كن فيكون بقلم: عادل بن مليح الأنصاري
تاريخ النشر : 2019-12-12
كن فيكون بقلم: عادل بن مليح الأنصاري


كُن فيكون ( عادل بن مليح الأنصاري )

يحاول علماء الفيزياء والكيمياء منذ بدء الخليقة الإجابة على التساؤل التالي :
كيف بدأ الخلق ؟
ولا يخفى علينا أن تلك التساؤلات والأبحاث القديمة والحديثة لا تلتفت لجانب الدين والعقائد , وإنما تبحث عن الإجابات في إطار علمي بحت , ربما لأن الغالبية العظمى من أولئك العلماء هم ملحدون أو لا دينيين , وحتى لو كانوا مؤمنين بوجود الخالق إلى أن رغبة البحث العلمي المجرد من الإيمان العاطفي طغت على مخيلاتهم وفضلوا المحاولات العلمية الرياضية والفيزيائية أو الكيميائية لوضع إجابات علمية يطمئنون لها , فالعاطفة الإيمانية لا تشبع اللهفة للوصول لإجابات علمية قطعية لا تقبل الشك من وجهة نظرهم .

ولا شك أن السؤال الأهم والذي لم يجد له أولئك العلماء إجابة هو :
بأي سلسلة من سلاسل التفاعل الكيميائي استطاعت الذرة تكوين أول كائن حي ؟
ولا تبتعد بعض أبحاث ونظريات الفيزياء أيضا عن هذا التساؤل بصيغ أخرى , مثلا السؤال الذي لم يجد له علماء الفيزياء أيضا إجابة وحتى أكثرهم عبقرية وهو :
كيف تكتسب المادة كتلتها , ولماذا هناك مادة ليس لها كتلة وأخرى لها كتلة ؟
ولا تخفى على المتابع الكم الهائل من الأبحاث التي تدور حول المادة ونشأتها وبداية تكونها , وهي وجه أخر لسؤال الكيميائيين عن نشوء أول مظهر من مظاهر الحياة من سلسلة التفاعل الكيميائي البدائي .

يقول علماء الكيمياء :
(هناك ذرة واحدة تحمل المفتاح إلى حل لغز الأنظمة الحية , وهذه الذرة هي الكربون , وضمن دراسة مركبات الكربون "الكيمياء العضوية" يقول العلماء باختصار أن ذرات الكربون تتحد بسهولة مع ذرات الكربون الأخرى , وهذه المرونة في التشكيل الهيكلي تؤدي إلى ظهور جزئيات تأخذ صورا وأشكال متعددة تتفاوت من أشكال بسيطة جدا إلى أشكال غاية في التعقيد , ومن هذه التعقيدات نشأ ما يعرف بالحياة ) .

وبداية نعرف أن نظريات النشوء مرت بمراحل عدة عبر تاريخ البشر بدء بالدين ومرورا بالخيال , وحتى دخول العلم على الخط التاريخي بشكل أكثر جدية ومنطقية حسب رأي العلماء , ومرت تجارب العلماء في هذا المجال بقفزات تاريخية وعلمية على مدى مئات السنين , ولعل أهمها تجارب (التوالد التلقائي للكائنات الحية المعقدة) , حتى قام "باستير" بتجارب على التوالد التلقائي وأثبت استحالته نهائيا .
وخلاصة التجارب تتمحور حول فكرة أن كل كائن حي نشأ من كائن حي سابق , ولكن كيف نشأ الكائن الحي الأول ؟
ولا يخفى على أي أحد أن بعض النظريات التي طُرحت حول نشأة الحياة من خلال "بذور حياتية" سقطت من كواكب أخرى لا يقدم إجابات علمية واضحة عن نشأة الحياة ,
طرح العالم الروسي "أوبارين" نظريته حول غاز الميثان والنشادر والهيدروجين والماء , وأن هذه العناصر كانت موجودة على الأرض منذ الأزل , وأنها تعتبر المواد الأولية لنشأة الحياة , وسلسلة التفاعل مرت بالتالي , كان التحكم في سلوك هذه المواد عن طريق خصائص ذراتها المركبة , وترتيب هذه الذرات في البنية الجزيئية , ونتيجة لنمو وتعقد الجزيئات خرجت خصائص جديدة .
ثم ظهرت نظرية "الحساء البدائي" لهالدين , والناتج عن تأثير الأشعة فوق البنفسجية على التفاعلات الكيميائية والتي أدت باختصار من انتاج كائنات حية أولية تستمد غذاءها من الأطعمة العضوية التي تحيط بها , ثم أنتجت تلك الكائنات كائنات أولية تشبه الفيروسات .

ولكن اكتشاف البنية الأساسية للجزيء الذي يحمل الشيفرة الوراثية ألDNA تغيرت نظرة علماء الكيمياء في البحث عن نشأة الحياة وأدركوا أنها أعقد بكثير مما تخيلوا , ربما غرق العلماء لفترة من الوقت في متاهات البحث عن الاكتشاف الجديد وطريقة عمله في الخلايا الحية ونظم و تفاعلات وتعقيدات المكتشفات الجديدة بعيدا قليلا عن البحث عن أصل ومنشأ الحياة .

