الانتخابات..الصندوق الساحر الذي قد يغير من حال الى حال ويحدد مصير الشعوب
تاريخ النشر : 2019-12-12
الانتخابات..الصندوق الساحر الذي قد يغير من حال الى حال ويحدد مصير الشعوب


الانتخابات...الصندوق الساحر الذي قد يغير من حال الى حال ويحدد مصير الشعوب
د. سمير الددا
 حمى الانتخابات التي تكتسح العديد من دول العالم في هذه الآونة تحظى باهتمام وكالات الانباء ووسائل الاعلام العالمية والاقليمية والمحلية، لما لها من تأثير حاسم على مصير الامم والشعوب في المجتمعات التي تقوم بها, وأيضا لما للممارسة الديمقراطية ذاتها من وهج اعلامي وسحر خاص يشعر الانسان بحقه في اختيار ممثليه ومشاركته في صوغ السياسات وصنع القرار (بشكل ما).
فمثلا في فلسطين تجري الاستعدادات هذه الايام على قدم وساق لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية جديدة بعد مرور اكثر من 13 عاما على اخر انتخابات جرت هناك وفاز حينها مرشح حركة فتح محمود عباس بالانتخابات الرئاسية ورئاسة السلطة فيما فازت حركة حماس بالانتخابات التشريعية والاغلبية في المجلس التشريعي وتشكيل الحكومة برئاسة مرشح الحركة اسماعيل هنية, وكان من المقرر وفقا للقانون اجراء انتخابات جديدة بعد 4 سنوات إلا ان ظروف الانقسام وتفرد كل من فتح وحماس بالسيطرة على جزء من ما تبقى من الوطن حال دون ذلك حتى تاريخه, ويبدو مؤخرا أنه قد تم الاتفاق بين الفصائل الرئيسية على اجراء انتخابات جديدة ستكون في الربع الاول من العام القادم على الارجح.
في الوقت الذي تشهد فيه الاراضي الفلسطينية في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة تعثرا او لنقل شحا انتخابيا، يشهد الجزء الاكبر من فلسطين "اسهالا" انتخابيا صهيونيا ان صح التعبير، حيث جرت هناك جولتي انتخابات عامة في شهري نسيان/ابريل وايلول سبتمبر الماضيين، الا انهما لم تسفرا عن نتائج حاسمة تمكن اي من التكتلين السياسيين الرئيسيتين على الساحة السياسية الاسرائيلية (تكتل الليكود وتكتل ازرق والبيض) من تشكيل حكومة تحظى بأغلبية برلمانية مما اجبر الكنيست على حل نفسه والذهاب الى جولة انتخابات جديدة في شهر اذار مارس القادم هي الثالثة خلال اقل من عام كما جاء على القناة 13 الاسرائيلية صباح اليوم الخميس.
وكانت تونس قد فاجأت العالم منذ أقل من شهرين بانتخاب رئيس جديد لها من خارج نادي السياسيين المحترفين في خطوة فاجأت العالم وحظيت بإعجاب واحترام وتقدير دولي واسع.
وفي شمال الكرة الارضية، شهدت فنلندا (اول بلد في العالم منح النساء حق التصويت والترشح للبرلمان وذلك في عام 1906) هذا الاسبوع انتخابات "حزبية" عقب استقالة رئيس وزرائها السابق انتي ريني على اثر اضراب عمال البريد في بلاده وأفرزت تلك الانتخابات أصغر رئيسة وزراء عمرا في العالم هي سانا مارين وزيرة النقل في الحكومة المستقيلة والتي لا يتجاوز عمرها 34 سنة. (أكبر رئيس وزراء في العالم هو د. مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا ويبلغ 94 سنة).
ومن المفارقات الطريفة, ان سانا مارين تترأس ايضا الائتلاف الحاكم المكون من خمسة أحزاب ترأسها جميعا نساء (حزبها الاشتراكي الديمقراطي هو اكبرها وفاز في الانتخابات البرلمانية في شهر نسيان/ابريل الماضي), ثلاثة منهن في مثل سنها او اصغر وواحدة فقط تكبرها وكلهن أصبحن وزيرات في الحكومة, لي اندرسون 32 سنة وزيرة للتعليم, كاتري كولموني 32 سنة وزيرة للاقتصاد, ماريا اوهيسالو 34 سنة وزيرة للداخلية, وآنا-مايا كريتسيتا هنريسكون 55 سنة وزيرة للعدل,,,,,,,يبدو ان الوزيرات الحسناوات هن السر وراء تصنيف فنلندا كأسعد بلد في العالم لهذه السنة 2019.
أما في الجزائر فصوت الانتخابات يعلو ولا يعلا عليه في هذه الايام والحملات الانتخابية كانت على أشدها بما في ذلك مناظرات انتخابية اعلامية بين المرشحين لأول مرة في تاريخ البلاد، والعالم يترقب ما ستسفر عنه هذه الانتخابات المقرر اجراؤها اليوم الخميس 12 كانون اول/ديسمبر 2019, هذه الانتخابات التي تشهدها بلد المليون شهيد في غاية الاهمية، حيث أنها تطوى حقبة مهمة في عمر الجزائر هي حقبة الرئيس بوتفليقة التي استمرت على مدار العشرين عاما الماضية، ساعات قليلة فقط تفصلنا عن بزوغ فجر جزائري جديد, ادعو من كل قلبي ان يكون مشرقا ومزدهرا وخيرا وان يوفق في الاخذ بيد الجزائر نحو مزيدا من الشموخ والسؤدد والازدهار والرقي بما يليق بمكانة وقدر هذا البلد العظيم.
كذلك تشهد المملكة المتحدة هي الاخرى اليوم الخميس انتخابات برلمانية عامة, والانتخابات البرلمانية البريطانية عادة تجري مرة كل خمس سنوات بهدف اختيار الحكومة، إلا أن انتخابات اليوم هي الثالثة منذ عام 2015, حيث كانت حينها الخدمات الصحية العامة والهجرة على رأس اهتمامات البريطانيين, اليوم اصبح خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي (بريكست) هي القضية الاكبر على برامج الحزبين المتنافسين الرئيسيين اللذان يتناوبان على حكم بريطانيا منذ عام 1922, ويصوت الناخبون البريطانيون وعددهم حوالي 46 مليون في تلك الانتخابات لاختيار 650 عضوا في مجلس العموم احد غرفتي البرلمان البريطاني (أما الغرفة الثانية من البرلمان، وهي مجلس اللوردات، فهو معين بالكامل من قبل الملكة، بناء على توصيات رئيس الحكومة. ولا يُنتخب أي من أعضائه).


