من المسؤول عن الخواء الروحي والفراغ الفكري لدى الشباب؟ بقلم: د.عبدالوهاب القرش
تاريخ النشر : 2020-01-18
من المسؤول عن الخواء الروحي والفراغ الفكري لدى الشباب؟ بقلم: د.عبدالوهاب القرش


من المسئول عن الخواء الروحي والفراغ الفكري لدى الشباب؟

يرى بعض الكتاب ورجال الدعوة والفكر أن الخواء الروحي والفراغ الفكري الذي يعاني منه الشباب اليوم وصل الى درجة خطيرة..حيث زهدوا في كل ما هو ديني..وامتلأت عقولهم بكل ما هو غث، فاستحوذ على عقولهم التعصب الرياضي ، والانترنت وحرق الوقت أمام شاشته بالساعات وارتياد مواقع مضارها أكثر من فائدتها إلى الفضائيات وما تبثه من إسفاف في الفن!

ولو حاولنا قراءة الأسباب التي أدت إلى هذا الانجراف الذي تبعه خواء روحي وفراغ فكري رهيب لوجدنا أن المسألة متشعبة وأصابع الاتهام تشير إلى جهات عديدة مسئولة جميعها عما آل إليه وضع شبابنا من أنيميا ثقافية حادة، وهم عماد الأمة وترمومتر تقدمها .. أو تخلفها !

إن المسئول عن ذلك بالدرجة الأولى أنظمة الحكم السياسية المستبدة التي تحكم المجتمعات الإسلامية بإسم الإسلام، ولكنها لا تمثل - في حكمها السياسي - طبيعة الروح الإسلامية الصافية والنقية لا في المضمون ولا حتى في الشكل..بل عملت على فصل الشباب عن الدين بوسائل كثر لا تحصر، من الوقوف من الإسلام موقفاً سلبياً ، وموقف المخاصم المعاند..إلى محاربة الدعاة إلى الله ورواد الإصلاح الإسلامي بشتى الحيل..إلى اعتقالهم ، وتكميم أفواههم والتنكيل بهم ، وتعذيبهم الجسدي والنفسي ، ووأد حركاتهم وفرض الحد على نشاطاتهم في سبيل دفع المد الإسلامي إلى الأمام ، بتهمة التطرف حيناً والقيام بالثورة وكهربة الأوضاع ضد الحكومة الإسلامية والعبث بأمن واستقرار البلاد والشعب حيناً آخر..إلى منح سماسرة الفن الرخيص حريات كاملة ليتفننوا في استغلال وضعية الشباب بإثارة الغريزة الجنسية ودغدغة العواطف البهيمية القذرة..عبر وسائل الإعلام المسمومة المرئية والمسموعة والمقروءة والصحف والمجلات الساقطة ذات المقالات والقصص والروايات الغرامية الجنسية والإعلانات التجارية بعرض الصور العارية الكاسية التي تثير الشهوة الجنسية وتحفز الفتيان والفتيات إلى تبادل الحب والغرام إلى آخر ما في هذا الطريق من اللقاء الحرام..إلى ترك دور السينما والتمثيل تعرض الأفلام الفاحشة ، وتعلق على أبوابها وعلى الجدران وعلى الشوارع والسك صوراً عارية ، وتعلم الشباب دروس الجريمة ، وتبعث السيدات على خلع العذار وهتك الخمار ونبذ الستار وإبداء مفاتنها ومحاسنها في المجتمعات العامة والشوارع والأسواق ، إلى قلة العناية بالمدارس والمعاهد والجامعات ، وإلقاء الحبل على غاربها لتختار من المناهج والمقررات الدراسية ما ينقض أوله آخره ، ومت يعاكس تعاليم الإسلام ، ولا يعين – بل ويعوق – على تخريج شباب كفء من المنظور الإسلامي ، وكذلك تختار من الأساتذة والمربين " مغسولي الأدمغة " الذين يحملون أمشاجاً من الفكار والفلسفات المسمومة التي تتعدى إلى طلاب والشباب ، فتبذر الشكوك في قلبوبهم حيناً ، وتجتث ثقتهم بالإسلام وخلود رسالته حيناً آخر كما يناقض ما تعلموه – من حسن الحظ – في الأسرة الدينية والكتب الدينية..إلى السماح للموضات والتقليعات الغربية تجوس خلال الديار وتحول صقور الإسلام إلى نسور ، وتذيب في الشباب الرجولة والمروءة..إلى جانب القادة الدينيين والدعاة إلى الله الذين يجدهم الشباب يقولون ما لا يفعلون ، ويلمس في شخصيتهم ازدواجية ، فهم في خطاباتهم ومحضاراتهم وكتاباتهم غير في واقع حياتهم وسلوكهم..غنهم متألمون للإسلام والمسلمين فيما بين الناس ، يلقون دروساً في الأخلاق وسمو السلوك ونزاهة السيرة ، وكبر النفس والزهد في الدنيا ، والرغبة في الآخرة والبطولة والكفاح ، والقناعة بالكفاف والصبر على المكروه ، ولكنهم على مستوى الواقع العملي أبعد ما يكونون عن هذه المعاني السامية ، وهنالك يطرح الشباب عنهم الثقة ، وتتقذى منهم عيونه فضلاً عن أن يتخذهم القدوة الحسنة ، فبمن يقتدي ووراء من يجري؟!!

