لم يعد لله في ديننا خير ولافائدة بقلم:رشيد (فوزي) مصباح
تاريخ النشر : 2020-01-20
لم يعد لله في ديننا خير ولافائدة بقلم:رشيد (فوزي) مصباح


رشيد (فوزي) مصباح

**
حينما تريد التملّص من متاعب الدّنيا وهمومها، أو تنوي التخلّص من الذّنوب الكبيرة، فإنه من الطّبيعي أن تختار الذّهاب إلى أقدس مكان فوق الأرض، باحثا عن الأمن والأمان، والأجر والسّكينة. ثم تجد ما لايسرّك فيه، فإنك تعود إلى البيت وأنت تجر أذيال الخيبة وراءك ، مطأطأ الرّس، منكسرا مهزوما.

المساجد و الجوامع كما جاء في التعريف، هي بيوت الله تُؤدّى فيها الصّلاة المفروضة التي هي الرّكن الثاني في الإسلام. ومن المفروض إن مثلما تجمع هذه المساجد وهذه الجوامع النّاس وتوحّد صفوفهم، أن تُألِّف بينهم، لكن تجدنا متشائمين في كل مرّة ننزي فيها الذهاب إلى بيوت الله، بسبب بعض السلّوكيات المريضة؛ من غلظة وجهل وجفاء واحتقار لخلق الله...وكلّها سلوكيات مريضة تسيء إلى الدّين ولا تخدمه. ولولا أن صلاة الجماعة واجبة للزِم الإنسان بيته حتى يقضي الله أمره. وليس في الفقر عيبا ولا في  الأمراض العضوية الأخرى. والغريب أن مثل هؤلاء المرضى، روحيّا وخُلُقيّا، [وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ] – كما قال عنهم المولى عزّ وجل –، أكثر ما يهمّّهم ويهتمّون به هو مظهرهم الخارجي، على حساب كل شيء. تراهم كيف يخرجون عليك في أُبّهة كالسّلاطين والملوك برداء التكبّر وقلوبهم خاوية، وإن كانت الأناقة ليست عيبا لأن على المسلم أن يكون جميل المظهر  بقدر المستطاع حتى عطي صورة تليق بجمال ومقام عقيدته ودينه. وصدق الشّاعر ( حسّان بن ثابت ) – رضي الله عنه وأرضاه - حين قال في أمثال هؤلاء:

[لا بأسَ بالقومِ من طولٍ ومن عظمٍ ***  جسمُ البغالِ وأحلامُ العصافير]

في هذا الزّمن الذي اختلّت فيه موازين الأخلاق والقيّم، و هذه الحضارة التي سلبت عقول النّاس ودمّرت أخلاقهم، والتي إنّما نشأت على أنقاض ما تبقى من حضارة المسلمين وأخلاقهم؛ حين قام المتنوّرون الأشرار بغزو الأندلس، واستباحوا قلاعهم وحصونهم، ونهبوا الخيرات، وشرّدوا وقتلوا العباد، وأقاموا على من بقي منهم محاكم التفتيش… ولم يأخذوا من حضارة المسلمين سوى القشور، وتركوا اللبّ وتخلّصوا من القيّم،ولم يستغلّوا من الأفكار والكتب سوى ما يتماشى وأغراضهم الماديّة الجافية، فضلّوا وأضلّوا. ونحن الآن على أثرهم نقتدي بهم، و نتماهى مع أفكارهم، وجزء لا يتجزّأ من مؤامراتهم؛ نستهلك ما يروّجونه من بضائع مسمومة مزجاة معظمها تقدّس الجسد ولا تعترف بالروح، تحيي الغرائز وتثير الشّهوات، وتحرّض على الانحلال والانحراف... بلا شك هي حضارة لقيطة بكل ما تحمل الكلمة من معان سيّئة قبيحة.  

معركتنا اليوم ليست فقط مع الجهلة والهمج، بل هي أيضا مع المبتزّين؛ الذين سفّهوا أحلامنا بتلوّنهم، و أفرغوا الدين من محتواه الأخلاقيّ حتى غدا مجرّد طقوس وممارسات تُؤدّى، فظهر الابتزاز المقدّس، ولم يعد لله في ديننا خير ولا فائدة.