الاتجاهات الثلاثة على طريق انتخابات قد تُفضي للوحدة بقلم: بكر أبوبكر
تاريخ النشر : 2019-12-15
الاتجاهات الثلاثة على طريق انتخابات قد تُفضي للوحدة بقلم: بكر أبوبكر


الاتجاهات الثلاثة على طريق انتخابات قد تُفضي للوحدة.

بكر أبوبكر

الانتخابات الفلسطينية العامة هكذا تماما كان العنوان الرئيس لندوة هامة عقدت في جامعة النجاح بمدينة نابلس يوم٧/١٢/٢٠١٩ ضمت كافة الأطياف السياسية من حركة التحرير الوطني الفلسطيني- فتح، وحماس والشعبية والديمقراطية، ومستقلين وغيرهم. وتحادثوا وتحاوروا بأريحية تكاد تجعل الأعداء يغتاظون.

 وإن كانت الندوة موجهة أساسا لطلبة الجامعة التي غصت بهم قاعة مكتبة جامعة النجاح الا انها استقطبت وجوه الفصائل في هذا اليوم الدراسي.

الندوة التي دعت لها الجامعة بالتعاون مع جمعية بذور للثقافة التي يجيد رئيسها الدكتور رائد الدبعي استثمارها وطنيا أقيمت مع مركز مسارات الذي يديره المحلل السياسي الذي نتفق ونختلف معه هاني المصري.

تحدث عمر شحادة من قيادة الجبهة الشعبية كما تحدث اللواء محمد المصري مدير المركز الفلسطيني للدراسات الاستراتيجية وتحدث هاني المصري، وقالوا الكثير.

 الا انني أجد نفسي مهتما بالتعليق على الجلسة اللاحقة، مع أهمية حديث الجميع، وهي الجلسة التي تحدث فيها اليمين واليسار والوسط، فظهرت الثورة بألوانها جميعا.

 أبوليلى والحتمية

قال: قيس عبد الكريم (أبوليلى) القيادي في الجبهة الديمقراطية الكثير في السياسة والفكر. ومما فهمناه من قوله ان الانقسام خطر قد يؤدي للانفصال بين شطري الوطن بالضفة وغزة، والحديث المترافق مع الانتخابات حاليا يُعنى بانقسام مؤسسات السلطة، ويفتقد الحديث عن التوحيد ضمن أطر منظمة التحرير الفلسطينية. وأشار الى ان الانقسام أدى لقطيعة تفترض الحوار بشروط. 

ومما أفادنا به أبوليلى أن الموضوع ليس اللوم لأحد، وإنما ايجاد وسيلة للخروج من هذه الحالة المستعصية لأنها قد تتعمق ما يجعل الانفصال أمرا واقعا. لا ضمانة برأيه بأن الانتخابات قد تؤدي لانهاء الانقسام. 

ورفض أبوليلى السؤال القائل لماذا نجري انتخابات بهذه الحالة، وقال أن السؤال الصحيح هو لم نصادر حق المواطن بالانتخاب. ومما أثاره من الزواية الفكرية التقييمية للمرحلة الفائتة أن: (مرحلة الثقة الاجماعية الممنوحة للقيادة كانت ما قبل أوسلو) وان شكلت ما يشبه التفويض، أو الحتمية الا انها اليوم اتخذت مع تطور الأحداث داخليا واقليميا ضرورة العودة للشعب بالانتخابات، لذا أصبح من حق المواطن علينا جميعا ألا نصادر حقه لأي سبب، مع الاحتفاظ بحق الفلسطينيين جميعا بالخارج في إطارنا الأشمل أي المنظمة. 

وفي نقده للنظام الانتخابي السابق الذي وصفه بالسيء قال علي سبيل المثال أن "حماس" حصدت ٤٤٪ من الأصوات ولكنها أخذت ٦٠٪ من المقاعد ال١٣٢ ،وأشار الى أن التمثيل النسبي برأيه سيؤدي لعدم الحسم لذا سيتوجه الجميع للائتلاف الوطني وهو برأيه ما سيكون نتيجة الانتخابات القادمة. 

وشدد كما شدد كل المتحدثين جميعا على معركة القدس في الانتخابات فهي خط أحمر بصيغة د.ناصر القدوة. موضحا عدم قبولنا لأي فيتو اسرائيلي على الانتخابات، وقال لتصادر "اسرائيل صناديق الاقتراع في القدس أمام العالم".

القدوة، والفكرة السيئة

أما الدكتور ناصر القدوة وكان اول المتحدثين الثلاثة وفي مداخلته الهامة فلقد أشار الي أن الديمقراطية طريقة حياة. وقال أنها أمر محمود لأنها تعيد القرار للشعب. 

