اجتماعي مع الوزير فيحاء عبدالدايم بقلم:بكر أبوبكر
تاريخ النشر : 2020-01-04
اجتماعي مع الوزير فيحاء عبدالدايم بقلم:بكر أبوبكر


اجتماعي مع الوزير فيحاء عبدالدايم.
قصة قصيرة

#بكرـأبوبكر

كنت أحد المدعوين من المهندسين في مختلف وزارات البلد لاجتماع هام! يعقده وزير الأعمال العامة والشوارع السحابيّة، معالي الوزير فيحاء عبدالدايم.

 ولما كانت مثل هذه الدعوة الموجّهة لمهندس مغمور مثلي تعدّ منحة من الله، فلقد قمت بالاستعداد بشراء حُلة جديدة جميلة ومُبهرة، فذهبت الى سوق الأثواب المستعملة لغرض العثور على بدلة تليق بمقام وزير الأعمال العامة والشوارع السحابية.

لحُسن الحظ  فإن في بلدنا العديد من المحلات التي تعرض البدل والحلل والأكسية الكثيرة المستعملة ومن العلامات التجارية العالمية، وإن كان لك من صديق في هذه المحلات فقد يدلّك على قطعة هامة لمرحوم راقي!! خلّف بعد رحيله بدلة جميلة أوقميصا لائقا.

 توجهت مع دعوات أمي الى محل الملابس العتيقة الذي أعرفه، وبعد فصال طويل تحصّلت على قطعة واحدة غالية هي المعطف (جاكيت)، ولم استطع الحصول على السروال (البنطال)، فلربما كان من نصيب غيري! 

ولكن ما سرّني هو أن المعطف كان من علامة تجارية معروفة وبصحة جيدة، وثمنه مقبول لي.

المرحلة الثانية كانت بمحاولتي العثور على قميص وربطة عنق تليق بمقام وزير الأعمال العامة والشوارع السحابية معالي فيحاء عبدالدايم ، ولما لم أجد بالمحل ما أريد فلقد سلمت امري، ففي ظل أن القميص سيتغطى بالربطة والجاكيت فلن ينتبه أحد من الحضور للقميص ...سينبهرون بالمعطف، وسأتفاخر به، وهو ما سأركز عليه! وينسون الباقي.

آه لقد نسيت السروال (البنطال)!!! وبعد تفكير وتقليب الأمور على أوجهها المتعددة قررت أن ألبس بنطال كتّان أي بنطال (جينز) وهذا مقابل ذاك، فأظهر مهندسًا متمرسا ب(الجينز)، وشخصية مرموقة بالمعطف الذي يبدو غاليًا، هكذا رأيته، وإن اشتريته بعشرين دينار فقط.

قبل الموعد المقرر بساعة كنت قد وصلت الى مقر الوزارة، ولم أدري ما أفعل! فأنا لا أعرف أحدا هناك لأعرّج عليه مثلا الى أن يحين موعد لقاء الوزير المرتقب.

تمشيت بالشارع المقابل للوزارة طولًا وعرضا فلم ينقضي من الوقت الا نصف ساعة كانت كافية ليسجل لي تطبيق صحتي على الجوال ١٩٢٤ خطوة  و١،٣ كم و ٣ طوابق وهذا جيد للسكري الذي لا أعاني منه حتى الآن، كما هو جيد للسمنة مرض العصر شرط المداومة عليها.

بقيت نصف ساعة... فخطر لي أن أطلب من رجل الأمن بالوزارة أن يدخلني خاصة أن الجو بارد، وتوكلت على الله وسألته ويا ليتني ما فعلت!

رفض رجل الأمن رفضا قاطعًا، وطلب مني أن ابتعد عن باب الوزارة، وكأنني حشرة أو قنبلة موقوتة!

 فقلت له أن عندي اجتماع مع الوزير بعد نصف ساعة.