الانتخابات البريطانية التي تجري اليوم في المملكة المتحدة تكتسي أهمية خاصة في ضوء ما تشهده السياسة البريطانية من تناقضات وخصوصا حول قضية خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي (بريكست) والتي قد تكون هي القضية المحورية التي تجري تلك الانتخابات عليها كما سبقت الاشارة.
رئيس الوزراء بوريس جونسون (حزب المحافظين) يصطف بقوة الى جانب الخروج من الاتحاد الاوروبي وينادي بضرورة الاسراع في الخروج بكل حزم وبدون أي تردد، والذي لم يستطع حزبه تنفيذه حتى الان على الرغم من مرور حوالي ثلاث سنوات ونصف على الاستفتاء الخاص بذلك, لانه لا يحظى بأغلبية برلمانية تمكنه من تمرير اقرار قوانين تمكنه من تمرير وتنفيذ مثل هذا القرار, ويأمل جونسون أن تنتهي انتخابات اليوم بزيادة عدد النواب المحافظين لتسهيل خططه للخروج من الاتحاد الأوروبي.
في حين يرى منافسه الرئيسي جيرمي كوربن (حزب العمال) , ان الخروج لا يكون بأي ثمن ومن الضروري التريث في تنفيذ هذه الخطوة المصيرية, بل قد يذهب الى "اجراء استفتاء شعبي جديد على الخروج من الاتحاد الاوروبي للاطمئنان على ارادة الشعب" كما قال, ولن يتردد في تنفيذ هذا القرار اذا اكد الشعب اختياره في الاستفتاء الجديد كما جاء على لسانه في مناظره مع بوريس جونسون الشهر الماضي, ويأمل كوربن أن تسفر انتخابات اليوم عن فوز حزبه وبدء عهد جديد في بريطانيا وانهاء حكم المحافظين الذين يحكمون اليلاد منذ ابريل 2010.

أخر الكلام:
الانتخابات البريطانية لها جاذبية خاصة وتستحوذ على اهتمام واسع لدى وسائل الاعلام العالمية، لما لها من اهمية كبيرة، ليس فقط داخل بريطانيا، بل خارجيا ايضا وخصوصا السياسة الخارجية وعلاقتها مع الولايات المتحدة الامريكية ومحيطها الاوروبي.
سياسة الحزبين البريطانيين المتنافسين الرئيسيين في الشرق الاوسط متباينة، فسياسة حزب المحافظين الحاكم الشرق اوسطية تعتبر ظلا للسياسة الأميركية وان بدا هناك بعض الاختلافات في الخطوط العريضة مؤخرا, وخصوصا في عهد بوريس جونسون الحالي الذي يعتبره الكثير من المراقبين النسخة الاوربية من "الشعبوي" دونالد ترامب.
عام 1917 أصدر وزير الخارجية البريطانية الاسبق أرثر بلفور الوعد المشؤوم واعطى بموجبه وطنا لليهود في فلسطين كان من حزب المحافظين، وفي عام 2017 رعت تيريزا ماي رئيسة الوزراء السابقة احتفالا كبيرا في لندن دعت اليه رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو بمناسبة مرور مائة عام على اصدار هذا الوعد, ورفضت اكثر من مرة الاعتراف بالمسؤولية التاريخية البريطانية عن مأساة الشعب الفلسطيني ورفضت مرارا الاعتراف بالدولة الفلسطينية هي ايضا من حزب المحافظين.
اما على الطرف الاخر, فقد صرح زعيم حزب العمال جيرمي كوربن عدة مرات ان من أول قرارته في حال فوز حزبه واصبح رئيسا للوزراء سيكون انصاف الفلسطينيين والاعتراف بدولتهم.
أسأل الله العظيم رب العرش ان يفوز كوربن وحزبه.
وانتم كثفوا الدعاء.
[email protected]