الخلاصة ,, وبعد تعقيدات لانهاية لها في نظريات وأبحاث نشأة الحياة منذ نظرية غاز الميثان والنشادر والهيدروجين والماء , ومرورا بخلايا الآراكيا , واكتشاف DNA , ظهرت أسئلة معقدة لا إجابات لها مثل :
- ماهية ونسب المواد الخام .
- دور درجة الحرارة ومقدار المياه المتوفرة .
- هل كانت المحفزات موجودة أو لا .
- هل كانت المحفزات عضوية أو غير عضوية .
- ما مصدر هذه المحفزات .
- ما هي الطرق الكيميائية التي استخدمت .

ربما تتمحور نظريات علماء الكيمياء في البحث عن نشأة الحياة حول بداية تفاعلات كيميائية على الأرض بتوفر جزيئات متاحة , وتحت ظروف سادت في ذلك الوقت , وهي ما تعرف بفترة الإمطار الكويكبي من 100 إلى 500 مليون سنة , وقد سرد العلماء تلك التحولات والتفاعلات في ستة مراحل يصعب على المتابع العادي استيعابها , ولكن أفضل توصيف لها كونها قد تسبب نشأة الحياة ما قاله عالم الفلك "هويل" :( إن الرياح التي نهب على فناء به قطع من الحديد الخردة يمكنها تجميع طائرة بوينج747 من تلك المواد ) .

لا شك أن الفضول هو أكبر الدوافع لتلك البحوث والنظريات التي استمرت مئات السنين حول فك رموز أصل ونشأة الحياة , ولكن يبقى السؤال الأصعب والذي لن يجد له العلماء إجابة , ماذا لو حللتم اللغز وعرفتم أن نشأة الحياة كانت من اتحاد ذرة معين ونفترض الكربون مع بيئة خاصة وحرارة خاصة وضغط خاص وتفاعل خاص أدى لظهور أول شكل بدائي للحياة , ألا يحق لنا طرح سؤال أخر , لماذا تبرعون في تحليلاتكم ونظرياتكم واكتشافاتكم المعقدة والتي ربما تتطلب سنين أخرى لا يعلم مداها إلا الله وتتجاهلون السؤال الأهم :
كيف نشأت ذرة الكربون ؟ وكيف نشأ الميثان والماء والهيدروجين أساسا ؟
لو كان هذا الخليط أو غيره يحل لغز نشأة الحياة , فمن يحل لغز نشأة هذا الخليط ؟

هنا نتذكر نظريات علماء الفيزياء حول نظرية الكل والأوتار الفائقة والتي تدور فكرتها أن كل ما نراه في الحياة ومن أشكال المادة ربما يعود لاختلاف الاهتزازات في الأوتار الفائقة التي تكون الكواركات والتي تكون بقية أجزاء الذرة من نيترون والألكترون , فكيف وُجدت تلك الأوتار ومن استطاع تكوين العالم المادي بكل اختلافاته وأنواعه من مجرد اهتزازات لا ترى من أوتار لا ترى ؟

هنا تتلاقى أسئلة الكيميائيين والفيزيائيين حول نشأة الحياة والمادة حول إجابة واحدة لن يجدوا غيرها مهما طالت ابحاثهم وتنوعت واستمرت , فإجاباتهم تبدأ من نصف المسافة وتتجاهل بدايات الأسئلة , من أنشأ البدايات التي تفترضون اكتشافها , فلو افترضنا جدلا أن العلماء توصلوا أخيرا وبغض النظر عن تعقيدات النظريات وما يمكن أن يُكتشف أن الكربون أصل الحياة , وأن أشكال المادة تكونت من اهتزازات الأوتار الفائقة , فكيف نشأ الكربون , وكيف نشأت الأوتار الفائقة ؟ وهل لو تمعنا في أعقد أشكال النظام البشري داخل العين أو المخ أو حتى داخل شعرة سنقتنع أنها حدثت بسبب وقوع ذرة كربون في ظروف خاصة وتحت ضغط وحرارة خاصة لتنشئ تلك التعقيدات الخرافية التي لا ينفك العلماء من اكتشافها كل يوم ؟

كلما توغل العلماء في شتى المجالات وعبر الزمن في علومهم يقدمون للبشرية الأدلة وراء الأدلة أن هذا الكون بتعقيداته من عالم الكواركات وحتى عالم المجرات يستحيل أن يكون عبثا أو تفاعلات عشوائية وقعت تحت قدرة الصدفة المحضة , لا ضير في البحث والمعرفة والوصول لأدق الإجابات عن الكون والإنسان والطبيعة , لأن طلب المعرفة هي سنة ربانية خُلقت في البشر , ولكنها ينبغي أن تقود في النهاية نحو الإيمان بأن كل خوارق الكون من أصغر مخلوق في أعماق المحيطات وحتى أكبر مخلوق في المجرات تنحدر من كلمة واحدة تجسد وحدة الوجود وتشابه البدايات , وتخضع لنظام دقيق معجز لا تصنعه إلا كلمة خالق هذا الكون الواحد عبر حرفين فقط (كن) فيكون .