بين سوط الجَلد وسيف الجدّ بقلم رفيق أحمد علي
تاريخ النشر : 2020-01-24
بين سوط الجَلد وسيف الجدّ بقلم رفيق أحمد علي


[أهدي هذا المقال إلى رئيس تونس الجديد قيس بن سعيد]
بين سوط الجَلد وسيف الجدّ
دأب كثير من الأدباء، كتّاباً وشعراء.. بل آخرون واعظون ودعاة.. في مناسبة وغير مناسبة على مجرد النقد وتوجيه اللوم للمسئولين والكبراء، بما يتصاعد إلى حدّ الهجاء، وربما تحول إلى صيغة النقد الذاتي الجماعي، الذي يتنامى لما يسمّى بجلد الذات! ولكن إلى متى هذا النقد والجلد وما جدواه إذا لم يغيّر حالاً فينهي سباتاً.. أو يحرّك ساكنا ويحيي مواتاً؟
وقد لا نلوم الدعاة أو المفكرين حينما يتحدثون عن مواطن العيب أو الخطأ في مجتمعنا ومسئولينا وحكامنا، مقترحين لذلك وسائل للعلاج وسبل الإصلاح والتغيير، وإن أنّبوا إطناباً أو جلدوا إسهابا؛ لأنّ ذلك من صميم عملهم وإمكانهم وواجبهم.. كما لا نعتب على الشعراء إذا عمدوا في أشعارهم لغرض الهجاء؛ فذلك من طبيعة فنهم الشعري وأغراضه المعروفة ما بين المدح والهجاء والغزل والرثاء.. لكننا نلوم مسئولاً كبيراً- رئيساً أو ملكاً أو أميراً من أصحاب القرار العملي والقدرة على التنفيذ- إذا لجأ إلى أسلوب الكاتب الناقد أو الشاعر الهجّاء، أي مجرد جلد الذات وبيان الآفات قصوراً وقعوداً عن العمل الجاد بتجنيد وسائل الإصلاح والتغيير من آلاتٍ وطاقات! إذ يطالعنا أحدهم في صفحته بأحد مواقع التواصل الاجتماعي بما يشبه القصيدة التي ينعي فيها نوم العرب على كل ما يصيبهم من انتهاك لحقوقهم وامتهان لكرامتهم، وعلى رأس ذلك سلب القدس وتدنيس الأقصى الشريف.. بينما لا يملكون بعد طول المنام إلا أن يحوقلوا أو يسترجعوا والسلام! كلا أيها الرئيس السعيد والقائد الصنديد! والذي تقع عليه المسئولية الأولى؛ أما سمعت قولة الفاروق عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-: لو أنّ بغلةً عثرت في طريق العراق أو صنعاء لخشيت أن يسألني الله يوم القيامة: لِم لم تمهّد لها الطريق؟ إذن فالمطلوب المنتظر منك أيها الراعي المسئول هو تطبيق ما يقوله الناقدون والواعظون وليس مجرّد ترداده.. والمطلوب منك العمل على جبّ الهجاء وليس التصدية به أو الغناء! أو كما يقول الشاعر الكبير أبو تمّام:
السيف أصدق أنباءً من الكتُبِ** في حدّه الحدُّ بين الجدِّ واللعلبِ!
بيض الصفائحِ لا سود الضحائف في** متونهنّ جلاء الشكِّ والرّيَبِ
أجل، كما ليس المطلوب منك فقط أن تتمنى الأمانيَّ لفلسطين وشعبها، أو تنظم الأشعار في عشقها، بقدر ما هو مطلوب أن تساند مجاهديها بكل أدوات المساندة والدعم.. أوَليس عيباً على المسئول العربي- رئيساً كان أو وزيراً أو ملكاً أو أميراً- وقد يرى غير العربي يمدّ المقاومين الفلسطينيين بالسلاح والمال، بينما هو يمتنع ويمانع؛ طاعةً لمولاه السبّد الكبير وتودداً إليه، وخِشيةً من غضبه عليه!
أما آن الأوان أن يتحرر هؤلاء من التبعية الأجنبية والذيلية المهينة لهم ولشعوبهم؟ أما آن الأوان أن يرفعوا رءوسهم عاليةً بدلاً من خفضها مستخذيةً دانية.. أن يمدّوا أيديهم بالأُخوّة لبعضهم البعض– عرباً ومسلمين، ولا يمدواها بالخنوع للأجنبي أذلاّءَ مستسلمين!؟
أما أنتم ونحن معشر الأدباء أو الواعظين والخطباء! فالمطلوب منا ومنكم أن تبيّنوا وترشدوا، بأكثر مما تنتقدوا وتجلدوا.. أن تطووا سوط الجلد وتنشروا كلمة الحق وصوت الجدّ ؛ وذلك بالوقوف على أسباب تخلف أمتنا وجمود حضارتنا، ثم البحث عن الوسائل الفعالة للنهوض وكسر الجمود.. ثمّ لترفعوا هذا الصوت إلى الحاكمين والمسئولين، بلا خوفٍ أو وجل إلا من الله تعالى الذي جعل لكلّ كتابٍ أجل لا يتقدّم أو يتأخّر! وتذكّروا قول قائدنا ومعلمنا ورسولنا محمد- صلى الله عليه وسلم-: " سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله " " قال الحاكم: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه "
وكذا صححه السيوطي والالباني.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الاستقلاال عدد 1626