الأصول في لعب الفطبول بقلم:د. محمد طرزان العيق
تاريخ النشر : 2020-01-01
''الأصول في لعب الفطبول''
************************************
''فطبول المخيَّم''
إين المونديال من كرة القدم في مخيَّم اليرموك؟!٠٠أدعو وبتواضعٍ جَمْ منظمة ''الفيفا'' أنْ تستخلصَ الدروس والعِبَر من المدرسة اليرموكية وتدرِّس كتابَنا- المرجِعْ ''الأصول في لعب الفطبول''!٠٠
مقدِّمة لابُدَّ منها :٠٠٠
''أودُّ بادئَ ذي بدءْ أن أنوِّه إلى أنَّ هذا الموضوع قد كتبْتُه منذُ حوالي العام وذلك في سلسلة '' إشتقتُ إليكَ يا مخيَّم'' و التي أشاركَكم فيها ذِكريَاتي عن مخيَّم اليرموك الذبيح ، لكنِّي لم أنشرهُ نتيجةَ تتالي الأحداث والتي للأسف لا نهايةَ لها/على الأقلِّ/ إلى الآن٠
واليوم ، في الوقت الذي ينشغلُ العالمُ كلَّه بمباريات كرة القدم في بلادِ السَّامبا وإنسجاماً مع هذه الحالة الكرويَّة من ناحية وتعميماً للفائدة والخبرة من ناحية ثانية فأنَّي أقوم بنشر هذه الأسرار حول الطَّابَة المخيَّمجيَّة، لعلَّ منظمة ''الفيفا'' تستفيد مهاراتِ وقوانين كرة القدم اليرموكيَّة وأجري على الله!٠٠٠
ولا أظُنُّ أنِّي أُفشي سِرَّا إذا قلتُ بأنَّ ''مارادونا'' ، ''ميسا'' ، ''بلاتيني'' ، ''الأخضر بَلُّومٍي'' ، ''رولاندو'' ، '' زيدان'' '' زيكو'' و ''سقرط'' ومن قبلهم ''بيليه'' وغيرهم الكثير الكثير قد نَهَلوا - وبلا فخر- من مدرسة اليرموك الكرويَّة٠٠٠٠''
كنَّا فيما مضى من سالِفِ الأيَّام نلعبُ في حاراتنا في مخيَّم اليرموك بما يشبهُ كرة القدم !٠٠٠ فلقد كنَّا نلعبُ ''الفطبول'' بِـ كرةٍ لم يسلمْ جزءٌ منها مِنْ ترقيعْ وكان عادةً لصاحبها الأفضلية في اللعب ، بلْ كانَ أحياناً يفرضُ شروطَه علينا فالكرَة كُرتُه ويتحكَّم بها وبنا٠٠٠كانت كلُّ مباراة [أو ''مَاتشْ'' ]تبدأ أولاً بتحديد قوانين اللعبة والإتفاق عليها فَلكلِّ ''ماتشٍ'' قوانينَهُ الخاصَّة٠وبالطبع ليس لها أي علاقة بقوانين لعبة كرة القدم المتعارف عليها!٠٠٠٠إنها قوانين اللاعبين من لاجئي مخيَّم اليرموك!٠٠
أمَّا عدد اللاعبين فحدِّثْ عنهُ بلا حرجْ ، وكان يحدِّده عادةً عددُ الحاضرين الراغبين في اللعبة وكان يتراوح بين 10 إلى 20 و حتَّى 30 لاعباً أو أكثر, في المبارة الواحدة, وليسَ لهذا العددِ سقفٌ محدَّدْ ، فقد كان العدَدُ يتغيِّرٍ / زيادةً أو نقصاناً/ أثناء اللعبة الواحدة وبإستمرار ، فقد تبدأ المباراة بأربعين لاعباً وتنتهي بوجود عشرة فقط وذلك حسب المزاج والنتيجة!