مترادفات زمن بقلم:عبد الجبار الحمدي
تاريخ النشر : 2019-12-17
مترادفات زمن

تشظت مرايا حساباته، خاصة بعد أن لاطوه في زنازين مظلمة، لم يعد يعنيه أن يلاط به بقناني من البيرة او الويسكي المكسورة رؤوسها بعد أن ملت ذكور الذين سنوا قوانين أعترف وإلا، شاب مثله مثل كل الحالمين في وطن يحفظ طموحات واحلام الشباب، لم يعلم أن هناك من يرقن القيود قبل أوانها بعد أن نصبه الرب الدنيوي عزرائيل بشري همه حصاد مستقبل، لم تقيه أفكاره وثقافته التحررية التي أتقنها شغفا في حب وطن يطمح أن يكون كباقي الدول المتحضرة، ذاك هو ما يتذكره بعدما أُخرج في حالة هيجان وأنفلات أمن قانون، خرج الى عالم يراه لأول مرة بعد اربعة عقود من الظلام، إن ما يسمع من اصوات صراخ وسباب أو شتم أطرب لها بعد ان اعتادت نفسه وأذنيه على سباب وشتائم من ربضوا على جسده العاري ببساطيل حمراء.. لا يعلم من رمى إليه بثوب يسترعورته وجسمه اللذان استبيحا للكهرباء والقناني والزنادقة المخانيث؟ هكذا يطلق عليهم، إستند الى جدار لم يعاشره من قبل، حك ظهره ولأول مرة يشعر أنه حقا ليس الجدار الذي رافقه، رق إليه... تمنى أن يخرج معه ليتذوق ضوء الشمس بعد ان تذوق بول الجلاد ودم الضحية... لاشك أنك ستخرج في يوم ما أتسمعني للذين يحرقون السجن؟ لا.. لا أظن بل ستهدم أو ربما سيجدد ثوبك من يلبسك عنوان جديد... يا لي من خبل!!! ثم تساءل ترى اين أنا؟!!

دفع بنفسه حاول النهوض لكن ارجل اعتادت القرفصاء لا يمكن ان تطمع باقدام تتجرأ على الوقوف إلا بأمر، حاول مرة أخرى بيديه وقد لا مست وجه الجدار حتى يتسلقه بظهره وهو يسمع مفاصل صدأت صواملها فما عادت تصدر سوى الأنين...

سمع صوتا يقول: لقد سقط النظام أنت حر هيا اذهب الى بيتك إنها الحرية...

الحرية أهي نفس التي حلمت بها منذ... أوه لا أدري، عجبا!! أين ساذهب؟ أهناك من يتذكري أهلي او أصدقائي؟ من يراني لاشك يخيفه شكلي وحالي...

تحادثه نفسه... مجنون وهل تعلم كيف هو شكلك؟

-لا تحاسبيني يا هذه فما عنيت ما قلت غير أني ارى اشكالا و وجوها قد طلاها السواد...

-لا جواب عندي لك لكن أظنه سواد الادخنة الناتجة من الحرائق هناك..

-جيد أراك تستطيع ان ترى وقد قبعت معي في نفس الزنزانة بعدما اطعمت الظلم والتعذيب والخوازيق

-نعم... اتذكر جيدا، لكنك قلت لي في مرة بعدما أحسست أنك ستفقد عقلا ألزمته معي بأن تخفيه بعيدا عن أيد الجلاد حتى لا يطاله اليأس او فقدان الأمل... أبحت لي فسحة من الحياة في عالم الموت الذي كنت تعيشه ميتا في كل ثانية، طالما حيرتني بقدرتك على التمسك بالبقاء حيا!!! وانت تنال في كل يوم عشرات الطرق من التنكيل حتى في مرة سمعت سجانيك وقد ملوا منك بأن يتركوك دون طعام حتى تموت، لكني لم أعلم سبب إبقائك وإصرارهم على الفحشاء معك بشكل يقزز الخنازير من ان تنال فعلتهم بك...  تمسكت بالحياة من أجل شيء ما وضعته بداخلي أنا نفسك... بحثت خلسة مرات ومرات عما خبأته كي أفهم، لكني عجزت رضيت أن أبقى معك متعلقا بذلك الشيء, اظن الفرصة قد واتتك الآن لتكشف لي عن ماهية ما خبأته...

