الطفيلي بقلم:هدى الطائي
تاريخ النشر : 2020-01-24
الطفيلي
هدى الطائي

لو اخذنا بداية معنى الطفيلي من تعريفات المعاني ،فهو يعني من يحضر وليمة دون ان يدعى لها ، ومفردة طفيلي منسوبة الى رجل كان معروفا بالشراهة ، والطفيلي هو الكائن الذي يعيش ويقتات على الاخر كالقمل والبراغيث وبعض انواع من الحشرات ، ولها بالتاكيد معان اخرى ولكن مايهمنا هنا معناها المتداول الذي يحرك مشاعر القرف فيمن يراه او يسمعه.
ان هذه الفئات كما هو معلوم حينما تدخل لبيئة او مكان ما يترتب على ذلك المكان فعل الفساد الذي يجر الى سلسلة من الكوارث والاستغلال والابتزاز بل لن تناى بنفسها حتى لو وصل الامر الى اقتراف الجريمة لخسة النوايا ، على ان تقاعس المسؤولين في تطبيق القانون وعدم معاقبة الجناة يساعد في تحول الماء الى لون دماء وتهيمن سطوة الخراب ، وبالتالي يمهد السبيل في سحق من يتعرض لها لان همهم هو الاستيلاء على الثروات والدفاع عن مصالح ليست لهم شرعية فيها ، فلن يتوانوا عن اغتيال دولة بكاملها لو تطلب الامر خارج الاطر القانونية والتقليدية .
وقد ساهمت السينما ببراعتها على كشف العديد من الجرائم وفي عرض موضوعات تمثل هذه الموجة باطار فني مذهل باستخدام تقنيات الضوء والالوان و العتمة وتزامن الحدث مع اوقات معينة تجسد قصة الفلم ، لها تاثير على تفاعل المشاهد ، وهي بذلك توجه الانظار وتلفت الاهتمام الى العديد من الامراض المجتمعية التي تتفشى في كل الاصعدة وبالتالي تمزق المجتمعات واللحمة الانسانية ، وهي بهذا تعتمد المعايير التنويرية والمنهاج المعرفي والوعي الفني في سبيل مجتمع خالي من تحكم المرتزقة والطفيلين وحيتان الفساد الشرهة ،
ومن هنا يعكس لنا الفيلم الكوري ( الطفيلي parasite ) صورة قضية كبرت مع الزمن وتمخضت عن ولادات مشوهة شتى ، والذي تجسده عائلة بائسة تعيش في قبو تحت الارض لم تتوفر فيه اة شروط صحية ، يعتاشون على دخل ضئيل مقابل صناعة اغلفة لمحال البيتزا ، وتشاء الصدف ان يعمل احد ابناء هذه العائلة البائسة معلما لدى عائلة ثرية ، وتتوالى الاحداث وتبدأ الحبكة والعقدة التي يبني عليها المخرج تداعيات القصة وخيوطها المتشعبة التي يبرز فيها البون الشاسع بين الامكنة القديم والجديد وتاثيرها على الشخصيات ( الابطال ) ومآل سلوكياتهم التي وصلت بهم الى الجريمة بحق اصحاب المكان الجديد الذي احتضنهم ومهد لهم سبل العيش الكريم ، وقد اظهر دناءة الابطال وتماديهم في سلب حق لغيرهم بخطط عنكبوتية وضمائر باردة لا تتوجع ، كذلك يسلط الضوء بذكاء من اجل ابهار مشاهديه ، على اصرار الابن رغم الجريمة واخفائها الاصرار على المضي قدما لسلب القصر من الساكن الجديد باي ثمن عبر رسالة لوالده يخبره فيها ان ينتظر لهذا الحين.
وهو مؤشر على ايغال التطفل والفساد المستمر في ذوات هؤلاء وكانه الادمان ، الذي افرزته الفوارق الطبقية والسياسات الاقتصادية الخاطئة للبلدان والذي يتمخض عن سلبيات مرضية مفجعة بسبب الفقر والحرمان والبؤس والمعاناة ، وقد صاغتها عجلة السينما بابداع مذهل وشفافية واقعية تعكس مانعيشه اليوم من تداعيات في البنية الاخلاقية لفئة كاملة تعيش على الكفاف وتعبث في مقدرات البنية التحتية لمجتمع كامل بشكل خفي واحيانا معلن لايخلو من المكر والدهاء والحيلة والدسائس لهدم القيم الانسانية ومنع المعروف وافشاء واشاعة اللصوصية بين فئات المجتمع الساذجة والفيلم اذ يعبر عن قضية مجتمع باكمله مختزل بصورة العائلة ..