٠٠٠ وكثيراً ما ينسحبُ البعض لقضاء الحاجةِ مثلاً أو نتيجة تعبٍ أو حتى نتيجةَ خناقةٍ (بين اللعيبة في الفريق الواحد أوبين لاعبي الفريقين وما أكثرها) أو لأنَّ والدةَ أحدنا-على سبيل المثال- ,فجأةً , نادتْ إبنَها كي يذهبَ إلى الدُّكان /مثلاً /أو ,بكلِّ بساطة, كي يتناول طعامَ الغداء أو العشاء٠٠٠ وقد يعود بعد هذا اللاعبُ أو قد لا يعود لمتابعة اللعبة-الماتشْ ،ويرجعُ ذلكَ إلى مزاجِه أونتيجة الماتش ،فإذا كانت لصالح فريقهِ /وخصوصاً إذا كان الفارق في النتيجةِ كبيراً/ فلا يجدُ نفسَهُ ملزماً بالعودة ، وذلك على عكس الحالة إذا كان فريقُه مهزوماً فإنَّه يوهِمُ عائلتهُ بأنَّه قدْ شبعَ فيحمدُ الله ،على عجَلٍ، ويعودُ مسرعاً لمؤازرة فريقه!٠٠
وقد يزيد العددُ أيضاً حين يحضرُ أحدٌ/ ولا يهمُّ في أيِّ وقتٍ أو في أيِّ مرحلة من اللعبة/فيبدي رغبته باللعبْ ولا يمكن رفض طلبه ، خصوصاً إذا كان من أصحاب العضلات المفتولة أو من أصحاب الأسبقيات ، حيث كان، في ذاك الزمان، يسودُ مبدأٌ لانحيدُ عنهُ [ و ربَّما مازال سائداً إلى يومنا هذا ] ، وهو مبدأ( يَا لَعِّيبْ يَا خَرِّيبْ) وخلاصة هذا المبدأ الخطير هو أنّهُ إمَّا تتركوني ألعبُ معكم أو أنِّي سأخرِّبُ لعبكم فكان يقال له ; حسناً إختر الفريقَ والمركز الذي تريدُه٠٠٠٠
ومن المفارقات الطريفة في لعبة ''فطبول المخيَّم'' أنَّه يعتبرُ من الأمور العاديَّة هو أن تتغيَّر مواقع اللعيبة في سواء في الفريق الواحد أو حتَّى بين الفريقين الخصمين!٠٠٠ فَمَنْ كانَ مثلاً حارس مرمى في الفريق الأوَّل قد يصبحُ , وبقدرةِ قادرْ , قلبَ الهجوم في الفريق الثاني[الخصم] وبالعكس أيضاً يمكن لِ لاعب خطِّ الدفاع من الفريق الثاني أنْ يتحَوَّلَ إلى لاعب الهجوم الأيمن, مثلاُ, في الفريق الأوَّل!٠٠٠٠ وهكذا فقد تمرِّرُ الكرةَ إلى زميلِك لكي يسدِّدَ في مرمى الخصم ، فتكتشف-بعد فوات الأوان -أنَّه كان قد أصبح في الفريق الخصم , وبالتالي تساهم / دون أن تدري /في إدخال الكرة في مرماك!٠٠٠
و قد يستمرُّ تبادل المواقع في الفريقين إلى أنْ ينقلب الفريق كلَّه- دون أنْ يدري- إلى موقع الخصم بل يكتشفون أنَّه لا يوجد فريقٌ آخر (أي يصبح الجميع ، كم يقالُ في خندَقٍ واحدْ) فيختلطُ الحابلُ بالنابل ويسودُ الملعبَ فوضى عارمة٠٠٠لذا كان لزاماً علينا أنْ نعرِّفَ عن هويتِنا طوالَ وقت اللعبة ،حتى لا يحدثُ ما لا يُحمَدُ عقباه!٠٠٠
وكانت هذه التحوُّلات تحدثُ أثناء المباراة لأسبابٍ عديدة مثل خناقة أو خصام بين لاعبي الفريق الواحد أو نتيجة محصِّلة الماتش ف يتخلَّى اللاعبُ عن فريقِهِ الخاسر وينتقل إلى الفريق المُنتَصرْ ولا تكادُ تخلو مباراةٌ من عمليات ''رشوة'' أو ''تهديد'' أو حتَّى ''إبتزاز'' فتتغيَّر مواقع اللعيِّبة وفقاً لذلك إلى هذا الفريق أو ذاك !٠٠٠
