الصحافة الغربية: الادعاء بالأخلاق أمام اللاأخلاق! بقلم:آصال أبسال
تاريخ النشر : 2019-12-19
الصحافة الغربية: الادعاء بالأخلاق أمام اللاأخلاق! بقلم:آصال أبسال


الصحافة الغربية: الادعاء بالأخلاق أمام اللاأخلاق!


آصال أبسال

مرة ثانية، كما نشرت الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى في إنكلترا، منذ فترة.. وكما سارعت إلى النشر العديد من الصحف العربية /وفي مقدمتها الصحيفة العربية المشهورة «القدس العربي» كعادتها في الانتهاز والنفاق والازدواج/.. عثر رجال الشرطة البريطانية أخيرا على المواطن الإنكليزي الذي يُشتبه في «تغريده» العنصري ضد لاعب كرة القدم المصري محمد صلاح /أو كما هو معروف بالإنكليزية الشعبية الرياضية LFC’s Mo Salah/ الذي يستأجره فريق ليفربول الإنكليزي المشهور كمرتزق مأجور ليس غير، ويدر من ورائه من ثم أرباحا طائلة بالجنيهات البريطانية قبل الجنيهات المصرية /إن كانت لهذه الأخيرة أية قيمة فعلية تُذكر/.. عثروا أخيرا على هذا المواطن الإنكليزي المشتبه في مقاطعة ميرسيسايد وقاموا بإلقاء القبض عليه بعد القيام باستجوابه في قضية «تغريده» العنصري المعني، والتبيُّن بالتالي من أنه واحد من مشجِّعي فريق إيفرتون الإنكليزي الشهير الآخر، وهو الفريق الشهير أيضا بصفته الخصم اللدود المجاور لفريق ليفربول في المقاطعة نفسها..

ومن تداعيات هذه الواقعة العنصرية التي أحدثت «صدمة أخلاقية» كبيرة في الرأي العام في بلاد الإنكليز «النزهاء» عن أي موقف عنصري، أو لاأخلاقي، ضد العرب وغير العرب.. أن أعضاء الهيئة الإدارية لفريق إيفرتون /الخصم اللدود لفريق ليفربول نفسه/ انتقدوا بشدَّة هذا «التغريد» العنصري المعني وأعلنوا إدانتهم بأشدِّ العبارات حدةً لهذا النوع من العنصرية أو أي نوع آخر منها.. وفي نهاية المطاف، أصدرت الإدارة العامة للشرطة البريطانية في مقاطعة ميرسيسايد بيانا تنديديا تذكيريا ورد فيه ما يلي، بما معناه:

/نحن على دراية تامة بتلك «التغريدة» العنصرية التي نُشرت بخصوص لاعب كرة القدم المصري في فريق ليفربول، محمد صلاح، تلك «التغريدة» التي تضمنت عددا من الصور الساخرة لهذا اللاعب بالذات، والتي شاركها الكثير من المتابعين وغير المتابعين الآخرين إضافة إلى ذلك.. وما علينا الآن سوى أن نحقق في الأمر التحقيق اللازم، ولن يتم التسامح مع جريمة «العنصرية»، أو «كراهية الأجانب»، بأي شكل من الأشكال، ولا مع أيٍّ ممَّن يستخدمون الشبكة الدولية (الإنترنت) من أجل استهداف الآخرين.. ومن يرتكب جريمة جنائية من هذا النوع يحتاج إلى إدراك واستيعاب أنه ليس خارج نطاق القانون الذي يعاقب عليها/..

ما علينا من كل هذه الإجراءات الرسمية والقانونية بصفتها «الأخلاقية التشديدية» التي تم بثُّها في داخل البلاد، وتم بثُّها من ثمَّ حتى إلى ما وراء البحار /بغية الترويج الأخلاقي المصطنَع/.. فإن كل هذا التركيز الإعلامي الغربي /الإنكليزي، تحديدا/ على هكذا خبر عنصري لاأخلاقي طارئ، خاصة عندما يتعلق الأمر بعنصر عربي «متفوق» إن هو، في أحسن الأحوال، إلا «خادم للقوة» Servant to Power في الغرب /ومحمد صلاح بنجوميَّته الرياضية بالذات ليس، في حقيقة الأمر، أكثر من «خادم للقوة» في إنكلترا/ – فإن كل هذا التركيز الإعلامي إنما هو مجرد ترويج دعائي طنان وأجوف غايته الأولى والأخيرة إظهار الحكومة الإنكليزية ذاتها أمام العالم بأسره بأن هذه الحكومة لا تتهاون بأية صورة كانت في معاقبة العنصريين /اللاأخلاقيين/ من مواطنيها ضد العرب، أو حتى غير العرب، المقيمين في بريطانيا «العظمى».. !!

