ماذا بعد؟ بقلم : صلاح صبحية
تاريخ النشر : 2020-01-19
ماذا بعد ؟
بقلم : صلاح صبحية

تعيش الساحة الفلسطينية أزمة ذاتية نتيجة الانقلاب الحمساوي عام ٢٠٠٧ وعدم انجاز المصالحة رغم العديد من اتفاقات المصالحة المصادق عليها من كل الفصائل الفلسطينية، كما أنّ عدم تنفيذ وثيقة الوفاق الوطني عام ٢٠٠٥ كان ارهاصاً للوصول إلى حالة الانقسام التي تعيشها الساحة الفلسطينية، كما أنّ عدم تنفيذ قرارات المجلس المركزي والمجلس الوطني المتعلقة بالعلاقة مع الاحتلال ، واطلاق الرئيس الامريكي ترمب لما أسماه بصفقة القرن دون الاعلان عن تفاصيلها مع تنفيذها على الأرض ، القدس عاصمة الاحتلال ، محاربة الأونروا ووقف المساهمة الامريكية في تمويلها ، إبعاد قضية اللاجئين عن طاولة التفاوض ، اعتبار الاستيطان قانوني وغير لمخالف لقرارات الشرعية الدولية ، ويضاف إلى ذلك عدم القدرة على تنفيذ الانتخابات التشريعية والرئاسية بسبب ارتهانها لقوة الاحتلال .
كل هذا يضعنا أمام سؤال تقليدي وهام ما العمل ؟ وماذا بعد ؟ ولكن الذي يبدو أننا لم نصل فلسطينياً بعد إلى طرح مثل هذين السؤالين ، لأننا غير قادرين على الإجابة عليهما ، فأية إجابة تقتضي وتتطلب مراجعة حتمية لكل المرحلة السابقة ، وهذه المراجعة مطلوبة من الفصائل الفلسطينية الرئيسة بما فيهم حركتي حماس والجهاد ، وفي المقدمة منهم وبشكل خاص حركة " فتح " كونها تقود المشروع الوطني الفلسطيني، وهي التي تقف على رأس السلطة الوطنية كما تقف على رأس منظمة التحرير الفلسطينية ، فهل نحن قادرون على المراجعة ، وهل نحن قادرون على نقد المرحلة ، وإذا ما فعلنا ذلك وأنجزناه هل نحن مستعدون على تنفيذ نتائج المراجعة والنقد ؟
إنّ خمسة وخمسين عاماً من عمر الثورة الفلسطينية المعاصرة كافية لدفع الكل الفلسطيني ولدفع حركة " فتح " بالذات إلى وقفة جادة ومسؤولة لإعادة ثقة الشارع الفلسطيني بالقيادة الفلسطينية ، كما إعادة الثقة بكل الفصائل الفلسطينية، فالتغني بأمجاد الماضي ليس كافياً لشحذ همم شعبنا العربي الفلسطيني والنهوض بشكل فاعل في مقاومة المشروع الاستعماري الصهيوني الاستيطاني على أرض فلسطين، لأنّ المطلوب فعلاً وعملاً يُمارس على الأرض ، فمسيرات العودة في قطاع غزة والمواجهات المحدودة على خطوط التماس مع الاحتلال في الضفة الغربية لم تعد كافية ، حيث أصبح العدو الصهيوني يدرك جيداً أن هذه المسيرات والمواجهات ليست ذات تأثير فعلي عليه بقدر ما هي خسران واستنزاف لطاقات الشعب الفلسطيني، فهل أصبحت مقاومتنا الشعبية سلبية النتائج علينا إلى الحد الذي يستهزأ بها عدونا الصهيوني .
خمسة وخمسون عاماً كافية لكي نخرج بها من عنق الزجاجة وننطلق نحو شعبنا نخاطبه بلغة فلسطينية مطالبين منه المشاركة في تقييم المرحلة ، وهذا لن يتم إلا إذا أخذت حركة " فتح " زمام المبادرة ، وذلك من مسؤوليتها التاريخية وتحملها مسؤولية القيادة الفلسطينية، هذه المسؤولية تتطلب من حركة " فتح " عقد مؤتمراتها على مستوى المناطق والأقاليم والمؤتمر العام للحركة ، وذلك من أجل الوقفة الجادة المسؤولة في المراجعة والنقد والتقييم ، والانتقال من مبدأ ما يحب أن يسمعه القائد إلى ما يجب أن يسمعه القائد ، أن تعقد حركة " فتح " مؤتمراتها ليس من أجل انتخاب قيادتها وحسب ، لأنّ انتخاب القيادة يتم من أجل تنفيذ البرنامج السياسي للمرحلة القادمة ، وإذا كانت حركة " فتح " غير قادرة على عقد مؤتمرات المراجعة والنقد والتقييم فأنها تتحمل مسؤولية كل الضعف الفلسطيني الذي نعيشه اليوم ، فالمطلوب وضع الأصبع على الجرح ومعالجته وليست الإشارة إلى التجرح والتمني بشفائه .
والسؤال الذي يطرح نفسه على حركة " فتح " اليوم ، إذا لم نستطع اجراء الانتخابات في القدس وهذا احتمال وارد وبات شبه مؤكد اليوم ، فماذا نحن فاعلون ، هل نجري الانتخابات دون القدس مثبتين أن القدس هي عاصمة الاحتلال ، أم هل نتراجع عن تنفيذ الانتخابات بحجة عدم تنفيذها في القدس ، لا نعتقد أن تنفيذ أي احتمال من الاحتمالين سيكون في المصلحة الفلسطينية ، لأن الأمر سيزداد سوءاً على الساحة الفلسطينية وستفقد حركة فتح تحديداً جزءاً من رصيدها الشعبي والسياسي ، فما العمل ؟ وماذا بعد ؟ ثمة إجابة واحدة أمام الكل الفلسطيني، فمثلما هي الانتخابات على أرض فلسطين خاضعة لقرار الاحتلال فإنّ انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني في الشتات خاضعة لقرار غير فلسطيني فماذا نحن فاعلون ؟
أمام كل ذلك لا بدّ للكل الفلسطيني من الذهاب إلى حوار فلسطيني بلغة فلسطينية وعلى طاولة فلسطينية من أجل أهداف فلسطينية، والكل يتحمل مسؤولية الوضع الفلسطيني وفي المقدمة منهم حركة فتح لأنها تقود المشروع الوطني الفلسطيني، وكذلك حركة حماس كونها الذي مارس الانقلاب العسكري عام ٢٠٠٧ ، فهل نحن كفلسطينيين جادين بالخروج من أزمتنا التي نعيشها اليوم ، وماذا بعد ؟
٢٠٢٠/١/١٩ صلاح صبحية