ليس شرطاً ولا ضروريَّاً أن يكون عدد اللاعبينَ في الفريقين متساوياً!، وإنما يحدِّدُ ذلك أعمارُ ومهارةُ اللاعبين فمثلاً يمكن أن يلعبَ مراهقٌ في السادسة عشر من عمره في الفريقِ الأوَّل مقابل ثلاثة أطفالٍ صغار في الفريق الثاني أو مثلاً فإن لاعباً يعتبرُ نفسهُ محترفاً(وهذا بالطبع أمرٌ نسبي) فيسمح عندها لَـ لاعبيْنِ إثنيْنِ/ يعتبرُهما دونَهُ في المستوى/ لأن يلعبا ضِدِّه في الفريق الخصم! ٠٠٠(روح رياضيِّة مخيَّمجِيَّة)٠
وكقاعدة عامَّة فإنَّ مَنْ لا يجيدُ اللعبَ أوكانَ ضعيفُ البنية كانَ يُختارُ عادةً لأن يكون حارسَ مرمى!٠٠كان حرَّاس المرمى يملُّونَ من اللَّعب وأحياناً، كُنَّا نرى حارسِيَّ مرمى الفريقيْنِ يُثرثرانِ مَعاًعلى أحد جانبَيِّ الملعب أو حتَّى خارجه ،لكنَّه وإنصافاً للحقيقة فقدْ كانا يتابعانِ ،مِن موّقعِهِما هذا، أحداث وتطورات اللعبة ويتدخَّلانِ عند الضرورة (ما شاءَ الله عليهِما)!٠٠٠ والأطرَفُ من كلِّ ذلك أنَّهُ قد ينبِّه أحدُهما الآخرَ إذا إقتربَ اللاعبون من أحد المَرْمَيِّين ،ثمَّ يعودان لإستكمال حديثهما!٠٠٠ وكثيراً ما كانت حدود المرمى [ والتي تحدِّدها المسافةُ ما بين حجرين كبيرين نسبياَ ]، تصغرُ أو تكبرُ طيلة وقت اللعبة!٠٠ فالحارس كانَ ,عادة , يتسلَّى بالعبثِ بهذين الحَجريْن[حدود المرمى/الغول] وكثيراً ما كان المَرمَى يصغرُ مع إقتراب لاعبي الفريق الخصم و الكُرَة المُنْهَكة / منه ، ثمَّ يعودُ فيتمدَّدُ بعد زوالِ الخطرْ!٠٠٠٠
ولقد كان وقتُ اللعبة يتحدَّدُ سلفاً وبشكلٍ مسبقاً , إمَّا حسب سقفٍ معينٍ ومُتفقٍ عليه من الأهداف أو يُتفق على فترة زمنية يحدِّدها الفريقان وذلك حسب المزاجِ العامْ وظروفِ الطقْس الجويَّة (صيف ، شتاء ، جو بارد أمْ حار ، أمْ ماطرْ٠٠٠ إلخ) ، ومع ذلك فقد كان وقت اللعبة غير ثابتٍ إطلاقاُ , فقد تستمرُّ اللعبة خمس دقائق فقط ، نتيجةَ خلاف دبَّ حولَ هدفٍ أو مخالفَةٍ أو نتيجةَ إنسحابِ صاحب ''الطابة''/الكرة أو أحياناً نتيجة تمزيقِها[ وكثيرا ما كان يحصل ذلك] أو مُصادَرتها من قِبَلِ أحدِ الجيران الغاضبينَ من الضَجَّة والغبارِ الذي يثيره اللاعبون من أرضيَّة الملعب الترابيَّة ، وربما تطولُ اللعبةُ كثيراً نظراً لأنَّ النتيجة لم تعجب أحد الفريقيْن أو حتَّى الفريقيْن كليهِما، فتمدَّدُ اللعبة مراراً وإلى مالا نهاية!٠٠٠٠٠