وتقع المسئولية على الأساليب التربوية - في داخل بيوتنا ومجتمعنا الديني- التي ساهمت في تهيئة التربة الملائمة لنمو بذور الفراغ النفسي والعقائدي لدى الشباب.لأننا نجد أن أغلب هذه الأساليب التربوية المتبعة خاطئة، وغير واقعية، وعديمة الجدوى والنفع، خصوصاً في المسائل المتعلقة بالدين، وتثقيف الأبناء به، الذي ما يأتي غالباً بطريقة فجة وغير واقعية، بل ومخيفة لهم أيضاً، يعتمد فيها على طرق الزجر والردع والخوف والتخويف، وتجذير عقلية الحلال والحرام من دون مقدمات تربوية صحيحة يمكن إبداعها لدى الناشئة من أجيالنا.. وهذا ما يخلق في نفوس هؤلاء الشباب ردة فعل سلبية تجاه المعطى الديني، ويشكل لديهم ربما نوعاً من العقدة النفسية المرضية تجاه عالم الدين بأسره، أثرت سلباً على مستويات وعيهم، وانتمائهم الفكري الديني.

إن المسئول بجانب هذا وذاك بعض الحركات الثورية التي تتصيد الطلاب و الشباب في الجامعات والمعاهد ومراكز التجمعات وتصهرهم في بوتقة أفكارها وعقائدها الخاصة وتكسب ودهم وحماسهم وتنمي فيهم التهور والارتجالية والعاطفية وتسخر ذلك في سبيل تحقيق أغراضها التي تزعم أنها في صالح الإسلام ، وإذا ما نجحت في تحقيق ما تريد أعطت أسوأ المثل الذي أساء إليها وإلى الإسلام الذي تلوذ به.

كذلك بعض الجماعات الإسلامية التي لم تفرق بين الوسيلة والغاية ، وضغطت على بعض الجوانب على حساب البعض ، واستعمرت – إذا صح التعبير – عقول الشباب وأذهانه ، وفصلته عن كثير مما توارثته الأمة الإسلامية عبر أجيالها الماضية ، وجعلت الشباب يسيء الظن بالماضي وينظر نظرة استخفاف إلى كافة الجهود المبذولة فيه على أيدي المخلصين في جل مجالات الخدمة الإسلامية ، ويرى السلف القزمية والضآلة ، ولا يرى أحداً حتى الرعيل الأول من الأمة فوق الانتقاد ، ويفكر في الإطار الجماعي المحدود التي وضعته هي ويرى بمنظار حزبي محدود ، ويعتقد في من هو خارج عن الدائرة العملية التي رسمهتها هي ، أغبياء خونة أو قليلي الوفاء بالإسلام ، أو غير فاهمين لروح الدين ، أو جاهلين بعرض الإسلام عرضاً عصرياً.

إن مصيبة الشباب في أمثال هذه الحركات الثورية والجماعات الإسلامية لا تقل عن مصيبته في مصادر الفساد والانحراف التي ذكرناها أولاً.

د.عبدالوهاب القرش