وقال مفصلا أن من سماتها : الاستمرارية والدورية وأنها لكل المستويات وتجري في كل مكان، وانها تتطلب استكمال عوامل الديمقراطية الأخرى من حفظ الحريات والحقوق وتوفير المناخ الديمقراطي. 

وفي معرض طرحه السياسي قال أن انهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية لا يقل أهمية عن ممارسة الديمقراطية. 

وتعرض للسؤال الذي طرقه الجميع : هل الانتخابات مدخل للوحدة أم أن الوحدة مدخل الانتخابات؟ فقال موضحا برأيه أن استعادة الوحدة هي الأصل وهي مدخل الانتخابات. ولكن ما دام لا يوجد هناك استراتيجية للاستعادة فإن الانتخابات تشكل فرصة قد تحقق ٤ فوائد: فهي تجدد الدماء، وتحقق المحاسبة السياسية، وتعمل على تغيير الأجيال، وتبرز آراء ووجوه جديدة.

 والى ذلك قال أن هناك خطًاً أحمر، وهناك فكرة سيئة، والخط الأحمر هو أن تجري الانتخابات علي جزء من أرض الدولة. والفكرة السيئة أن يكون هناك قائمة واحدة من حركة فتح وحماس إذ يعد ذلك ضربا لمفهوم الديمقراطية والتنافسية. 

وفي إطار مداخلته أكد على ضرورة أن يكون هناك مجلس وطني جديد وقانون جديد مثيرا أهمية الفلسطينيين جميعا في الخارج والوطن ضمن المنظمة. وفي توضيح أن حالتنا ليست تحرر وطني ولا مرحلة ما بعد انهاء الصراع ما يعني أنها متداخلة كثيرا.

الشاعر يغازل

الدكتور ناصر الدين الشاعر المتخصص في الحركات الاسلاموية والمحاضر في جامعة النجاح الوطنية في مداخلته حاول القفز علي كل التناقضات والتشكيكات، وأوضح أن ما قد تعتبرونه من كلامي موجها ضد اي منكم انسبوه للطرف الأخر، بمعنى إن فهمتم من نقدي أنه ضد حركة فتح فهو ضد حماس وان فهمت انه ضد حماس فهو ضد فتح. ثم واصل مداخلته التي أسميتها أنا بالغزلية مقابل تلك السياسية للدكتور ناصر القدوة والفكرية لقيس عبدالكريم.

تحدث الشاعر موضحا أن الواقع مليء بالتعارضات في الفصائل ذاتها جميعا وليس فقط  حركة فتح ذات اللون الفاقع بخلافاتها، وإنما داخل كل الفصائل بالحقيقة. واوضح ان الضمير الفلسطيني يريد حلولا.

وقال أن لا للّطم ونعم للمستقبل. وأنه مع الوصول لمنتصف الطريق. وقال أننا في بيئة سياسية طاردة للكفاءات ما لا يجب أن يكون وأشار (أن الهروب للأمام يمثل روعة العمل السياسي!) وقال في إطار مغازلته للمستقبل والشباب أن من حق الشعب أن يقرر ومن حق الشباب ومن حق الجيل أن يتخوف. وأوضح توفر امكانية العثور على آليات تجمع الحق بالانتخابات والتوافق السياسي. 

وعبر الشاعر عن رفضه التشاؤم القاتل والتفاول الطفولي. مؤكدا على ضرورة تهيئة الأجواء للانتخابات بلا اعتقالات لا في غزة ولا بالضفة.

هذا كان الحال مما فهمته أنا من المتدخلين الثلاثة والذين قوبلت كلماتهم بسيل كبير من المداخلات الموافقة أو المخالفة جزئيا أو كليا، ومن مشاكسات البعض ومنهم عضو تشريعي سابق كان جالسا، وكان لي فيما قالوا مداخلة، أعرضها هنا مع بعض التوسع.

ثقافة وطرق تفكير

أن فكرة الانتخابات هي حق نعم، ويجب أن تكون ثقافة في سياق نصف المشروع أي في سياق الدولة ضمن مرحلية النضال. والديمقراطية هي حوار والتزام متعانقان ويجب ان تكون في الاطار الجامع لمنظمة التحرير الفلسطينية، وأن الانتخابات لازمة وهي حل داخل فلسطين رغم المخاطر.

