستسلام اليابان .

ولكنني في المقابل لا أصادر الحق في تثوير الأسئلة المباحة ، قوة مثل قوة ايران في القرن الواحد والعشرين ، مازالت خارج نادي النووي ليس فقط الذكي بل التقليدي وتفتقد للسلاح الجو وايضاً للحاملات الطائرات وبالتالي القوة العسكرية لليابان في أوائل القرن العشرين كانت أعلى شأن من التسلح الإيرانية في هذا الوقت بمرات ، بل الصناعات العسكرية اليابانية في تلك المرحلة كانت هائلة ، فاليابانيون كانوا يمتلكون سلاح جو متفوق وحلفاء بحجم هتلر ومع كل هذا تفوقت التكنولوجيا بتدمير مدينتين كاملتين الذي جعل اليابانيون يعتقدون في وقتها بأن القيامة قامت ، وبالتالي ، اليوم تسعى ايران من خلال العراق لفك عزلتها والالتفاف على العقوبات الامريكية وهذا بحد ذاته مؤشر كبير لحرب قادمة ، لكن السؤال ، هل تتحمل إيران ضربات مماثلة لضربات اليابان وتورا بورا أو ألمانيا ، بالطبع حسب التجربة ، في جميع المواقف الايراني تجنب مواجهة الامريكي بشكل مباشر لأنه يعلم ثمن المواجهة ، إذن ، علائم الرد على مقتل قاسم سليماني معدومة وكل ما يقال بهدف دخول الحرس الثوري في مغامرة الرد الملائم والمتساوي بعيدة وليست من سلوك النظام الايراني ، بل لقد اشتهر النظام بالانحناء أمام العواصف المتلاحقة حتى أصبح الانحناء ميزة من ميزاته الحصرية . والسلام
كاتب عربي