البداية من هنا بقلم: م . نواف الحاج علي
تاريخ النشر : 2019-12-12
البداية من هنا بقلم: م . نواف الحاج علي


( لندن 3 اكتوبر 1973)
أخذت مكاني بجانب السيده العجوز بعد أن أديت التحيه وكانت تتابع فيلما على شاشة التلفاز – أخذت اتابع معها الفيلم فوقع نظري على لوحات سيارات الشحن والتي كانت مكتوبه باللغه العربيه فظننت للوهلة الاولى أن الفلم فد تم تصويره في احدى الدول العربيه – تابعت المشاهد فاذا أحداث الفلم تدور حول احتلال فلسطين عام 48.
شاهدت شابا عربيا يرسم على التراب خطوطا ويقول للقائد الصهيوني : من هنا من باب الواد يمكنكم الوصول للقدس ، أما منظر شباب العرب الاخربن الذين يرتدون الكوفيه والقمباز فكانوا منشغلين داخل القدس بأعمال السلب والنهب ويحملون على ظهورهم أكياس الحبوب ويهربون ---
قلت للسيده البريطانيه : هل تعرفين شيئا عن القضيه الفلسطينيه ؟؟ فقالت وهل لذلك علاقة بالفلم ؟ ، قلت هل تشاهدين اؤلئك اللصوص والخونه – انهم أنا !!!! – ركزت انتباهها نحوي وقالت ماذا تعني بكلمة أنا !!؟ قلت هل تصدقين أن شابا مثلي قادم الى جامعة بورتسموث - جاء لعمل دراسات عليا في هندسة الطرق والمواصلات يمكن أن يكون لصا وخائنا لوطنه --- ان الاعلام الصهيوني قد أعمى قلوبكم قبل ان يعمي أبصاركم – لقد وقفنا معكم في الحرب العالميه الأولى ضد أخوتنا في الدين ( العثمانيون ) ، وصدقنا وعودكم الكاذبه بجعل الوطن العربي موحدا حرا كريما بعد أن تنتصروا في الحرب- في نفس الوقت الذي كنتم تتآ مرون فيه مع الفرنسيين لتجزئة العالم العربي الى دويلات هزيله ، بل ذهب وزير خارجيتكم" بلفور" الى اعطاء وعد لمن لا يستحق بانشاء وطن قومي لهم في فلسطين وكأن فلسطين ملك لوالده – هؤلاء الغرباء عن هذه الأرض والذين لا يمتون لها بصله ، والذين ليس للعرب يد فيما تعرضوا له من أذى على أيدي الأوروبيين، وتسببتم أنتم الانجليز في تشريد شعب فلسطين من أرض آبائه وأجداده - كان يعيش في أمن وسلام مع العالم كله – ان لعنات التاريخ ستطاردكم الى يوم الدين – انكم تتحملون المسؤولية الأخلاقيه عن تشريد هذا الشعب ان كان لكم بقية من الخلق ؟؟؟؟؟؟؟
ردت علي بابتسامة باهته – أولا اعرفك بنفسي -- " مارجريت " – استاذة القانون الدولي سابقا في احدى جامعات الشمال البريطاني، جئت هنا لأستمتع بضعة أيام بدفء الجنوب – اصغي الي جيدا يا بني ، أنتم معشر الشباب في كل مكان تعيشون في مثاليات واهمه وأحلام زائقه – أريدك أن تفهم أن هذا العالم الذي نعيش فيه عباره عن غابة كبيره لا مكان فيه للضعفاء، انهم يداسون تحت الأقدام ، ولا مكان فيه للاخلاق - تقوم العلاقات بين الدول على المصالح الماديه المجرده - وأن ما تسمعه عن الطلب من الدول الضعيفه التقيد بالديمقراطيه وحقوق الانسان ما هي الا وسائل لابتزاز تلك الدول ونهب خيراتها ، وجعلها فريسة سهله تدور في فلك الدول القويه -- لا مكان للضعيف - هل فهمت الان ؟؟؟؟
أما بالنسبة لما تسميها قضيتكم المركزيه فأنتم أيها العرب دائما ما تلقون باللوم على غيركم ، وعندكم كلمة المؤامره جاهزه لتبرير هزائمكم وأخطائكم - كما قال الكاتب الايطالي " البرتو مورافيا " : ما أمهرنا في التماس المعاذير - ياتي زعماؤكم وأصحاب الملايين منكم للغرب وكل همهم ينصب على اللهو والعبث – دلني على واحد منهم فكر في شراء جريده أو محطة تلفزه أو أية وسيله لتوضيح قضاياكم ، انكم تكلمون انفسكم وكأنكم في عالم اخر!! دلني على سفير عربي فكر في القاء محاضرة في احدى الجامعات البريطانيه ، انكم اسوأ محامين لأعدل قضيه ----
