الفارق بين من يسوق البحر وأخر يجدف في البانيو بقلم:مروان صباح
تاريخ النشر : 2020-01-19
الفارق بين من يسوق البحر وأخر يجدف في البانيو بقلم:مروان صباح


الفارق بين من يسوق البحر وأخر يجدف في البانيو ..

مروان صباح / هكذا قيل عن رواية ( moby Dick ) موبي ديك للكاتب والروائي هيرمان ملفيل ، بأن الفكرة التى جاء بها لا يمكن أن يأتي بها شخص عادي بل لا بد أن تخرج من عبقرية خارقة ، وبالتالي مثلت النموذج الذي عكس العظمة للرواية الأمريكية ، بل هناك من ذهب إلى أبعد من ذلك وقال ، منذ أن تعلم الإنسان الكتابة لم يُكتب مثل هذه الرواية ، وهنا يستوقفنا الألماني الملقب ( بالكمبي ) توماس دي كيمبيس ويعيدنا إلى ما قاله ذات مرة ، بحثت عن الطمأنينة في كل مكان فلم أجدها إلا بجلوس في ركن منزوِ وفي يدي كتاب ، وبالتالي كان ملفيل قد أراد من وراء فكرة الرواية تنبيه الأمريكي اولاً والبشرية ثانياً بأن الولايات المتحدة الأمريكية تسير نحو تحقيق العيش المطلق الذي سيؤمن لها اكتشاف نفسها كقوة كونية وإمبراطورية غير معلن عنها وبالتالي مصير هذه القوة الكامنة ، الهيمنة على العالم ، وبالرغم من أهمية الكتاب ، لكن ملفيل وقف عند حدوده عندما طرح حقائق عارية تماماً أمام القارئ لكي يتمكن القارئ ملئها بأفكاره وبالتالي هي دعوة لكل مفكر للانضمام إلى القوة الكونية .

ليس هنا مقام مجادلة اقتباسات الراوي والتى تزيد هذه المجادلات ، كان هيرمان أصدر روايته موبي ديك عام 1851م واعتبرت من أهم ما كتبته البشرية ولأنها بُنيت على الصراع الدائر بين القوة والفكرة ، الحوت والإنسان وبالتالي الراوي أراد نقل القارئ في أنحاء العالم إلى الجغرافيا الأمريكية التى تحمل فوقها رجال يصارعون الحضارة بالوجودية التى ستحقق لهم العيش المطلق ، لهذا لم يجدوا أمامهم سوى تحويل امريكا إلى كيان رمزي للبشرية وبالتالي لا بد من مصارعة الطبيعة والذات والآخر .

وبالتالي قد يكون الرئيس ترمب لم يقرأ رواية ملفيل ، لكنه بالفطرة الأمريكية قرأها ويتعامل مع ذاته ككيان رمزي للبشرية دون أن يمعن بالفكرة لكنه يستشعرها ، وها هو كما فعل أهاب القبطان بالرواية ، يفعل ترمب ايضاً ويردد ويقول بصوت عالي ، ( ها أنا أسوق البحر ) من خلال إنجازاته الاقتصادية والتى عالجت بشكل كبير البطالة ورفعت من القوة الشرائية للمواطنين وزادت حركة الاقتصاد والإنتاج وبالتالي جميعها تفقد جوهر قضية العزل ، لأنها قضية لا ترتقي لمسامع الأغلبية الامريكية ، بل يضعها الأمريكيون بخانة الكيدية السياسية لا أكثر ، لهذا أرجح ، جلسة الاستماع ستكون لصالحه في الانتخابات القادمة ، لأن تجربة الرئيس ترمب في الحياة العملية مقتصرة على الإقناع الطرف الآخر بحججه ، فالديمقراطيون كما خسروا أمامه في الانتخابات السابقة سيخسرون ايضاً في تحركهم لعزله وايضاً في الانتخابات القادمة ، لأنه يمثل الرجل الامريكي الحقيقي الذي يبحث عن الحياة المطلقة وبهذا يتطابق فعلاً مع الأغلبية العظمى .

فالرئيس ترمب ليس سوى أحد رموز صناعة المستحيل ، لهذا تجده متحالف مع ثلاثة قوى في الولايات المتحدة الامريكية ، المراهنون والدائنون والمتدينين وبالطبع ، قواعدههم الشعبية العريضة ، وللتذكير المفيد ، اليوم وصل دين القارة الامريكية الشمالية إلى 23 تريلون دولار وكل تريلون يعادل 1000 مليار دولار ، لكن اللافت بالمسألة ، أغلب الدين مملوك لجهات حكومية أمريكية والذي يفسر كيف تدار شؤون البلاد بين المراهنين والدائنين ، بل هناك من لا يجد جواب حول الادخار النقدي الامريكي كما هو الحال مع دين العام ، لكن في حقيقة الأمر ، امريكا ادخراتها النقدية موجودة في مسألتين ، الأولى ، المعاملات التجارية في أنحاء المعمورة التى تتم بالدولار تتفوق على صادرات الولايات المتحدة بثلاثة أضعاف وأما الأمر الآخر ، الحكومات العالمية حريصة على تكديس الدولارات وبالتالي الدولار يمثل 63 % من احتياطات السيادية للعالم ، في المقابل عملة الصين تمثل أقل من 2 % .

الدين الخارجي للولايات الامريكية أقل من 30% وثلث هذا الدين يمتلكه اليابان والصين ، وبالتالي شخصية اقتصادية مثل ترمب تبحث بجدارة إلى خفض أسعار الفائدة من أجل تجنيب إدراته بالدخول في أزمة مالية وبالتالي كلما انخفضت الفائدة انخفض معها سندات الدين العام وعلى الأخص الخارجي ، فبدل أن يتكبد المواطن خسارات ، سيتكبدها المدين ، وبالتالي ترفع من حظوظ ترمب الانتخابية .

خلاصة الخلاصات ، هذا الامريكي الذي ركب البحر من أجل أن يسوقه ، تارةً ، إلتف حبل صيد الحوت على رقبته ، واطوراً أكل الحوت رجله أو يده ، لكنه لم يتوقف عن الابحار رغم سلسلة إخفاقاته ، لأن الدين العام غير قابل للسداد والدولار غير قابل للفشل ، وهذا الفرق بين عقلية الرئيس ترمب التى ترى بنفسها تمثل هذه الرمزية الكونية ، المتعطشة للحياة المطلقة وأخرى تهاب صنع مجادف للإبحار في بانيو بيتي . والسلام
كاتب عربي