ابتكارات اللون في الفراغ وهندسة الشكل في تجريد الحواف الصلبة
تاريخ النشر : 2020-01-19
ابتكارات اللون في الفراغ وهندسة الشكل في تجريد الحواف الصلبة


بشرى بن فاطمة 

Gerardo Sisco     

ابتكارات اللون في الفراغ وهندسة الشكل في تجريد الحواف الصلبة 

 يتفاعل التجريد كأسلوب تشكيلي مع الخط واللون والضوء والعناصر التكميلية الأساسية التي تتحمّلها الفكرة والمفاهيم من خلال تمازجاتها التعبيرية في الفراغ ما يتيح لها المرونة التشكيلية وفق البنائية التي تقترحها الهندسة والسطح، فمن خلال هذا العمق التكويني تتأسس الحواف الصلبة Hard Edg التي تُدخل الأسلوب التجريدي في محاورة حادة وجدلية فلسفية تنفلت نحو منافذ الصراع الواقعي الحتمي لتتحرّر منه وهي التجربة البصرية التي اختارها وقدّمها وأتقنها الفنان التشكيلي الأمريكي "جيراردو سيسكو" (1946-2008).

إذ مثّل سيسكو الفكرة وتفاصيلها المفهومية من خلال التصورات التعبيرية في التجريد حيث بالغ في رؤاه الهندسية التي ميّزت أعماله منذ السبعينات ليتّخذ منهج الهندسة التجريدية ويُدخل تجريبه في مرحلة الحواف الصلبة والهندسة بتصوراتها اللونية حيث يقول عنه الناقد الأمريكي "توماس أولبرايت" "إن الجمال الحقيقي في أعمال سيسكو يكمن بدرجة أولى في أسلوبه ومدى تمكّنه من أن يلتقط الأسطح اللامعة التي تعكس الضوء لتضيف للون الدقة وتتجاوز به الفارق في التدريج ما يمنح الاعمال الأحادية اللون الثراء الجمالي والتقشّف التنفيذي والبراعة في المنجز."

يوظّف سيسكو التوترات التجريدية مع التعميق التسطيحي للمساحات فلا يُشعر المتلقي أبدا أن الفراغات اللامشغولة هي مجرد نقاط في التخطيط الداخلي للون.

 فهو ينسّقها بما يليق وطبيعة اختياراته الملونة إذ ينتشر في واقعها المخيّل كي يثيرها بحيويّة المشاعر والحسيات المنطلقة في تحركاتها التي تنشغل بفكرة الطبيعة ومداها المتواصل معها.

 فكل لون في منجزه يحاول أن يستدرجه نحو أقصى حواف المساحات بحدّة عميقة لا تثير التوتّرات الداخلية بقدر ما تستثير العمق المتفاعل معها، فهي مجرد حكايات بصرية داخلية تنتعش بالفكرة وتنطلق بالمفهوم وتستمر في اللون والحركة والفراغات المصطنعة في ذاتها لتغري العين بالسطح وهي تستدرج الذهن نحو العمق، خاصة وأنه من خلال الأبعاد يعتمد ذات الأسلوب في تعميق الداخل.

ولا يعتمد سيسرو على هذه الحركة في الألوان فقط بل في الأبعاد من حيث دلالاتها الضوئية والحسيّة التي تخرج من العتمة والفضاءات الداكنة نحو النور لتنعكس تلك الحركة حسب المزاج الجمالي ودلالاته بدقّة عالية تثير بدورها الخامة نفسها فتبدو مع القماش واللون مثارا للانفعالات المكثّفة وهي تتهاطل بالفكرة وتنبش عواطفها.


إن التصوّر التجريدي للهندسة الداخلية في حركة اللون والفراغ والمساحة وأبعادها وأطرها التي تتوافق في الحركة الزمانية والمكانية مع الذاكرة الإنسانية سواء الفردية أو الجماعية لفكرة الوجود ككل، تستفزّ الصخب الداخلي وتشوّش على هدوئه الناعم الذي يظهر في السطح حيث تتداخل مع حركة الفنان لتعيد ترتيب التناقضات وإثارة الفكرة برمزياتها ومدى تفاعلها مع المفاهيم.

فالقراءات الأوليّة التي تتراءى في التماس الأول مع منجز سيسرو الفني تبدو هادئة قبل أن تتدحرج لعمقها المثير للتأويلات الحسية والذهنية حيث تبدأ في تحرير علاماته من جمود القواعد الثابتة جماليا التي قد تُرى عليها وهو ما جعل لأعماله حيوية دائمة وقلقا حائرا في بحثه الدائم عن الهدوء الجمالي.

إن مدى التكامل الهندسي والتجريدي واندماج أحدهما مع الآخر حمل فلسفة بصرية وحكمة انتظمت في أبعادها على التحفيز الجمالي في جوانب متفاعلة بصريا مع تنسيق اللون الموحّد مع الحركة والضوء ما أكسب حضوره ثقة الانتشار في المساحة والاستمرار وفقها.

الأعمال المرفقة: 
متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية 
Farhat Art Museum Collections