وماذا، إذا لم يقتصر الأمر على هكذا واقعة عنصرية /لاأخلاقية/ دون غيرها، ماذا عن تلك الممارسات العنصرية /اللاأخلاقية/ اليومية التي تحصل فعليا وعلى الملأ والعلن في المجتمع الإنكليزي ضد العرب وغير العرب /وبالأخص أولئك المتحدرين من قارتي آسيا وأفريقيا/، ماذا عن كل تلك الممارسات العنصرية /اللاأخلاقية/ اليومية التي تحصل فعليا دون تحريك أي ساكن إعلامي غربي تأنيبي، أو أي صامت حكومي إنكليزي تنديدي، سواء كانت هذه الممارسات العنصرية /اللاأخلاقية/ تحصل بالفعل على مستوى المواطنين الإنكليز أو على مستوى رجال الشرطة الإنكليزية أنفسهم أو حتى على مستوى أعضاء الحكومة الإنكليزية أعينهم /وأولهم ذلك المعتوه المهرج بوريس جونسون، قبل وبعد ذلك «الانتصار التاريخي» المشكوك في أمره في عملية الانتخاب التشريعي الأخير/.. ؟؟

حتى الصحافة العربية نفسها /أو، بالأحرى، تلك التي تدعي بأنها «صحافة عربية» في الغرب/، حتى هذه لا تخلو من هكذا ترويج دعائي طنان وأجوف، حين يتمُّ النظر مثلا إلى محرِّر صحيفة جاهل فِسْلٍ، كمثل محرِّر صحيفة «المثقف»، ماجد الغرباوي، ذلك المحرِّر الدعي المائن الذي لا يفتأ يطبِّل ويزمِّر عن نفسه، في كل مكان، بأنه /باحث أسترالي رهيب من أصل عراقي أرهب يبحث في الفكر الديني ليل نهار، ويدعو إلى موضوعات من مثل التسامح واللاعنف والإصلاح والتجديد والتنوير الثقافي والوعي الحضاري، وغير ذلك كثير/.. في حين أنه أثبت بالدليل القاطع، على النقيض من كل ذلك على أكثر من صعيد، بأنه لا يفقه معنى التعامل الإنساني ولا الحضاري ولا الأخلاقي مع الكاتب، أو الكاتبة، بأية صفة كانت.. إذ أنه من آداب التعامل مع الكاتب المساهِم، أو الكاتبة المساهِمة، في هكذا «صحيفة» دعية أن يقوم المحرر بإعلامه، أو بإعلامها، قبل أن /يقرر قرارا دكتاتوريا نهائيا/ حذف المساهَمة المعنية المنشورة قبلا، حتى لو استقبلتها قبلئذٍ الكثيرات من الصحف والمواقع الإعلامية العربية، بكل رحابة صدر: فقط المحررون الجهلاء الفسلاء المتخلفون واللاإنسانيون واللاحضاريون واللاأخلاقيون هم الذين يتصرفون على أهوائهم، كما يتصرف الدرافيل ويحذفون هذه المساهَماتِ، وخاصة المساهمات الجادة منها، دون أي سابق إعلام للكاتب، أو للكاتبة، ولا حتى أي احترام للجهد الملحوظ الذي بذله، أو بذلته، في هذه المساهمات..

والأسوأ من ذلك كله هو أن الكاتبة المساهِمة المعنية، حين تدافع عن حقها /وهي صاحبة الحق في كل هذا/ تصبح فجأة هي «صاحبة الباطل»، وتصير من ثم تُهدَّد من طرف المحرِّر الجاهل الفِسْلِ الغرباوي نفسه وتُخاطب بلغة إغلاق الأرشيف وقطع الرؤوس على الطريقة التكفيرية «الداعشية».. وفي نفس الوقت يروِّج هذا المحرِّر الجاهل الفِسْلُ عن نفسه بأنه /يدعو إلى التسامح واللاعنف/ وما إلى ذلك من الترويج الدعائي الطنَّان والأجوف.. !!

***

كوبنهاغن، 19 كانون الأول/ديسمبر 2019

-----------
تعريف بالكاتبة
ولدتُ في مدينة باجة بتونس من أب تونسي وأم دنماركية.. وحصلتُ على الليسانس والماجستير في علوم وآداب اللغة الفرنسية من جامعة قرطاج بتونس.. وحصلتُ بعدها على الدكتوراه في الدراسات الإعلامية من جامعة كوبنهاغن بالدنمارك.. وتتمحور أطروحة الدكتوراه التي قدمتها حول موضوع «بلاغيات التعمية والتضليل في الصحافة الغربية» بشكل عام.. ومنذ ذلك الحين وأنا مهتمة أيضا بموضوع «بلاغيات التعمية والتضليل في الصحافة العربية» بشكل خاص..