مع الكاتب والإعلامي إبراهيم ملحم وكتاب ( الصحافة من البليت إلى التابليت)
تاريخ النشر : 2020-01-19
مع الكاتب والإعلامي إبراهيم ملحم وكتاب ( الصحافة من البليت إلى التابليت)


  ** مع الكاتب والإعلامي إبراهيم ملحم وكتاب ( الصحافة من البليت إلى التابليت) **
________
بقلم : عبد السلام العابد

أهداني الإعلامي الصديق إبراهيم ملحم كتاب سيرته ( الصحافة ..من البليت إلى التابليت ).
    يقع الكتاب الكبير الملون في ثلاثمئة وثمان وثمانين صفحة ، و هو من إصدار دار طباق للنشر والتوزيع في رام الله عام ٢٠١٨م .
   وفي إهدائه  لي يكتب : (إلى الأخ والصديق العزيز عبد السلام العابد رفيق الولادة والبهجة تحت ظل النخلة على ضفاف النهر ).
   لقد أعادني  هذا الإهداء الجميل حقا إلى تلك الأيام التي شهدتُ فيها  وقائع أحداث هذا الكتاب الأولى في مدينة القمر أريحا، صيف عام ١٩٩٤م ، في إذاعة صوت فلسطين ، حيث تعرفت للمرة الأولى على أخي  إبراهيم ملحم، رغم أنني كنت أقرأ له مقالاتٍ في صحيفة الشعب المقدسية في ثمانينيات القرن الماضي.
   الانطباعات الأولى التي ارتسمت في ذهني عن إبراهيم كانت إيجابية، حيث قابلني بابتسامة مشرقة ووجه بشوش ، وكلمات طيبة . ومع استمرار أيام العمل واللقاءات المستمرة في إذاعة صوت فلسطين ، تعمقت معرفتي به  أكثر وصارت أكثر رسوخا.
   يوميا كان إبراهيم يمتطي صهوة سيارته، ويأتي من  بيت لحم إلى أريحا، حيث مقر إذاعة صوت فلسطين. وكان يعود في ساعة متأخرة من الليل، عبر وادي النار إلى بيته .
   كنت أراه يستثمر كل دقيقة من وقته، فما أن يصل إلى صالة التحرير الضيقة ، ويلقي السلامات والتحيات على زملائه، حتى يبادر إلى أوراق الأخبار ويتابع التقارير ويهذبها بقلمه الرشيق ، حتى تكون جاهزة لقراءتها عبر أثير صوت فلسطين الذي كان يسعدنا سماعه في فضاء الوطن.
   كان إبراهيم يمضي وقته ما بين تحرير النشرات الإخبارية وقراءتها والإعداد لبرامجه وتقديمها ولا سيما برنامج فلسطين ..صباح الخير.
    كان يعجبني هدوؤه، ومثابرته على العمل بصمت ، وإذا ما حدث احتكاك ما مع زميل ما ، فإن الخلاف يحل دون نرفزةوضجيج .
ومن الخصال الحميدة التي لمستها في شخصية إبراهيم مهنيته وانحيازه إلى المواطنين والاستماع لهم ، وحل قضاياهم مع المسؤولين، حتى لو غضب هؤلاء. وكان أبو بهاء حريصا على أداء صلاته ، فما أن يحين الموعد حتى يحمل سجادته، ويصعد إلى سطح البناء المطل على نهر الأردن.
   لقد قرأت كتاب إبراهيم ملحم، من السطر الأول إلى الكلمة الأخيرة، وما كنت إلا شغوفا ومقبلا على قراءته باستمتاع شديد .كيف لا وهو يتحدث عن تجربة إعلامية عميقة ، كنت واحدا من شهودها والمشاركين فيها؟!!.
   ورغم عملنا المشترك في الإذاعة الفلسطينية لمدة ست سنوات متواصلة، إلا أنني  لم أعرف أن تخصصه العلمي في الرياضة ، فقد كنت أتوقع أن يكون دارسا للأدب
 العربي؛ بسبب إتقانه للغة قراءة وكتابة ومحاورة .ومرد ذلك عائد لثقافته العميقة  التي اكتسبها من القراءة والمتابعة الإعلامية المستمرة.
  الكتاب مهم للمواطنين العاديين، والمثقفين، وطلبة الإعلام، والمشتغلين في الإعلام المقروء والمسموع والمرئي. نتعرف على إنسان عادي عاش ظروفا قاسية، ولكنّ إصراره على تحقيق هدفه ، جعله يحلق في فضاء العمل الإعلامي النظيف والنزيه، ويحظى بالاحترام والتقدير.
    في سيرته الذاتية نتعرف على أخلاقيات المهنة ، وما يجب أن يتحلى به الصحفي من شمائل وصفات.ولا سيما الثبات على المبدأ وعدم الرضوخ للتهديد والوعيد ، بل المواجهة بهدوء وعدم نرفزة وتشنج .
   في الفصل الأول قص لنا بأسلوب مؤثر حكاية البداية على مدارج الإقلاع، ولم ينس معلميه الأفاضل الذين شجعوه على المتابعة والاستمرار ، وفي الفصل الثاني استعرض نشأة الصحافة الفلسطينية وتطورها ، وفي الفصول الأخرى أفاض في شرح بعض القضايا العلمية وأصول العمل الصحفي، ولغة الإعلام ، وفن العنونة ، وتجربة الإذاعة والتلفزيون والحب من أول نشرة ، ومفاجآت الهواء ، ولقاءاته مع  المسؤولين، وأحداث مخيم جنين  ، وطرائف وحكايات صالات التحرير ، وبعض المقالات الصحفية التي كتبها أثناء  اشتغاله في مهنة الصحافة،  و تجاربه في العمل الصحفي بكافة أشكاله عبر الصحف والمجلات والإذاعة والتلفزيون .
   ويضم الكتاب معلومات قيمة ويقص حكايات طريفة ، ومواقف ضاحكة ، ويسرد سيرا كثيرة لعدد كبير من الشخصيات الوطنية والمؤثرة .
    وما يُلاحظ أنّ كاتبنا إبراهيم ملحم كان ينصف الذين يتحدث عنهم،  ممن وجهوا  له الانتقاد والاحتجاج والرفض.
كما أن انتقاده بناء وفي محله، فرغم ما تعرض له من ظلم وقهر وظيفي ، إلا أنه ظلّ مخلصا لانتمائه الوطني الأصيل، ومدافعا عن مشروعنا الوطني . لقد دخل مؤسساتنا فارسا مهنيا، وظل فارسا شهما مسؤولا ، ولم يعمد إلى تدبيج قصائد القدح والهجاء .  
  هذا الكتاب الجميل شكلا ومضمونا يستحق القراءة ، وأحيي  أخي إبراهيم ملحم على جهوده القيمة التي بذلها في كتابته ونشره ، فهو لا يقص سيرة ذاتية عصامية فحسب، بل إنه يجسد تاريخ الصحافة في فلسطين ..ماضيا وحاضرا ...ويقص حكايات العاملين بصمت في هذا الحقل ، ويؤكد على نقاط القوة والضعف ، ويرسم معالم واضحة  للعمل الإعلامي الجماهيري  الناجح والفاعل والمؤثر في الحياة والمجتمع .