أهازيج الأقحوان .. تضئ صلاح الدين بقلم: نهاد ابو جبر
تاريخ النشر : 2020-01-20
أهازيج الأقحوان .. تضئ صلاح الدين

يا لها من كرنفالات أقحوانية تعزف سيمفونية عشق صوفى يطارح إشراقات الفاتح من كانون تكحل عين المشتاقين بخيوط ذهبية توشوش بهوج عاصفة نورانية ستقتلع قرن القرن ورغاليله قلع ما أن تلمح خط صلاح الدين .. إقتربت السيارة من عتبة الصلاح تزغلل صمت أحلامك بين اللمحة واللمحة أهازيج كنعانية تنوء بوهج حملها الذهبى حافلات تأكل الأسفلت أكلاً كأنهن بواهش برية تمسك بذيلها شاحنات مدبزة اتدبز بإبتسامات عريضة تركب جناح الريح جاءت من كل فجٍ عميق سيارات تكاتك كأنهن مهر جامحة يا لروعة حجيج الأقحوان .. 

توقفت دهشة مهيرتى أمام مصراعى الصلاح تتحين لمحة شاردة تمتطى صهوتها للإتجاه المعاكس من بين بيارق متلاطمة تأخذ الألباب بلآلئ حسنها الخلاب .. فركت عجلات صمتها ما أن قنصت لميحة ذهبية وسط هذا الهوج الذهبى وإنطلقنا جنوباً نغرد وحدنا خارج أسراب هذا الحجيج النورانى .. محال فى مثل هذا اليوم أن أخرج من البيت وأعتكف على متابعة تفاصيل تفاصيل هذا العرس الأقحوانى من على الشاشات من منها تبثه مباشر ومن منها تكتفى بخبر عابر ومن منها تتظاهر بعدم الإهتمام .. قبل لحظات من ركوبى السيارة لدعوة غذاء مباغتة على شاطئ خانيونس لم تترك لإعتكافنا خيار كتبت على صفحة التواصل : شوارع الوحدة اتدبزت اتدبز من الحينى .. 

إنطلقت السيارة تطوى الأرض طياً وعينى ترصد زغللات هبوب عنقاء الفاتحين تنفض ركام اليأس عن كاهل أحلامنا الذاوية كأنها قيثارة فيروزية تثلج صدر عجوز فى الثمانين تتوكأ نشوة إقحوانة .. مواكب تشعل الطريق بإضاءات إقحوانية تعكس بين الفينة والفينة شموس تجمع هنا يجلط صُغرة المتظاهرين بعدم الإهتمام وشموس هناك عنانها يتحفز للإنطلاق يا لفخامة نفير الأقحوان ..

فيروزيات صبوحة إحتارت إنيتى تكتب عن سحر أنفاس صبحها بأى لسان ! بلسان الأديب بلسان الشاعر بلسان الباحث بلسان المفكر بلسان الشعبوى بلسان السياسة .. تباً لسياسة أناى لا يستقر لها حال إن كتبت بلسان المفكر ذهبت عذوبة الإشراق الصوفى وإن كتبت بلسان الباحث ذهبت سبحات اللحظة الإنفعالية وإن كتبت بلسان الأديب ذهبت تجليات زرقاء المفكر وإن كتبت بلسان الشاعر ذهبت جماليات عفوية الشعبوى وإن كتبت بلسان الشعبوى ذهبت خيلاء الزهو السياسى وإن كتبت بلسان السياسة طغت فتحاويتى وذهبت بكل فيروزيات عشق الجمال وكأنى وقعت بفخ تعدد شخصيات شيزوفرينيا اللحظة الجمالية .. طوشة لرب السما مولعة بمخى فض ألسنة صمتها الشيزوفرينى صوت ابوى : ليش ما روحت عالإنطلاقة ؟! والله يا حج ما تنغرش بهالدقن أقسم بالله مانى حمساوى ولا جهاد ولا داعش ولا بآمن بكل التنظيمات اللى الله خلقها بس والله يا حج ما توقعت تكون إنطلاقة فتح هيك كل شارع صلاح الدين أصفر .. أنّا لخلد هذا السائق يتخيل أن  جمالية حياده الشعبوى إنتشلت شخصيات شيزوفريناى من الإشتباك العاجى فإتفق هذا الجمع الشيزوفرينى على تحاصص شفتات اللحظة الكرنفالية .. 