 فأجاب: إذن تعال بعد نصف ساعة. 

عدت أتمشى، ولكن بعيدا عن بوابة الوزارة التي تم تحذيري من الاقتراب منها.

عند الساعة المحددة إلا دقائق خمسة انتظمت في طابور المهندسين الداخلين إلى الوزارة المطلوبين لاجتماع هام جدا مع معالي الوزير فيحاء عبدالدايم .

كنت في قمة الفرح والسعادة فأنا سأقابل معالي الوزير فيحاء عبدالدايم؟ 

لم يهمني الدورالطويل ولا الاجراءات، فحضور اجتماع لمثلي يعمل في مصلحة المياه مع معالي وزير الأعمال والشوارع السحابية حدثٌ تاريخي بحق، فأين أنا وأين هو؟

وصلني الدور

الاسم؟

نزار بشكش خالد

أعطني الهوية

ليست لدي

طيب جواز السفر!

لا أملكه الآن

رجل الأمن متضايقًا: طيب رخصة السواقة على الأقل

ليس لدي سيارة

آوووف ما هذا….قف الى جنب دعني أدخل الأخرين

وقفت الى جنب، وطابور المهندسين والمهندسات المتأنقين والمتأنقات يمر من أمامي حتى أغلقت بوابة الوزارة، وأنا ما زلت أنتظر على الباب.

ماذا تفعل هنا؟

أنت قلت لي انتظر!

لماذا؟

لأنني لا أمتلك هوية للدخول لحضور الاجتماع مع معالي الوزير فيحاء عبدالدايم

طيب اذهب واحضرها!

لكن بيتي بعيد!

وما شأني أنا، التعليمات ألا يدخل أحد الا بأن يضع هويته هنا، وأسلمه بطاقة الدخول ليعلقها في عنقه ويدخل.

نعم!

وعندما يعود نتبادل، فهو يعطينا بطاقة الدخول المعلقة في عنقه، ونحن نعطيه هويته

طيب، سأذهب للبيت واحضرها.
.....................................
ذهبت.

بدأ معالي فيحاء عبد الدايم وزير الأعمال والشوارع السحابية بالحديث عن أهمية الشوارع في تاريخ البشرية موضحا أن الحضارات الكبري مثل حضارتنا انتقلت من بلد الى بلد من خلال الطرقات و الشوارع التي شقتها الحمير وأحيانا البغال.

صرخ أحد العاملين في مكتب الوزير الذي لا أعرف اسمه: عاشت الحمير!

المهندسون يرددون:عاشت عاشت عاشت!

وأكمل الوزير فيحاء عبد الدايم محاضرته في مدرج الوزارة المصمم بالحقيقة ليس كغرفة اجتماعات، وإنما كمدرج محاضرات في جامعة ينطق من على منصته الوزير بما هو ليس في بال المهندسين أو العاملين!

أكمل محاضرته: لقد جمعتكم اليوم بطلب من دولة رئيس الوزراء الذي شرفني بدعوة مهندسي الدولة بكل الوزارات لنعمل معًا يدا واحدة على بناء الجسر العظيم الذي سيربط شرق البلاد بغربها وأنتم تعلمون أن النهر العظيم الذي يشق بلادنا نصفين يجعل من التواصل بين الأهالي صعبا إلا عبر المراكب التي لطالما غرقت، ونحن في القرن الواحد والعشرين.... فهذا لايجوز.

صرخ أحد العاملين في مكتب الوزير وأظن اسمه محمد: لا يجوز لا يجوز لا يجوز.

المهندسون يرددون:  لا يجوز لا يجوز لا يجوز.

أكمل الوزير حديثه ذاكرا مآثر رئيس الوزراء وعلوّ همّته، وقدراته الخارقة ونعمائه التي يسبغها على الجميع موضحا الثقة الدائمة التي يحصل عليها من مجلس الأمة مجلس الشعب.

