قد يحدث هذا لابنتي بقلم: دلال سعيد أبوجخيدب
تاريخ النشر : 2019-12-14
" قد يحدث هذا لابنتي "
جمال عبدالناصر بين الماضي والحاضر
بقلم الباحثة: دلال سعيد أبوجخيدب

لم تحظ شخصية عربية أو قيادة شعبية في تاريخ العرب في القرن العشرين بقدر من الجدل والاهتمام مثلما حظيت بذلك شخصية جمال عبدالناصر, حيث اختلفت عليه الآراء والأقوال وكثر عنه الحديث ونال شعبية جماهيرية جارفة وغير مسبوقة حتى ضمن الأجيال التي لم تعاصره , وكتبت فيه الكتب والروايات حتى وصل إلى حد الاسطورة التي بقيت خالدة إلى يومنا هذا في أذهان العرب .
ولد جمال عبدالناصر في الخامس عشر من يناير لعام 1918م في مدينة الاسكندرية لأب يعمل موظفًا في البريد عاش حياة التنقل مع والده بحكم عمله ليتعرف بذلك منذ نعومة أظفاره على أحوال الشعب المصري والطبقات الفقيرة والكادحة.
انتقل جمال للعيش في بيت عمه بعد وفاة والدته ليكمل بعدها دراسته الثانوية , كان جمال يريد دراسة الحقوق لكنه التحق بالكلية الحربية والتي عرف بين طلابها باستقامته واعتزازه بنفسه وميله إلى حياة الجد .
عرف عن جمال عبدالناصر الثقافة العالية حيث كان نهم المطالعة والقراءة فدرس أحوال الأمم والشعوب والتاريخ العربي الحديث والتاريخ الاسلامي والتاريخ الأوروبي بالإضافة لإطلاعه على العلوم العسكرية بحكم دراسته بالكلية الحربية, وتخرج من الكلية الحربية وعمل بالكتيبة الثالثة بأسيوط وهناك تعرف على أنور السادات ثم انتقل إلى العمل بالسودان.
عاد عبدالناصر من السودان ليعمل مدرساً بالكلية الحربية ويؤسس بعد ذلك تنظيم الضباط الأحرار الذي بقي سريا بين قنوات الجيش المصري .
وكانت الشرارة التي فجرت عزم هؤلاء الضباط على الثورة ضد النظام الملكي في مصر الهزيمة التي مني بها الجيش المصري في حرب 1948م ضد الكيان الصهيوني .
لقد كان جمال عبدالناصر ضابطاً في الجيش المصري حينما تم حصاره في مدينة الفالوجا الفلسطينية وقف لساعات يتأمل الموقف جيش مصر العظيم صاحب التاريخ العظيم يتم حصاره على يد عصابات وفي القاهرة هناك تحاصر مصر وتتم سرقتها من قبل الفاسدين والمستعمرين فالحل ينبع من هناك أي من مصر هذا ما تحدث به في كتابه فلسفة الثورة .
لقد كان عبدالناصر يحمل تصورًا كبيراً لإخراج مصر من حالة التبعية وإعادتها إلى مكانها الطبيعي والتاريخي في قيادة الأمة العربية لذلك منذ لحظة وصوله لسدة الحكم عام 1954م وضع برامجه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للنهوض بمصر غير آبه بالاستعمار وأدواته في المنطقة العربية ومتحديًا كل العقبات غير غافل عن الدول العربية الشقيقة التي ترزح تحت ظلم الاحتلال فمد لها يد العون والمساعدة , كل ذلك صنع منه بطلاً عربياً وقومياً رغم الإخفاقات الكبيرة التي منيت بها مصر في عهده .
عبدالناصر وبشهادة معارضيه كان يتصف بالنزاهة وعلو الهمة والبعد عن المحاباة واستغلال النفوذ كان حريصاً على الا يميز احداً من أفراد أسرته عن بقية الشعب , رفض الألقاب والسكن بالقصور وفضل بيته المتواضع .
واليوم وبعد خمسين عاماً على رحيله ونحن نطالع كتابه فلسفة الثورة نتوقف كثيرا عند جملة " قد يحدث هذا لابنتي " فعبد الناصر عندما كان يقاتل في فلسطين عام 1948م أدرك تماما أن فلسطين الخط الاول للدفاع عن الأمة العربية وحينما نتهاون في الدفاع عنها سيطال هذا الأذى الذي شاهده لطفلة فلسطينية بقرية الفالوجا تبحث عن بقايا الطعام وسط الجوع والفقر والحصار سيطال كل عربي إذا ما قاتلنا ووقفنا في وجه العداة .
فكأن عبدالناصر كان يقرأ لنا المستقبل, فأطفال فلسطين واليمن والعراق وسوريا وليبيا ولبنان اليوم يبحثون وسط الجوع والخوف عن الطعام والأمان لأن الراية سقطت وقومنا فضلوا رفع الراية البيضاء بدل القتال وغابت عنهم كلمة الزعيم عبد الناصر :
" الخائفون لا يصنعون الحرية والمترددون لن تقوى أيديهم المرتعشة على البناء "