لا تبسطوا حسابات السياسة بقلم:عمر حلمي الغول
تاريخ النشر : 2020-01-18
لا تبسطوا حسابات السياسة بقلم:عمر حلمي الغول


تقول المقولة العلمية "السياسة فن الممكن"، وليس التخندق في دوامة المستحيل. والأهداف الإستراتيجية تجري مرحلتها، ودحرجتها وفق سياقات متعددة، منها: موازين القوى؛ المعادلات السياسية في الإقليم والعالم؛ موقع الشعب أو القوة أو الدولة المعلنة الأهداف، هل تقع في الموقع الأعلى، أم الموقع الأدنى، بتعبير آخر هل هي مستقلة، ام خاضعة للاحتلال؟ هل تملك الإرادة والتقرير في شؤونها، ام منزوعة القرار؟ هل هي الطرف القوى، ام الطرف الضعبف؟ هل لديها أصدقاء وأنصار عند الدولة العدو، ام لا؟ وما هي طبيعة العدو، أو الخصم؟

غير ان الضعف والقوة وموازينها ليست كل شيء في السياسة على اهميتها وضرورتها، فهناك حسابات أخرى للسياسة تحتاج من صناع القرار هنا أو هناك إلى امتلاك ميزان من ذهب لقياس دقة المواقف والتطورات الجزئية والصغيرة، واحتساب المعادلات السياسية بشكل متحرك. لانه لا يوجد ثابت في السياسة إلآ المصالح، وما دونها دولاب دوار. وعدو اليوم قد يصبح صديق الغد، أو قوة هامشية قد تحتل مركز الصدارة في لحظة تاريخية لاحقة، والسجين قد يصبح سجانا، والغني فقيرا، والعكس صحيح.

ولحساب السياسة معايير مختلفة: السياسة الداخلية بمستوياتها المختلفة، التي تطال كل مناحي تطور المجتمع، وهو ما يمثل ثقل ومكانة القوة الممسكة بزمام الأمور في الحكم، أو في المعادلة السياسية الذاتية؛ العلاقات السياسية والدبلوماسية مع الدول الأخرى، التحالفات بمستوياتها المختلفة. وكل دولة معنية بقراءة مكانتها، وثقلها ارتباطا بعدد من المعايير: اولا كيفية تعاطي الدول الأخرى معها، هل تعطي أهمية لمكانة الدولة، ولمواقفها، ولزعمائها؟ حدود الثقة المتبادلة بين الزعماء؛ ثانيا القضايا البروتوكولية في الزيارات الرسمية لقادة الدولة، وآليات الاستقبال والتوديع، الحفاوة من عدمها، مكان الإقامة للوفود الرسمية وخاصة للزعماء؛ ثالثا كيفية استقبال الخصوم من ذات الدولة ومستوى الاهتمام بهم، والمستوى السياسي أو الأمني، الذي يتعامل معهم، وخلفيات العلاقة مع الخصوم، هل هي عقائدية، ام سياسية، أم أمنية، أم اقتصادية؟ رابعا مدى تأييد الدول لمواقف الدولة السياسية في المنابر الإقليمية والدولية، ومدى التنسيق معها في تلك المحافل، ومدى الاهتمام المشترك في القضايا الثانوية والعامة، وهل مواقف الدول داعمة، ام هناك تراجع وتراخ في الإسناد لمصالحها؛ خامسا ايضا على الدولة ووزارة خارجيتها ومستوياتها القيادية المختلفة، ان تراجع ذاتها بين فترة وأخرى، وتدقق في مسار سياساتها تجاه الآخرين ومصالحهم، هل ممثلوها على تماس مع نبض الدول الأخرى؟ هل ترى جيدا مصالحهم وحساباتهم، ام انها تراجعت وانكفأت عن الاهتمام؟ هل تراقب سفراءها وممثليها في الدول والمنظمات القارية والأممية، وتحاسب على عمليات التقصير هنا وهناك، ام الأمور متروكة على عواهنها، وعلى بركة الله؟ سادسا في الحالة الفلسطينية هناك خصوصية إضافية، علاقة الدولة ومنظمة التحرير مع الدول الأخرى، موقفها من الصراع مع العدو الإسرائيلي، ومدى التزامها بالمواثيق والأعراف الدولية، ومدى التزامها بمرجعيات عملية السلام وقرارات الشرعية الدولية، وعلى الصعيد العربي، مدى التزام الدول بمحددات مبادرة السلام العربية والقرارات الصادرة عن القمم العربية تجاه القضية الفلسطينية، موقفها من الانقلاب على الشرعية الوطنية، وكيفية تعاملها مع قيادة الانقلاب خصوصا وجماعة الإخوان المسلمين عموما، ومن يقف خلفهم، وهل هناك تراجع ما، ام المواقف الداعمة والمساندة على ذات السوية وفي كل المجالات؟

يخطئ- مطلقا- مسؤول إذا قرأ مواقف الدول، والتراجعات الجزئية هنا أو هناك بطريقة سطحية، وحاول ان يبسط الأمور. لا مجال في العلاقات السياسية والدبلوماسية للتهاون في أصغر المواقف. لان المواقف الصغيرة والجزئية، هي قرون استشعار، ومؤشرات لتوجهات الدول. ولا يجوز لكائن من كان ان يغمض عينيه عن اي موقف، وفي العلاقات بين الدول لا مجال للصدف، أو التهوين أو التخفيف من سلوك سلبي هنا، أو إيجابي هناك. وهناك فرق بين إدارة الخلافات بالحكمة لتجسير المواقف، وبين الاستهتار، وإغماض العيون عن اي خلل او سلوك سلبي، أو إيجابي. لان لكل منها دلالته وأهميته، ولكل منها رد فعل يتناسب معه. بالطبع ليست مطلوبة خسارة اي دولة شقيقة أو صديقة او محايدة، بل يفترض تطوير العلاقة مع كل الدول، ويفترض ان ندقق أكثر في أدائنا في المركز ومن خلال ممثلينا في الدول والمنظمات العربية والقارية والأممية، وأيضا كيفية تعاملنا مع ممثلي الدول الشقيقة والصديقة في بلدنا، هل نوليهم الاهتمام المطلوب؟ هل نهتم بمناسباتهم وهمومهم؟ هل نراعي مصالحهم في المنابر المختلفة؟ حتى ننجح يفترض ان نتابع- كل من موقعه- أدق التفاصيل لنراكم على المواقف الإيجابية، ونتجاوز الهنات والأخطاء والنواقص في مسيرتنا، وعلاقاتنا بالدول بمستوياتها المتعددة لنصل إلى افضل مستوى من العلاقات، التي تعزز من مكانة قضيتنا ومشروعنا الوطني وصولا لإنجاز الاستقلال التام للدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.

[email protected]
[email protected]