الصين وإيران والاقتصاد.. بين الحرب والسلام بقلم: عماد عفانة
تاريخ النشر : 2020-01-14
الصين وإيران والاقتصاد.. بين الحرب والسلام بقلم: عماد عفانة


الصين وإيران والاقتصاد ... بين الحرب والسلام

كتب: عماد عفانة

يحلو لبعض القول ان ضربت إدارة ترامب عصفورين بحجر واحد باغتيال قاسم سليماني، تخلصت من خبير في عرقلة مشاريعها في المنطقة، وأصابت الصين الراغبة في استقرار منطقة الشرق الأوسط حفاظا على نمو مشاريعها وحماية شحناتها النفطية عبر الخليج الفارسي، عدا عن الاستفادة من اسعار النفط المنخفضة.

ترامب ليس شخص ولكنه رأس منظومة تفكر بدهاء الثعلب وتنفذ بسرعة النمر الجائع، ضمن خطة شاملة ومحكمة لتضييق الخناق على الصين، وخلخلة استقرار الدول التي تزوِّدها بالطاقة، وافتعال قلاقل في الدول المنتشية بالاستثمارات الصينية.

الاقتصاد الصيني ينمو ويزدهر بالسلام والاستقرار، بينما الاقتصاد الأميركي يقتات على الصراعات، والإدارة الأمريكية التي يقودها ترامب التاجر لا يفوِّت فرصة للدغ الصين من جبهة القلاقل، الأمر الذي يعرقل تجارة الصين المزدهرة والاستثمار النامية.

 

لذا يمكن اعتبار الصين أحد المستهدفين بشكل غير مباشر من اغتيال الولايات المتحدة للجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، في العاصمة العراقية بغداد، في محاولة أخرى لعرقلة تقدمها في مزاحمة أميركا على الغنائم الخليجية.

وقفت الصين إلى جانب إيران في مواجهة الحرب التجارية التي يشنها ترامب ضدها، وذلك نتيجة للدبلوماسية التي يقودها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف وزياراته المتكرِّرة لبكين عام 2019، وكذا المناورات البحرية المشتركة بين الصين وروسيا وإيران في مياه الخليج.

الدعوة الصينية إلى ضبط النفس، تتماشى مع موقف الصين المعارض لاستخدام القوة في السياسة الدولية، وتفضيلها تقديم المساعدات التنموية كأنجع الحلول للمشاكل السياسية والأمنية في منطقة الشرق الأوسط التي يتغلغل فيها التنين الصيني بذراعه الاقتصادية الناعمة.

 

الصين تعدّ أكبر مستورد للنفط والغاز في العالم، كما تصنَّف، الموردين الرئيسيين للصين هي دول الخليج حيث يعد النفط العنصر الأساسي في مبادرة الحزام والطريق.

وتعتبر السعودية المورِّد الرئيسي للنفط في المنطقة، تليها العراق وسلطنة عمان وتأتي إيران كرابع أكبر مزوِّد للنفط الخام للصين في المنطقة

الاقتصاد الصيني سيتضرر حتما من أيّ شيء قد يؤثِّر على قدرة دول الخليج على توريد الطاقة إلى السوق الصيني الأمر الذي سينعكس بدوره على صورة ووضعية الحزب الشيوعي الذي يقود البلاد.

حجم استثمارات الصين في دول منطقة الشرق الأوسط بلغت أكثر من 123 مليار دولار، وتستفيد من العديد من عقود البناء في الخليج منذ سنة 2013، وجود عدد كبير من المغتربين الصينيين في الخليج خاصة في الإمارات، يزيد من التكاليف التي قد تتحمَّلها الصين حال نشوب حرب بين طهران وواشنطن على ارض الخليج.

كما بلغت استثمارات الصين في دول مجلس التعاون الخليجي 56.3 مليار دولار منذ إطلاق خطة الحزام والطريق سنة 2013، وخلال الفترة نفسها.

الاستثمارات الصينية في إيران بلغت 13.7 مليار دولار، كما باعت الصين أسلحة بقيمة 27 مليون دولار لإيران بين عامي 2013 و2018، في حين اشترت السعودية أسلحة صينية بقيمة 125 مليون دولار، وهي مبالغ متواضعة قياسا بمشتريات السلاح السعودي من أمريكا وأوروبا، مما يؤكد حرص الصين الكبير على الاستقرار في المنطقة ضماناً لمصالحها المتعدِّدة.

الانحياز الصيني لإيران ضرورة تقتضيها المصالح الاقتصادية والاستراتيجية للصين في المنطقة، كأحد وسائل التصدِّي لقرارات ترامب التي حولت منطقة الشرق الأوسط الى منطقة ملتهبة.

 الشراكة الاستراتيجية الشاملة مع الصين هو خيار إيران لإلزام التنين الصيني بإيران، وردع المغامرة العسكرية الترامبية في المنطقة.

الصين الساعية للتحول إلى قوّة دافعة جديدة للاقتصاد العالمي، يهمها إزالة القلق من المساعي السرية الإيرانية المحتملة للمصالح الأميركية سواء في سورية أو العراق أو حتى ضدّ إسرائيل، ببساطة لأن أي زعزعة لاستقرار المنطقة سيؤثِّر سلباً على المخططات التوسُّعية لمبادرة الحزام والطريق.

ردع الولايات المتحدة أكبر من قدرة الصين، لكن الصين قد تساهم في التخفيف من طموحات إيران، من خلال الولوج الى لعبة التوازن حفاظا على استثماراتها ومشاريعها في المنطقة كشريك استراتيجًي مع كل الأطراف.

لحماية مصالحها الاقتصادية بالدرجة الأولى وليس خدمة لمصالح دول المنطقة، ربما  تواصل الصين القيام بدور بنَّاء في الحفاظ على السلام والأمن في الشرق الأوسط، لذا بات مطلوبا ربما من الدبلوماسية الصينية في الشرق الأوسط لعب أدوارا أكثر تأثيرا سواء فيما يخص الحرب في سورية، أو الصراع في اليمن، أو الحرب الباردة السعودية الإيرانية، أو حتى النزاع الفلسطيني الصهيوني، إن لم يكن بدواعي سياسية إنسانية، فبدواعي اقتصادية وتمدد مشاريعها الاستثمارية في إعادة إعمار دول المنطقة التي مزَّقتها الحروب.