ان الشعوب الغربيه لا تتلقى المعلومات الا من طرف واحد وهذا الطرف هو الصهيوني وهو منظم تنظيما جيدا وبهذا ينالون التاييد من الغرب ---
ان العالم الغربي يا بني بحر واسع يستطيع أن يسبح فيه من يجيد السباحة فقط --- هل فهمت الآن ؟؟؟؟؟ متى تتعلمون السباحه ؟؟؟؟ لقد استفزني كلامها رغم شعوري بمصداقيته --
قلت يا سيدتي هناك حقيقة أزليه وهي أن الظلم لن يدوم، وان الحق سوف يعلو ولو بعد حين - ولن يضيع حق ووراءه مطالب --- وسوف نطرد هؤلاء الغزاه كما طردنا الغزاة من قبلهم، هل سمعت عن صلاح الدين وقلب الأسد --؟؟؟ اومأت لي برأسها وكأنها تجاملني ولسان حالها يقول : بتحلم ؟؟؟؟
---
بعد أيام من الدوام بالجامعه اشتعلت حرب 73 بين العرب واسرائيل اجتمع الطلاب المسلمون في مبنى اتحاد الطلبه المسلمين مساء ، وجرت الانتخابات وتم انتخاب رئيس لاتحاد الطلبه المسلمين ، وذهبنا في اليوم التالي بالحافلات الى لندن وشاركنا بالمظاهرات وكدنا نصطدم مع المظاهرة الاخرى الذي نظمها الصهاينه لولا تدخل الشرطه البريطانيه – مرت رئيسة وزراء اسرائيل – " جولدا مائير" - آنذاك في طريقها الى امريكا فصرحت : بانه لا يوجد شعب اسمه فلسطينيون هؤلاء أشباح ، فبعثت بعدة رسائل الى الصحف البريطانيه وقلت : (انا فلسطيني ) ولست شبحا ، ومن لم يصدق فليأت ليراني ، وكنت يوميا تقريبا ابعث برسائل للصحف واشرح للطلبه والأساتذة عن عدالة قضيتنا
حين كنت في الفندق في لندن قبل توجههي الى بورتسموث ، وقد اجتمع مجموعة من الشباب العرب ----يريدون قضاء ليلة في احدى دور اللهو الماجنه ، وذاك الشيخ الكبير يريد الذهاب معهم وهم يقولون له : هذه الحفلات لاتصلح لك ؟ وهو يقول لهم : ( ايش عليكم كيفي ) ؟؟
ذهبت في احدى الليالي مع زميل تايواني الى مبنى اتحاد الطلبه ليلة السبت واذا بي افاجئ بالشخص الذي انتخبناه رئيسا لاتحاد الطلبه المسلمين وهويراقص فتاة بريطانيه ؟؟؟؟؟؟
دعاني طالب عربي الى طعام غداء يحتوي على مادة الأرز وهي نادرة هناك واذا بي افاجئ بأن صاحبنا يسكن مع طالبتين بريطانيتين بنفس الشقه ، ورجاني أن لا أخبر أهله في الكويت ؟؟؟؟؟؟
أما صاحبنا الشاب العربي الاخر ، فقد كنا نهرول نازلين درجا عريضا يمر من بين المساكن عائدين من سهرة عند بعض الزملاء، فاذا به يصرخ عاليا بعبارات مزعجه وباللغة العربيه ؟ فقلت له ما هذا فاذا به يقول : اريد أن أنتقم من هؤلاء الذين أذلونا ، قلت له ليست هذه هي الطريقه الحضاريه لذلك ، فانت تضيف حقدهم على العرب ولكن كن مثلا طيبا في الاخلاق تعطي النتيجه المرجوه ؟؟؟؟
تذكرت العجوز الانجليزيه وأنا أمر على هذه الأحداث مع هؤلاء الطلبه فما بالك بأفعال اصحاب الملايين العرب ؟؟؟؟؟
لقد ترسخت في ذهني قناعة تامه أن الشعارات الجوفاء التي ننادي بها والتوسلات التي نتوسل بها للأعداء و للغرب لن توصلنا الى الحد الأدنى من حقوقنا ، ولا بد من اصلاح أنفسنا أولا وقبل كل شيء – لابد من ثورة أخلاقيه عامه تقوم على قواعد ثابته مستمده من مبادئ ديننا الحنيف وقيمنا الراقيه ، مقتفين تراث أجدادنا الذين فتحوا العالم ليس بقوة السلاح فحسب ، بل بالمثل والقيم الاسلاميه المرتكزه على العدل والتسامح والمحبة الصادقه وصدق الانتماء وعدالة التعامل دون تشنج أو مغالاه – لابد ان نعتمد على أنفسنا بعد ان نتحصن بالقيم الاخلاقيه ، وأن نعيد الثقة لأنفسنا دون تواكل أو اتكال ، الا على الله ثم على أنفسنا ---
( ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم واذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال )
صدق الله العظيم