وداعاً المفكر الألماني الكبير ويلفرد هوفمان بقلم:احمد الحاج
تاريخ النشر : 2020-01-14
وداعا المفكر الألماني الكبير ويلفرد هوفمان ..

المسيرة الطويلة من الجاز والباليه الى الدبلوماسية فـ ..الإسلام !


احمد الحاج

معرفتي بسيرة ونتاج المفكر الكبير ويلفرد هوفمان ، الذي إعتنق الاسلام مطلع ثمانينات القرن الماضي وغير اسمه الى مراد ، بدأت مع تلك الحملات الاعلامية الهوجاء التي شنها الغرب ضد الاسلام والمسلمين بكثافة وجرأة غير مسبوقة مستلهما كل طروحاته من ” الاستشراق ” ومن ” الشعوبية ” ومن ذيول الكتاب اللادينيين العرب ، والتي بلغت ذروتها عام 2007 عندما كرمت ملكة بريطانيا الكاتب القادياني سلمان رشدي ، مؤلف رواية (آيات شيطانية) بوسام الفارس مكافأة له على ما ألفه وكتبه من مقالات وروايات تطعن جميعها بالاسلام نبيا وقرآنا واتباعا، ليأتي هذا التكريم حلقة أخرى في مسلسل الاساءات ضد الاسلام ورموزه، اذ سبق هذا التكريم اصدار الرسوم الكاريكاتورية الدنماركية المسيئة واعادة نشرها مرات ومرات، وسبق الرسوم صدور كتاب رسوم مصورة هزلية للاطفال اظهرت الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) بأشكال معيبة، تلاه مسلسل كارتوني بعنوان (ساوث بارك) أظهروا فيه النبي محمدا (صلى الله عليه وسلم) بشكل يعف اللسان عن ذكره، أعقبه انتاج فلم فتنة الهولندي الذي يسيء الى الاسلام والمسلمين والذي اشرف على انتاجه احد اعضاء البرلمان الهولندي شخصيا!!.

واطلق كتاب –الفرقان الامريكي- لمؤلفه القس أنيس شورش، ولم يتوقف مسلسل الاعتداءات والتجاوزات عند هذا الحد، بل استمر، وبشكل مكثف، وتواصلت الحرب الاعلامية الشعواء ضد الحجاب ، بل على كل ما سنه الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وسلم) بأمر من الله تعالى، والادهى من ذلك كله ان كتّاباً يحسبون على العروبة والاسلام قد نذروا اقلامهم للطعن والتشكيك في الاسلام امثال سيد القمني، وزكريا بطرس، وجمال البنا وغيرهم، واطلق الكيان الصهيوني حملة مسعورة لمحاربة لغة الضاد – لغة القرآن-، واطلق مشروعه المريب لتفسير القرآن الذي اشرف عليه مباشرة حتى انه عد من افضل برامجه الدعائية ضد الاسلام والمسلمين، فانبرى المسلمون يردون على هذه الاعتداءات والتخرصات كل حسب موقعه فبقدر ما استفزتنا واحزنتنا الحملة الغربية الشعواء ضد الاسلام والمسلمين بقدر ما ألقت في روعنا من الشحنات الايمانية والنفحات الروحانية الشيء الكثير ما دفعنا الى ان نمتطي صهوة اقلامنا لنشق غبار الكلمات فحملنا اقلامنا عالياً، وعزاؤنا في ذلك ان الله تعالى قد اقسم بالقلم ولم يقسم بالسيف.. بل قرن قسمه بالدفاع عن نبي الحق وحبيب الخلق (صلى الله عليه وسلم) في قوله تعالى: (ن والقلم وما يسطرون ما انت بنعمة ربك بمجنون.. ) ولله در القائل في فضل القلم شعراً:

ولضربـة من كاتب ببنانه
امضى وأقطع من دقيق حسام
قوم اذا عزموا عداوة حاسد
سفكوا الدمــا بأسنة الأقلام