كان للماتشِ حكامٌ يجهلونَ حتَّى قوانينَ اللعبة(وهي ،على كلِّ حال، كانت تتغيَّر من فترةٍ إلى أُخرى- وبإتفاق الفريقين- كيْ تلائِمَ مصلحتَهما) وأحياناً كانوا الحُكَّامُ ينسون أدوارهم فينخرطونَ في اللعبة إمَّاً حماسَةً أو لنصرَةِ أصدقائهم من الفريقين، فكان هذا يسبِّبُ هرجاً ومرجاً !٠٠٠
ولا ننسى أيضاً دورَ الجمهور المشجِّعِ الحاضِرْ /والذي كان على الأغلب أقلُّ بكثير من عدد اللاعبين/ فقد كان ينزلُ الى الملعب ويبلي بلاءً حسناً!٠٠
كان أكثر شيئٍ مثيرٌ للجدل هو المخالفاتُ وضربات الجزاء فلم يكن اللاعبون يميِّزون بين الآوت[خروج الكرة من الملعب] وبين الكورنر[الزاوية] وكذلك بين لمسة اليد أو لمسةَ الجَسَدْ ، رغم أنَّ الأيدي كانت تستخدمُ أأيضاً كَرِجلٍ ثالثة!٠٠ أمَّا التسلُّل فقد كانَ مسموحاً به على نطاق واسع ، وكانت هذه إحدى عجائب كرة القدم اليرموكيَّة!٠٠ كان الخلاف يحتدِمُ وبشدَّة عند ضربات الجزاء فالمسافة بين المرمى كانت تصغرُ أوتكبر حسبَ ذمَّة الحكم وطريقة تحكّمه بفشخاته[الفتحة بين قدميه] التي كانت مقياساً للمسافة بين اللاعبِ والمرمى أو بينَ حدود المرمى ، التي كانت تتغيير بإستمرارْ٠٠٠أمَّا أطرف شيئٍ فكانَ تحديد إرتفاع الكرة المقذوفة لكي يُقرَّرُ بأنَّ الكرة هلْ كانت فوق سقفِ المرمى الغير موجود أصلاً أو أنَّها قد مرَّت من تحتهِ وإستقرَّتْ في شباك المرمى ،التي كنَّا نتوهَّمُ وجودَها وتخيِّلها وكان الحكمُ يمتلك فراسةً عجيبة فيحدِّدُ بالضبط زاوية الرَّكلة وموطئ القدم و بالتالي مسار الكرة!٠٠ وبعد التشاور مع مساعدِيهِ/إنْ وُجِدوا/ و التفاهم مع قادة الفريقين يصل إلى القرار الصحيحْ٠٠٠ وكثيراُ ماكان ذلك الخلاف يؤدي إلى الحَجْرِ على الطابة ومصادرتها أو حتَّى تمزيقها أحياناً ،ثم يتندَّم الجميع على ذلك ،حيث يحرمون أنفسهم من اللعب لأسابيعَ عديدة إلى حين تأمين طابة جديدة٠٠٠ وفي غالب الأحيان كانت تُحتسبْ ضربات جزاء أو تعاد حتَّى يصل الفريقان إلى نتيحة تُرضيهما فتنتهي المباراةُ والكلُّ عنها راضون ،حكَّاماً ، لاعبين وأنصار وتعمُّ الفرحة الحارَةَ كلَّها وخصوصاً الأهلُ والجيران ،حيثُ ينالونَ قسطاً من الراحة من الضجة والفوضى والصراخ ، الذي لم يكن يهدأ طيلة المباراة ، التي كانت تستغرق في كثيرٍ من الأحايين ساعاتٍ طوال وليس مثل ألعاب الأولمبياد التي بالكاد تستمر ساعة ونصف إلى ساعتين على أكثر تقدير!؟٠٠٠
لقد كانت اللياقة الرياضية لأولاد المخيَّم فوقَ كل حدودِّ التصوُّرْ!٠٠ وهذا هو السبب في طول اللعبة
سقا الله على أيام زمان

د٠ محمد طرزان العيق
صوفيا 17.06.2024