أوضحت ان المتحدثين الثلاثة عبروا عن مناهج ثلاثة وطرق تفكير مختلفة، لكنها تقَبّلت بعضها البعض بين يمين ويسار ووسط ما يعني أحقيتها بالعيش متجاورة، وما يعني أنني لم أعد أفهم في ظل تجاور هذه الأراء لم ما زالت الفُرقة والاحتراب والانقلاب والانقسام قائما؟

 فهل المشكلة بالأفكار أم المصالح أم المتحاورين ذاتهم؟

تحدث قيس عبدالكريم  بالفكر، وتحدث القدوة بالسياسة، وتحدث الشاعر بالغزل! وان كان ثلاثتهم قد مسوا الأساليب الثلاثة معا ولكني هكذا رأيت الأمر.

لقد كان الحوار الثلاثي السبيل عاقلا وموضوعيا وهادفا وعميقًا وشيّقا بنفس الوقت، بغض النظر عن الاختلاف والاتفاق. فأين المشكلة؟ قلت أن المشكلة في الحرف وفي الكلمة وفي النقطة؟

 فتعجبت الوجوه الناظرة! فشرحت أن الأخ والرفيق قيس قد أدان "الحتمية" بعد سقوط التخويل الممنوح لقيادة المنظمة بعد "أوسلو" حيث استبدلهم بالجماهير، فكانت الحتمية هي المشكلة أي فكر الاقصاء، فكر المعسكرين، فكراما أنا وإما أنت ما رفضه الثلاثة! أي أنهم رفضوا فكر الاقصاء والاحلال رغم وضوح ان العقائديين المؤدلجين هم من يتماهون مع الاقصاء بلا مواربة فبرنامجهم كما يظنون محصن! أذن المشكلة بالفكرة من حيث الحتمية او الاقصائية.

المشكلة بالحرف "أو" والحرف "و"

 والمشكلة بالمصالح أيضا وتصادمها كما فهمتها من مداخلة ناصر القدوة ومع الحرف؟ فكيف ذلك؟

 لقد قامت الانتفاضة الأولى (1987-1993) ضد المحتل على قاعدة (أو) أي إما نحن (حماس) وإما هم (المنظمة)! فتكرست قاعدة المعسكرين المتقابلين اللذين لا يلتقيان لتتحول في العام 2000 مع الانتفاضة الثالثة (حيث انتفاضة النفق تعتبر الثانية) الي حرف (و) فظهرت  ماتسمى: القوى الوطنية (و)الاسلامية موقعة الفصل في نفس المكان وعلي نفس الطاولة بين الوطنية "و" الاسلامية وكأن الوطني غير اسلامي والاسلامي غير وطني؟ إذ وقع التمييزأو التمايز على نفس الطاولة ونفس البيان.

ولربما يكمن الحل بالنقطة حيث منهج الغزل الذي اتبعه د.ناصر الدين الشاعر للمستقبل والفضاء المشترك ومنتصف الطريق والاجيال قد يكون الحل !

 أي أن نضع نقطة وأول السطر فلا إقصاء ولا معسكرين. ونعم للحوار والتقبّل والتفهّم والتجاور الذي لطالما أكدت عليه في كل مقالاتي ومداخلاتي.

كانت الندوة عميقة، ولربما تكرار أمثالها بين كل الأطياف وجها لوجه قد يجعل اللقاءات طبيعية، وليست تنافسية مصلحية سلبية او اقصائية تعبوية أيديولوجية، فالعدو واحد أو هكذا يجب ان يكون بلا مواربة، لذا فان المنهج الفكري الذي يجب أن نتبعه هو الوسطية الجامعة التي عبر عنها بوضوح د.ناصر القدوة. ومنهج التفكير غير الحتمي أو غير الاقصائي أو الذي يرفض التفويض أو التخويل الأبدي للقيادة كما عبر عنه قيس عبدالكريم، مع منهج الغزل مع المستقبل الذي يجعل القطيعة مع الخلافات بمنهج التقبل للآخر سِمة قد نفهمها مما قاله ناصر الدين الشاعر ومن المتحدثين الثلاثة معًا.

إن الناس لن تتقبلنا مع التحزبات والحزازيات، ولن تقبلنا مع العقل المغلق والعقل الاقصائي ولن تقبلنا مهما تلفّعنا بالدين فالدين للجميع والصلة الربانية أحادية بلا وسيط، ولن تقبلنا باعتبارنا حراس الوطنية الوحيدين، فكلنا من نسيج الوطن، ولا للاستبداد القيادي او المصلحية الحزبية. 

ولكن لنضع خطًا أحمر تحت ضرورة التنظيم للجهد ما لا بديل له، والتجميع للقوي، والاستقطاب للشباب، والتألف للأفكار، والتعبئة للشعب، والتحشيد للجماهير، فالمعركة القادمة أشد ضراوة، فهذه فلسطين وهذا شعبنا وهذه أمتنا، ولمن تعب ليعلم أننا ما زلنا في أول الطريق.