هدأت مهيرتى من جموحها ووقفت متأففة من ضو الرمزون الأحمر تترقب ضوه الأخضر وفركت أفوفتها غرباً داخل دير البلح لتلفح ناظريك غبطة صبى بناصيتها يمتشق أهزوجة أقحوانة لا تعرف براءته أن حفيفها الزاهى يقض فرائص الحاخام تتغندر من خلفه أقحوانة شاب ربما لا يعرف أنه شاهراً سارية حطين .. تراءت لنظارتى حركة أشباح غير عادية تظهر وتختفى بموقف الدير رويداً رويداً فإذا هى مجاميع إقحوانية أين تختفى! إنتبهت ليمينى كانت هناك حافلات رابضة خلف مكتب إقليم فتح سابقاً تعج بالصاعدات والصاعدين صغاراً وكبارا تركنا خلفنا عجيج المتزاحمين قليلاً لاحت من طرف مخيمها خيالات زمر وزرافات أقحوانية إقتربنا هناك تحت شجرة الكينيا حافلة بتدعس بنزين إيذاناً بإطلاق ساقيها للريح .. قبل أن يتوارى جعير البنزينة زغزغت روحك أنامل عروس البحر بدلال موج ناعم تكسرت على صفحة هوجه أحلام الغزاة توقفت السيارة ثانيةً تتقنص بارقة لميحة ياإلهى أرتال أقحوانية بيارق أهازيجها تخطف الأنظار باصات شحنيات جيبات اوبيلات تيوتات جيمسات فلوكسات فوردات مرسيديسات تاكسيات شروكيات تكاتك فزبات كارات بسكليتات كل الطرمبيلات مزدانة بصور العمار والمازن يتزنران فوهة العاصفة و .. إخترقت مهيرتنا الأرتال المترتلة وأعادت كرة الإنطلاق جنوباً لتحبس نعانيش أنفاسنا ومضات الأقحوان تغامز لمعات زرقة البحر بدويتو هبوب العنقاء حتى حطت رحالها على باب الإستراحة لتنتشى سريرتك بضحكة خافتة حين رأت العاملين بالإستراحة يقفون بإنبهار يرقبون مواكب الكورال الأقحوانى يا إلهى أين ستذهب كل هذه القوافل المترتلة وشوارع الوحدة اتدبزت قبيل وصول هذا التسونامى الإقحوانى .. نزلنا ودخلنا الإستراحة لظحت خطوتى شاشة كبيرة وسط الصالة زغطط قلبى: الحمد لله فى تلفزيون بتابع المهرجان من هين .. وسلامااات واهلنااات وإبتسامااات عريضااات وضحكات عاليااات الشط فاضى فش غير ثلاث شبان بلباس غوص شبه ملتحين والثالث من ألقيت عليه تحية الإسلام دقنه كثة بجوار قارب مطاطى زى قارب الطريق إلى إيلات حسيته طلع فيبر مش مطاط .. رد التحية بتوجس وكأنه إشتبه بأنى من كفار يثرب يا لهنا الحاخام نجح بجعلنا نتوجس من دمنا يالله إنها الحرب والمكيدة مازحت الثانى كيف المية ؟ بضحكة عالية : تلججج .. ظهر جمل من بعيد ركبنا الصغار وهيصنا وإحتفلنا بالإنطلاقة فوق سنامه وأكلنا الحبشات المحمرات وشربنا الكولات ومزمزنا القهوات وطقشنا اللوزات وهرسنا القضامات وفركنا الفستقات وقزقزنا البزرات .. وتسللت خلسة لعامل الإستراحة : ممكن تغير المحطة على تلفزيون فلسطين أشوف الإنطلاقة؟ نظرنى بمسحة إستحياء : قناة فلسطين مش موجودة .. طيب فلسطين مباشر؟ ولا فلسطين مباشر بس هينا بنتفرج عالمهرجان مباشر بالجوال خد تفرج عليه يااا لعظمة الإنطلاقة وفخامة مهرجان الإنطلاقة وساحات نهرها وبحرها تموج برقص الأقحوان لوحة فنية مرصعة بصور سميح المدهون وبهاء أبو العطا تمنيت أن نترفع عن صغرة الصغار وأرى صور وديع حداد وعمر القاسم وعماد عقل وكل كواكب الشهداء فى عرس إنطلاقة الثورة الفلسطينية .. مهرجان أسطوري فاق كل وصف!! كيف تمكنت كل هذه الحشود المليونية أن تصطف بدون كراسى كالأشجار وقوفاً وقوفاً بطريقة كرنفالية فاقت عظمة الهندسة الهوليوودية وروعة الإيقاعات البوليوودية ففتح وحدها لا تصلح الكراسى لمهرجان إنطلاقتها .. كان عملاً فنياً عفوياً دون سابق تخطيط يفصل نسائه عن رجاله خط فوسفورى رفيع أضفى على المهرجان رونقاً ساحراً رقصت من جمالها القلوب وهتفت الحناجر بكل حب عاشت فتح نعم إنه الحب صانع المعجزات من صنع هذا النجاح الأسطوري تباً للنت فصل .. 

يومّماا .. أبو مازن سخط راتبييى سخط ..

يا وليدييى .. هيذى فتح مهجة القلب وصقر السفح ..

يومماا يومما .. أبو مازن قرطنيى عالشسمه تقاعد مالى قرط ..

يا ولدييى أبو مازن عيمود الدار ستر عرضك وعرضييى ..

يا يومماا يااا يوممااا أبو .. أبو مازن ..

أسمع الهرج يا ولد .. لا تطاطى دانك لبواق يبوس يد خسى اللى ما ينخاه عرضه خسى الدراهم تنخاه ..  

جيناااكى يا الفتح .. جيناكى .. جيناكى ..

جاكى الحردان والزعلان والغضبان والنقمان .. وجتكى الفهدة والمعَولِة واللى وليدهى وجعان ..

تخسا يا البواق يا عبد الدراهم يا عبد الكراسى يا عبد الجاه .. بوس بوس  يا الخسى بوس تخسا عهد الصلاح والهول والعمرى ننساه ..

نهاد أبو جبر ..