على مفرق طرق!بقلم:هيثم أبو الغزلان
تاريخ النشر : 2020-01-23
على مفرق طرق!بقلم:هيثم أبو الغزلان


على مفرق طرق!

هيثم أبو الغزلان

لم يؤدّ اغتيال الفريق قاسم سليماني، قائد لواء "فيلق القدس"، إلى جعل المنطقة "أكثر أمنًا واستقرارًا"، كما أراد الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، ورئيس وزراء "إسرائيل" "بنيامين نتنياهو"، بل زرعت مزيدًا من دوافع "الرد والانتقام". فالتطورات العديدة الحاصلة عقب عملية الاغتيال أرخت بظلالها وتأثيراتها على مجمل الوضع في المنطقة، ومنها فلسطين المحتلة.

فمع استمرار حالة التدافع الأمريكي - الإيراني تتعزّز آفاق التصعيد التي تبقى محكومة بمدى حصول تطور ما، أو حدث مفاجئ يؤدي إلى الحرب، أو البقاء ضمن سياق التدافع وتسجيل النقاط لكلا الطرفين. وهذا يُدخل المنطقة في حالة ترقّب وتخوفات وتحذيرات من عواقب اندلاع الحرب التي باتت تتعزّز أسبابها ودوافعها، ويزداد في الوقت نفسه التحذير من عواقبها. ويبدو أن الرئيس الأمريكي الذي يسير على حافة الهاوية في سياسته، لا يلتزم كما يقول خبراء أمريكيون، بإستراتيجية أمريكية كان يلتزمها الرئيس "جورج واشنطن" تسمى "عقيدة جورج واشنطن"، أوعقيدة الرئيس "هاري ترومان"، وإنما يلتزم "بطريقة عمل غير متوقعة في ظل وضع عالميّ يتغيّر بسرعة ما يستوجب، بحسب الخبراء الأمريكيين، العمل لإيجاد إستراتيجية أمريكية جديدة تراعي التطورات الحاصلة، خصوصًا مع انتقال المنطقة إلى "حروب الطاقة بعد مكتشفات الغاز التي تثير الآمال لتحسين الوضع الاقتصادي في المنطقة.

... إن من ضمن أهداف السياسة الأمريكية المتبعة الحفاظ على الأمن الإسرائيلي، والسماح لها بما يسمى "الدفاع عن نفسها"، وجعل جيرانها العرب يُسلّمون بوجودها الآمن، وهذا شرطه ضمان استمرار قوّتها وتفوّقها العسكري في المنطقة. هذا التناغم تبدّى من خلال دور استخباريّ إسرائيليّ ما، كشفت عنه صحيفة "نيويورك تايمز" و"NBC"، وفّر للأمريكيين معلومات مُكمّلة وإضافية حول الجنرال سليماني يبدو أنها ساهمت في إنجاح عملية الاغتيال. وهي الإشارات نفسها التي أعلن عنها نتنياهو من اليونان بشأن المتابعة الحذرة لعملية الاغتيال، وتأكيده "التواصل المستمر مع الصديقة الكبرى الولايات المتحدة". ليُعلن بعدها ترحيبه بالعقوبات الجديدة التي فرضها ترامب على إيران، والتهديد الأوروبي من الدول الثلاث "فرنسا، وألمانيا، وبريطانيا" تفعيلها "آلية فض النزاع" النووي، الذي استدعى ردًّا إيرانيًّا على لسان الدكتور علي لاريجاني، رئيس البرلمان الإيراني، ومحمد جواد ظريف، وزير خارجية إيران، يُهدد "بإنهاء تعاون إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية". مع الإشارة إلى أن موقف نتنياهو الذي ما برح يؤكد عليه، أنه لن يسمح لطهران بتطوير الأسلحة النووية، وأن اغتيال سليماني، كما يعتبر نتنياهو وصنّاع القرار في "إسرائيل"، يساهم في الحفاظ على "الأمن القومي الإسرائيلي، واستقرار الشرق الأوسط". وتظل نظرة ترامب ونتنياهو بالنسبة لاغتيال سليماني وردع إيران قاصرة؛ فإيران، بحسب البروفيسور "دان شيفتن" (رئيس البرنامج الدولي للأمن القومي في جامعة حيفا)،"ستبقى تشكل خلال العقد القادم تهديدًا للمنطقة، من خلال إنتاج القنبلة النووية، والتخلي في أسوأ الأحوال عن معاهدة انتشار الأسلحة النووية".

وبناء على الظروف الصعبة التي تحيط بنتنياهو، فقد عمل على استغلال عملية اغتيال سليماني، وإظهار استغلاله لما سماه "الفرص التي باتت أكبر من أي وقت مضى لتطوير علاقات جديدة مع دول عربية"، والقيام بفرض المزيد من الوقائع على الأرض الفلسطينية؛ استيطانًا وتهويدًا، والسعي المحموم لفوز حزبه بالانتخابات الإسرائيلية المزمع إجراؤها في آذار/مارس القادم، وانتهاج سياسة الحفاظ على الانقسام بين الضفة وغزة وتعميقه عبر إجراءات متنوعة ومختلفة،ما يتطلّب خطوات فلسطينية موحدة وجادة هدفها إنهاء الانقسام الحاصل، وتعزيز الوحدة الفلسطينية، والوصول إلى برنامج وطني جامع ومتفق عليه يُخرج الجميع من "عنق الزجاجة" وعمليات تدمير مقومات القضية الوطنية الفلسطينية إلى رحاب الاتفاق الوطني على مشروع وطني جامع.

إن عملية التدافع في المنطقة تُحتّمالدفع باتجاه المزيد من مقاومة الهيمنة والنفوذ والاحتلال الأمريكي والإسرائيلي في المنطقة، وإن استمرار إيران في سياسة الرد الأوّلي التي انتهجتها، وإبقاءها الباب مواربًا أمام استمرار الردود على اغتيال سليماني ضمن مُحدّدات تنتهجها تُراعي من خلالها الظروف والتعقيدات والمآلات المتوقّعة، والعمل على تحويل التهديدات الجدية إلى فرص حقيقية، مما سيُساهمفي خلق وقائع في المنطقة لمرحلة جديدة بعد المنعطف الخطير الذي دخلته المنطقة بعد اغتيال سليماني.

لننتظر ونر.