-لا أدري كيف تفكرين يا نفس؟ وأنت التي لولا قناعتك ما أقدمت على الرغبة في الإكثار من عشق الوطن، لعلي لو أقتنعت او على الأقل رضيت كما فعل غيري بوطن هَم من يعيش على أرضه ان ينال كسرة الخبز أو الحصير حالة عيش رغيدة لربما بقيت حيا دون طموحات او أمنيات في تغيير... أو لعلي أكثرت من عبارة هذه قسمتك التي قُُسمت لك فأرضى بها... أو حتى لو لجأت لإقناعك أنتِ بالذهاب الى منابر الخطابة ورجالات تسوق الدين هو الخلاص رغم أنهم لم يتذوقوا الخلاص الذي يروجونه ويسوقونه إلا بقرابين أعمت جيوب مفتقة تخرج وتدخل مسميات عريضة طويلة لوجوه جرباء عملوا عليها كماسحي أحذية يصقولها بحجة أو بأخرى، أشبعونا ترهات، لوثوا المحمود من هم على شاكلتهم، فالعفن عندما يقطن لا يسمح للحسن أن يبقى على سطحه بل يتمكن ويُشيع براحته بعد ان تدفع أيد خفية بالريح كي تكون تلك النتانة بذور لقاح الى كل نفس ترغب العيش في مستنقع عبارات وشعارات دينية... غير أني نأيت بكِ بعيدا، لم أهضم تراهاتهم فعزفت ورغبت لك ولي بأن نرتقي حيث عالم الحرية والديمقراطية، لذا اعلنت أرائي وافكاري منتقدا السلطة والفساد والفاشستية التي تمارس على كل من لم يرغب او يُصرح برأيه رافضا واقع الجلاد كما غيري من تمرغوا بواقع الغد يمكن أن يكون اجمل... كانت هزة زلزلت الأرض ومن عليها، لم نعي أن الجلاد يمكن ان يتمثل برجل دين فما يلزمه أن يكون ورعا مخافة الله... لكن هناك من ابدل ثيابه ومسماه، عاد يحمل العلب الورقية بيده ليمسح أسته بعد ان باع شرفه تحت طاولات مراهنات وقد كتب على ورق الرهان صنع في امريكا... أرتضى من ساهم واختزل المسميات كي يكون اسفل من الذي قبله، بدا أكثر فاشستية وأكثر دموية  وسخطا على أبناء جلدته...

فتجارب الدول تعكس صورها على المحيط الأقليمي ودول الجوار..

-أسمع يكفي يا هذا!! لقد سمعت ما تقول مئات بل آلاف المرات حتى حفظت ما قلت عن ظهر قلب... كل ما عليك ان تحملني بعيدا عن ذلك السرداب دعني أحيا وإياك فسحة أمل ولو لأيام... وأرضى لساعات بعدها ارمي بجسدك واقسم أشاركك رغبتك حتى وإن رميت به الى جانب حاوية نفايات أو مقبرة مقفرة فلا يهمني بعدها لأني لا أرغب أن أبقى احمل سرك الذي خبأته بداخلي... عجيب أمرك!!! كيف ترضى لنفسك ان تعيش معك دون ان تعرف ما سبب رغبتك في الحياة بعد العقود المظلمة التي بقيت مضضا تعاني من أجل يوم قد يفتح باب زنزانتك لتخرج بحثا عن بقية حياة كسيحة بأمل أعور وطموح لبس خزي اللواط به وسام مضطهد سياسي...هههههههههههه اتعلم؟ أني في بعض الأحيان أقرف منك، وأحيانا أرأف بك فحياتك مستهلكة لمرة واحدة شأنك شأن المنتهية صلاحيته وقد عُلبت وغُلفت وصُدرت، كتب عليك إعادة تأهيل كبقية تلك النفايات التي تجمع بعد استخدامها ورميها ليعاد صنعها...

أنظر حولك كل شيء يعيش الفوضى الناس، السماء، الأرض، المحيط، الاوضاع، التردي، كل شيء إلا من في السلطة لا زالوا هناك يحكمون بما لا تستطيع أن تغيره أنت أو من قلب الموازين لرغبات من أدار صالات القمار ويرى بعين واحدة ومن ألبس البردة للكعبة ومن شرع في ناطحات السحاب ومن خان من الداخل.. أتعي قولي؟

-صدقت يا نفس... صدقت لقد رسمت الصورة الحقيقة بلونين فقط، الاحمر والاسود لأن الأبيض ما عاد يطيق البقاء... دعيني اخبرك عما خبأته في ركن أخفيته بعد ان اسودت جدرانك وأعمشت عيناك فما عدت تميزين ما تحت السواد... إنني خبأت حلما بأن حمامة السلام يمكن ان تحمل غصن الزيتون..

كما فعل الله لنوح عندما ظل يجوب البحر ومتاهاته بسفينته بحثا عن الاستقرار، لم يعلم كيف يناله حتى أوعز الله له بدفع الحمامة بعيدا حيث اللامعلوم، يئس من كانوا معه إلا هو كونه يعلم أن لكل شيء نهاية وخلاص، فكان الغصن الصغير الذي حملته يوعد باليابسة عهد جديد يمكن ان تبني عليه عالم لم يكن من قبل ولكن لم يحسب أن النفس وما حملته يمكنها ان تعكر وتدمر وتخرب.. وهذا ما نرينه أمامك.. الآن.. والآن فقد أدرك أننا لا يمكن أن نتغير ما دام هناك عين واحدة ترصد البعيد من على هرم، أو أرباب خرجوا من صلب قابيل كي يصنعوا إلها آخر ليسجدوا له وينتقموا من كل حمامات السلام فعالم الضياع الذي كان نوح وأهله يعيشونه صنع من نفوس من خالفوه مواقيت شياطين لا زال من يظن أنه من قوم نوح وأسماعيل يرجم الشيطان وهو يعلم جيدا أن الشيطان بداخله كنفس أمارة بالسوء... أعلمت الآن ما كنت أخبأ إنه قرينك الآخر الذي لم أرد له أن يتلوث .. لكن والآن لم أعد أهتم فما أراه أن النفوس التي خرجت تبحث عن الحرية والسلام يشوبها غصن الزيتون ولا زال عالمنا يجوب بحر الموت بحثا عن حياة نافقة أو لعلها هي مترادفات زمن.

القاص والكاتب

عبد الجبارالحمدي