قابوس وثلاثية القيادة بقلم:د. ناجى صادق شراب
تاريخ النشر : 2020-01-22
قابوس وثلاثية القيادة  بقلم:د. ناجى صادق شراب


  قابوس وثلاثية القياده.

             حدد عالم الإجتماع ألألمانى ماكس فيبر مصادر شرعية القياده في ثلاثة مصادر التقليدية وأساسها التوريث او المتعقد الدينى ـ والعقلانية والتي تستند على الإنجاز والقدرة والكفاءة، والكارزمية بما وهب القائد من صفات إستثنائيه . هذه المصادر الثلاث القاسم المشترك بينها القبول أي شرعية الحاكم تتوقف على قبول وحب شعبه له وإلتفافهم حوله. وهنا القبول رديف للحكم الديموقراطى . السلطان قابوس إجتمعت فيه العناصر الثلاث للقياده، واستند على شرعية الإنجاز بشكل أكبر. وكما يقول كريستيان كوتس من معهد بيكر بجامعة رايس بولاية تكساس إن : السلطان قابوس كان يتمتع بتلك السلطه الكارزميه، وصار مرادفا لعمان كدولة حديثه على نحو يجعل من الصعب على أي خليفة مضاهاة ذلك على ألأقل في البداية.والحاكم لا يقاس حكمه بالسنين التي حكمها ولكن بالإنجازات والسياسة التي إنتهجها.ومنذ البداية تعلم في كلية سانت هيرست العسكرية فانفتح على الثقافة الإنكليزيه، واكتسب لغة الحسم والجرأة في إتخاذ القرار السياسى ، كان يعانى كثيرا في رحلته البحرية من عدن إلى بريطانيا ليكمل تعليمه، وكان دائما يقول أريد مسقط مثل عدن، واليوم أين عدن من مسقط، ولم يكتفى بتعليمه العسكرى بل درس القانون. وكلها عناصر للشرعية العقلانية . ومعيار نجاح الحاكم كما في حالة السلطان قابوس المقارنه بين مرحلة الحكم السابقه ومرحلة الحكم التي حكمها.كان بمقدور قابوس ان يكتفى أنه ينتمى لأسرة آل بوسعيد الحاكمه والتى حكمت عمان منذ 1774، ويعتمد على القوة والقمع والتخويف. وكان بمقدوره ان يعتمد على ما وهبه الله من صفات جعلت المواطن العمانى يرى نفسه وشخصيته وهويته في شخصية الحاكم, لم يحول نظام حكمه إلى علاقات زبائنية بان يحتكر السلطة والمال والقوة مقابل شراء حقوق مواطنيه ومصادرتهم، ولم يشأن أن يحول مواطنية إلى قطاريز تابعه لا تعرف إلا كلمة نعم لما يريده الحاكم ، ولا تعرف كلمة لا . رفض هذا النظام الزبائنى التابع والذى يلغى شخصية المواطن. ليؤسس لنظام حكم يقوم على شرعية الإنجاز

لقد إستلم الحكم من بعد والده الذى كان منغلقا منعزلا في حكمه ، وعمان غير موجوده كدولة ومؤسسات وخدمات ،ما هو موجود عمان القبيلة. إستلم الحكم وليس بها إلا طريقين معبدين، ومدرسة أساسية واحده، وعيادة طبيه واحده بدائيه. عمان وكما وصفها المراقبون كانت صفرا.  نقل عمان من القبلية إلى المؤسساتية والدولة الحديثه، إنفتح على الكل وأستعان بكل من أراد ان يقدم خدمات لعمان لتنهض وتقوى . أدرك منذ البداية محددات وشروط النجاح، وخصوصا انه كان قارئ للتاريخ، وقرأ تاريخ بلاده جيدا وعرف أسباب التراجع والتخلف. فأنتهج سياسات الحكمة والتسامح والعفو حتى مع معارضيه ، عرف كيف يتعامل مع ثورة ظفار ومع التنافسية والصراع القبلى ، بالحكمة والعفو وإستيعاب كل المعارضين له ووضعهم امام خيار عمان أولا، فسلم يوسف العلوى ديبلوماسية الدولة ،وقرب له عبد العزيز الرواس، وعرض على اكبر المتمردين مسلم بن نوفل قيادة الجيش الوطنى لكنه آثر ان يعيش بهدوؤ .وأدرك منذ البداية تأثير العامل المكانى والجغرافى ، وماذا يعنى موقع عمان الجغرافى الذى تهب عليه كل العواصف السياسية والأزمات، فالمنطقة منطقة صراعات، وإستهدافات إقليمية ودولية ،الكل طامع طامح فيها ،ومن هنا نجح منذ البداية ان يشكل إسما لعمان وسياسية متفرده ، واسس لما عرف بمبدأ او عقيدة قابوس والتي تتكون من خمس عناصر: التعايش السلمى ، وحسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وإحترام سيادة الدول، والتعاون الدولى في جميع المجالات. وهذه العقيده لتنجح إحتاجت سياسة حيادية إيجابيه، وعدم التخوف من عقدة ألأجنبى ، فتعامل مع الكل من منظور نهضة عمان وتقدمها، وعدم الإنزلاق في سياسات المحاور والإستقطاب الإقليمى والدولى.وهذه السياسة جعلت عمان محل إحترام ومصداقية من قبل جميع القوى. وبسبب هذه السياسة توصف عمان بين الدول بصوت السلام الهادئ المتعقل المتزن.ودولة الوساطات الدولية..نجح ان يجعل لعمان شخصية مستقله ففي الوقت الذى قاطع فيه العرب مصر مد يده وحافظ على علاقاته، وموقفه من سياسات العراق زمن صدام حسين ، وإن دل ذلك على شء دل على رؤية هذه القياده.وفى الوقت الذى نرى فيه العنف وموجات الإرهاب والتشدد ، نجح في أن يبعد العمانيين عن هذه الإتجاهات بنهج التعدديه المجتمعية والخطاب الدينى المعتدل والمنفتح، فرغم سيادة مذهب الأباضيه بقيت كل المساجد مفتوحه للجميع. ومن مقومات النجاح التي أرساها ترسيخ ثقافة الإعتدال والإنفتاح على الثقافات ألأخرى ، ويكفى ان نعرف ان محطات التلفزه تغلق على نوتات موسيقيه  عالميه من قبل الفرقة العمانية , ولعلى أختم بأن أهم الإنجازات التي  حققها قابوس قبل وفاته إختياره لخليفته السلطن هيثم بن طارق ، فأختار شخصية منفتحه على الثقافة ، فهو خريج جامعة أكسفورد ويتقن الثقافة الإنكليزية ،ورب عائله يعرف ماذا تعنى المسؤولية ،وتولى مناصب كبيره وكثيره واهمها إهتمامه بالرؤية السياسية لعمان والقضايا الاقتصادية لعام 2040. لا شك هذا الإنجاز والإنتقال السلس كما الحكم السلس كما الرحيل السلس هو البصمات التي تركها قابوس ليقترن إسمه دائما في تاريخ عمان بعمان الحداثة وعمان الإعتدال السياسى وعمان الإنفتاح الثقافى والإعتدال الدينى.

دكتور ناجى صادق شراب 
[email protected]