ولكي لا نتهم بالانحياز، وان كان ذلك شرف لنا، حرصنا على ان نوجز، حصراً ما قاله الفلاسفة، والعلماء، والاعلاميون، والمفكرون، والفنانون العالميون، ممن هداهم الله الى الاسلام، او الى الحقيقة الحقة فوقفوا على الحياد من دون تعصب او انحياز للدفاع عن الاسلام والقرآن، من باب (من فمك أدينك) أو (وشهد شاهد من أهلها) فحب كتاب الله الكريم ورسوله العظيم أغلى وسام نضعه على صدورنا، ولا يفوتنا ان نذكر أن عدد الكتب التي الفت للطعن بالاسلام والمسلمين في أوربا خلال ثلاثة قرون بلغت 60 الف كتاب.

ولعل الدكتور (مراد ويلفرد هوفمان) كان من ابرز هؤلاء واشهرهم لما يتمتع به من كفاءة وخبرة واكاديمية ، كيف لا وهو يحمل الدكتوراه في القانون من جامعة هارفرد، اعتنق الدين الاسلامي عام 1980، وكان اول معرفته به في الجزائر، يوم وقف على صمود الشعب الجزائري وصلابته وتضحياته في ثورة التحرير ضد الاستدمار الفرنسي ، وكان يتابع الاحداث عن كثب، ولم يع حينئذ من اين يأتيهم كل هذا الدعم الخفي.. ما سر ذلكم الايمان حتى استقر في ذهنه ، وترسخ في اعماقه ان السر يكمن في المنهج الرباني الذي سار عليه قادتهم وعلماؤهم آنذاك بدءا بـ عز الدين القسّام فعبد الحميد بن باديس وعمر المختار، وعبد الكريم الخطابي، وغيرهم من العلماء القادة ، وبادر بقراءة ترجمات القرآن الكريم فأسلم وقد احدث اسلام هوفمان ضجة كبرى في الغرب، عموما، وفي المانيا، على وجه الخصوص، ليؤلف كتابه الشهير (الاسلام كبديل) الذي ركز فيه على ان الاسلام هو البديل لكل الفلسفات والايديولوجيات ،حتى قالت عنه نائبة عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي :(ان هذا الكتاب ما هو الا مرافعة يشيب لها الولدان ضد العالم الغربي.. وان مؤلفه لم يعد ممثلا لألمانيا، التي تدفع له عشرة آلاف مارك شهريا، بل اصبح ممثلا للاسلام الذي آمن به واصبح داعية له)، ولم يكن هذا الكتاب الوحيد له عن الاسلام فقد اعقبه بـ ( يوميات الماني مسلم ) ، وكتاب (الاسلام في الالفية الثالثة ..ديانة في صعود ) وكتاب ( رحلة الى مكة ) ، ( مستقبل الاسلام في الشرق والغرب ) ، (الاسلام عام 2000) ، ( في تطور الشريعة الاسلامية ) ، ( الإسلام كما يراه ألماني مسلم) ، ( خواء الذات والادمغة المستعمرة ) .

يقول الدكتور ويلفرد – مراد – هوفمان الذي كان راقصا للباليه ومعلما له وعازفا لموسيقى الجاز وسفيرا لبلاده في دول عدة ، وخبيرا في مجال الدّفاع النّووي ، الحاصل على الدكتوراه في القانون والذي وافاه الاجل المحتوم أمس عن عمر يناهز 89 عاما : (ان الاسلام يدمج مظاهر الحياة كلها بعضها ببعض، ولهذا فان المشاكل النفسية في البلاد الاسلامية اقل بكثير مما هي عليه في البلدان الاوربية وانا ألتقي يوميا بنساء مسلمات هن اكثر سعادة من نظيراتهن الاوربيات بكثير) .

ولم أجد أجمل من أبيات في قصيدة احمد شوقي قالها في رثاء ابيه لرثاء مراد هوفمان رحمه الله تعالى وأسكنه في عليين :

يا أَبي ما أَنتَ في ذا أَوَّلٌ …كُلُّ نَفسٍ لِلمَنايا فَرضُ عَين

هَلَكَت قَبلَكَ ناسٌ وَقُرى ..وَنَعى الناعونَ خَيرَ الثِقَلَين