يصرخ أحد العاملين في مكتب رئيس الوزراء وأظن اسمه محمد: عاش رئيس الوزراء المخلّد

عاش عاش عاش.

كان المفترض أن يكون الجمع في حالة اجتماع! ولكن الظاهر أنها محاضرة!

هذا ما قاله لي صديقي المهندس الذي حضر الاجتماع المفترض، الاجتماع المنعقد فيما كنت انتقل عبر الشوارع والمواصلات الصعبة وصولا لبيتي لإحضار بطاقة التعريف (الهوية).

أكمل صديقي قائلا:

قلت لك أن الاجتماع في حقيقته محاضرة بل ومملة.

اضطر الحضور منكّس الرأس للاستماع لمحاضرة عن أهمية الشوارع ودور الحمير، وعن مآثر رئيس الوزراء، ولما لم يكن يُسمح بالسؤال أو التعليق أو المداخلة على مظنة أنه اجتماع فلقد تحدث وكيل الوزارة مؤكدا على التزام كل المهندسين من مختلف الوزارات لبناء الجسر العظيم المقام فوق النهر العظيم .

علق الوكيل، وحسبي الله ونعم الوكيل، قائلا: وهل الحمير أحسن منا؟ مجيبا على سؤاله: لا والله.

يصرخ أحد العاملين في مكتب رئيس الوزراء وأظن اسمه خليل أو محمد: عاشت الحمير عاشت الحمير عاش الوزير عاش الوزيرعاشت الحمير وعاش الوزير.

انتهى الاجتماع.

التقط الوزير مع الجمع من المهندسين والمهندسات المتأنقين والمتأنقات صورا تذكارية تاريخية، مع الوزير المبتسم ابتسامات عريضة، والمتأنق فيحاء عبدالدايم.... وانصرفوا.

خرج معالي الوزير من الوزارة في موكبه المهيب، سيارة تسبق سيارته وسيارة تتبعها، مع دعوات العاملين وحارس الباب الذي أغلقه بالمفتاح.

هكذا إذن، قلت لصديقي وهو يحدثني عن فحوى الاجتماع! الذي فاتني.

قال نعم، ولكن أين كنت أنت؟

شرحت له ما حصل معي... حتى عدت متاخرا ألهث وصولا لبوابة الوزارة.

ومع ذلك فهو لم يلاحظ معطفي الجديد؟

 وأكملت له:

دققتُ على نافذة الغرفة الزجاجية المطلة على العامة عند بوابة الوزارة، وبعد فترة وصلها أحدهم

نعم!

عندي اجتماع مع معالي الوزير فيحاء عبدالدايم.

معالي الوزير خرج.

يعني الاجتماع انتهى؟

والله لا أدري، فلا يوجد أحد بالوزارة.

لكنني أحضرت بطاقة الهوية كما طلبتم!

وماذا أفعل بها؟

لتعطيني بدلا منها بطاقة الدخول! وأعلقها في رقبتي!

الدخول الى أين يا أخي، الوزارة سكّرت!

طيب أعطني بطاقة الدخول، لأعلقها في رقبتي، وأعطيك الهوية!

ضحك صديقي وأنا أحدّثه.

وقال لي: في المرة القادمة أطلب معرّفين محلّفين اثنين ليُقسِما أمام رجل الأمن، وتحصل على بطاقة الدخول، وتعلقها في رقبتك، وتدخل!

لم أضحك.

نظر الى معطفي وأمسك يتحسس قماشته...سُررت جدا، فلربما لم يذهب شرائي له هدراً

قال: بكم اشتريته؟

قلت متفاخراً: أعجبك! إنه وحياتك  ب٢٠٠ دينار .

يا لطيف! معطف تافه! ب ٢٠٠ دينار! وحياتك ما بسوى عشرين!

ولقد أصاب، وكأنه دلق على وجهي دلوا ثانيًا من الماء البارد.