فنجان قهوة بقلم:أمير المقوسي
تاريخ النشر : 2019-12-22
ذهبت إلى المقهى الذي اعتدت على ارتياده نهاراً، وجلست على طاولتي المفضلة أفتش عن "علبة سجائري" ناسياً أنني قد أقلعت عن التدخين منذ أمس، لا لا عفواً، لم أقلع، ولكنني توقفت عن التدخين كعادتي كُلما مللت منه، وضع النادل فنجان القهوة على الطاولة وابتسم كعادته ينتظر مني ابتسامتي ومُزاحي معه كعادتي "حازم حازم كيفك؟"، ولكنني لم اعيره انتباهي لإنشغالي بالبحث عن تلك الملعونة، وأثناء ذلك كنت أيضاً انظر ناحية الطاولات المحيطة وشد انتباهي مراهقين صغار بسراويل ممزقة وشعر طويل يصورون بهواتفهم النقالة بعضهم البعض ويمزحون كإبني تماماً وأصدقائه.
وبجوارهم تجمع شبابي آخر أكبر سناً يُفاضل بين الهجرة إلى بلجيكا وقبرص وإلى أي منهما فرصة الموت أبعد!!
وآخر يُهاتف بعيداً بصوت مهزوز مهزوم، أريد مالاً فزوجتي في المشفى تضع مولودنا الأول، وأنا كما تعرف يا صديق لا عمل لدي منذ أشهر، وبيع علب التبغ والمناديل الورقية على مفترقات الطرق وإشارات المرور بالكاد يكفي قوت يومي وزوجتي.
وهناك زوجة تدخن النرجيلة كطاووس، وإبنتها تلعب حولها، وزوجها عبوس على غير عادته مع صديقته التي طالما أراه وإياها هنا سوياً، وينظر تجاه الباب كل حين بعصبية وكأنه يخاف حضورها على غفلة منه.
وفي الركن هناك فتيات يتهامسن عن حبيب إحداهن ويسألن أهو كمن سبقه لن يستمر بسبب ضيق الحال وطلبات أهلها؟!
وفجأة اسمع صوت استغاثة من داخل الفنجان فأحدق، فإذا بعقلي على وجه قهوتي يلوح لي ويزعق لاهثاً، ويسبح بيد واحدة، فرفعت فنجاني وحاولت أن أنتشله برشفة قبل أن يغرق فتتحقق نبوءة تلك العرافة التي حدثتني ذات يوم بأنني سأفقد عقلي غرقاً في قلب من أحب.
عذراً يا صديقي النادل لقد نسيت إبتسامتي في المنزل قبل حضوري، ربما سأبتسم في وجهك غداً.

بقلم/ أمير المقوسي
فلسطين
[email protected]