هل كل الثورات تاكل مبادئها بقلم:عماد علي
تاريخ النشر : 2019-12-13
هل كل الثورات تاكل مبادئها بقلم:عماد علي


عند مراجعة الثورات التاريخية الكثيرة التي اندلعت في العالم شرقا وغربا سواء الغابرة منها او الحديثة، فاننا نرى ما حصلت فيها ولها نتائج مختلفة  وفق الارضية التي حدثت فيها والفاعلين الذين كانوا في طليعة العملية او الثقافة الاجتماعية للمجتمع الذي حصلت فيه الثورة او حتى الانتفاضات الكبيرة التي غيرت الواقع، عدا الظروف الموضوعية والذاتية التي احاطت بالثورة والاهداف العامة والمباديء الاساسية التي رفعتها الطلائع الثورية، فان النتائج التي برزت كانت منها غيرت العالم كالثورة الفرنسية وثورة اكتوبر ومتلاحقاتهما، فغيرت هذه الثورات العظيمة وجه البقعة التي حدثت فيها ثقافيا سياسيا واجتماعيا ومن ثم شملت العالم باجمع.

فالثورات الاوربية بعد الحروب الدامية الطويلة الامد استقرت على خير الخطوات في نهاية المطاف ودفعت بالشعوب هناك على الاتزام يالمباديء التي بنيت عليها نسبيا، اما الشرقية منها فكانت مختلفة كثيرا، نتيجة عدم الاخذ بالاعتبار الخصوصيات والثقافات، فكان السير على تقليد ما حدث هناك غربا  دون الاخذ بالصفات والثقافة العامة وتاريخ وما ورثوه من السلبيات التي افرزتها الميتافيزقيا اكثر من الاستناد على العلمية في العمل هنا شرقا.

فلا نريد ان نكثف التوجه ونركز هنا القول عما جرى في الثورات العديدة التي حصدت ارواح دون نتائج منتظرة منها واخرى نجحت نسبيا بالتفصيل، بل كا ما يهمنا ان نتطرق اليه في كلامنا هو نتيجة النهائية للثورة وهل بقيت الثورة على ما هي عليه من كافة النواحي ومها الاهداف والتوجهات والعاملين  على قيادتها، وهل من اصبح في طليعتها كان مصرا على الوعود والشعارات ام مرحلة مابعد الثورة اصبحت مختلفة تماما عما كان المنتظر منها.

فهنا يجب ان نعيد الى االذهان ما حدثت اخيرا من ما سميت بثورات الربيع العربي واخيرا ما نراه في لبنان والعراق من الانتفاضة  المستدامة منذ اكثر من شهرين والمتغيرات والموانع والاهداف المعلنة وما يريده الشعب منها ومن يقف ورائها، ولكل منهما خصوصياتها وان كانتا متشابتان في اساسا الى حد كبير، فالمكشوف ان الاطراف التي تقف سرا امام البعض متشابهة في الثورتين بينما الطرف الاخر المضحي الثائر هو الشعبان المظلومان.

الجيل الجديد له تطلعات وتوجهات وحتى عقلية حديثة نابعة من افرازات وارضية العولمة والمعادلات التي برزت نفسها بعد التواصل الاجتماعي وخلط الثقافات في وسط الاطماع والموانع الراسمالية العالمية التي تعمل على ترسيخ وضمان مستقبلها اينما اعتقدت تهمها وما يهمها هو بقاءها من اجل البقاء فقط، فان الربح المادي الدائم في اي ظرف وطريقة كانت، اقتصاديا اولا ومن ثم تسييس القانون وضمان الارضية لاستدامة مصالحها الذاتية المعينة فقط. اي  ان الثورات المندلعة اصبحت لها الوان وروائح مختلفة ايضا نتيجة المستجدات والتغييرات العالمية المؤثرة عليها في كافة بقاع الارض. المحاور كثرت وبعض الاقطاب اختفت ومن ثم  برزت اخرى والصراعات على اشدها بطرق مختلفة وامفرح لازالت سلمية والسياسة والحيل والخداعات هي التي تحكم، ومع ذلك  يريد كل طرف اعلاء شانه والقاء شروطه على الاخر من اجل بقاء تعاليه والسيطرة على الاخر باسماء ومفاهيم وادعاءات مختلفة واكثرها مزيفة على ارض الواقع.

المتغيرات فرضت نفسها وعليه فان الطليعة بيد العقل الحديث و يجب ان تكون الطليعة من الجيل الجديد لقيادة الثورات مهما حاولت الاجيال التي اكل منها الزمن وشرب من محاولة مقاومتها للحديث والجديد  من اجل البقاء على القيادة واعتلاء المنصات. فالجيل المتفهم للمتغيرت هو من يتمكن من انجاح ما يمكن ان نسميها الثورة العصرية او انتفاضة، وبطرقه وعقليته وادواته. فالثورة كانت ام الانتفاضة التي يديرها الجيل الجديد الملائم اكثر احتمالا للنجاح، وهي الثورة التي يديرها اعقل العصري المائم هي التي يمكن ان لا نتوقع ان تاكل القيادت فيها نفسها او تلغي مبادئها كما حصل من الثورات الكثيرة في العالم من قبل على ايدي الاجيال المستهلكة المبتذلة.