فلسطين والتحالف الإسلامي في كوالالمبور بقلم: عماد عفانة
تاريخ النشر : 2019-12-12
فلسطين والتحالف الإسلامي في كوالالمبور بقلم: عماد عفانة


فلسطين والتحالف الإسلامي في كوالالمبور

كتب: عماد عفانة

خلال القمة الإسلامية المصغرة بين خمسة دول فقط، والمقرر عقدها في 17 من الشهر الجاري، أعلن التسعيني المخضرم مهاتير محمد رئيس الوزراء الماليزي، أنه سيتم الإعلان خلاله عن انطلاق العمل المشترك بين ماليزيا وتركيا، باكستان، اندونيسيا وقطر، بهدف تظافر الجهود لتوحيد العقول والقدرات معا، بهدف النهوض بالحضارة الإسلامية التي قادت العالم على مدى قرون طويلة من جديد.

لم تحظى دول العالم الإسلامي بإطار جامع يوحدهم سوى منظمة العالم الإسلامي والتي تحولت فيما بعد الى منظمة التعاون الإسلامي، والتي كانت منذ انطلاقها مجرد إطار شكلي بلا عجلات، لم ينجح ولم يعمل أصلا على توحيد قوة وقدرات وإمكانات العالم الإسلامي في إطار تحالف على غرار الاتحاد الأوروبي أو حلف الناتو أو السوق الأوروبي المشتركة، لإعادة القوة والهيبة لهذه الحضارة التي قادت العالم على مدى قرون طويلة.

هذه القمة ربما تنجح في تأسيس اتحاد إسلامي جديد على غرار الاتحاد الأوروبي للنهوض بالعالم الإسلامي، وانقاذ نحو 1.7مليار مسلم من البقاء في خانة والدول النامية والمتخلفة.

ماليزيا، اندونيسيا، تركيا، باكستان، وقطر، ستجتمع هذه الدول الخمس المزدهرة بحضور 450 مفكرا وباحثا وعالما بهدف تشكيل نواة عالم إسلامي، على طريق خلق قوة إسلامية عظمى على جميع الأصعدة، بداية بطاقة بشرية هائلة تبلغ نحو 500 مليون نسمة، نحو أكثر من نصفها 264 مليون نسمة منهم في اندونيسيا وحدها، وأكثر من 80 مليون في تركيا، رغم هذا التعداد البشري الكبير، فان الكم البشري هذا لن يكون عنصر القوة الوحيد للتحالف الجديد، اذ تحوز الدول الخمس مجتمعة على:

-         مساحة جغرافي تمتد على أكثر من 3 ملايين كم، تبسط اجنحتها بين قارتي أوروبا واسيا.

-         قوة اقتصادية ذات موارد طبيعة كبيرة في ماليزيا، وقوة مالية ضخمة في قطر، وثقل اقتصادي وتجاري كبير في تركيا الناهضة، حيث بلغة صادراتها العام الحالي أكثر من 11 مليار دولار.

-         كما تحتل الدول الخمس مراكز متقدمة ضمن أكبر 55 دولة من حيث الناتج المحلي.

-         فضلا عن قدرة كبيرة على التأثير السياسي باعتبار الباكستان قوة نووية بأكثر من 140 رأسا حربية نووية، وبجيش يضم أكثر من 600 مليون جندي، لتكتمل بذلك الحلقة المفقودة، ويكون التحالف قوة عظمى متكاملة، اقتصاديا وعسكريا، من شأنها أن تقود العالم الإسلامي الى مرحلة جديدة، يتخلص فيها من التبعية للتكتلات الأخرى.

"يوما ما كانت هناك حضارة إسلامية عظيمة، أذهلت العالم كله" قالها مهاتير محمد والأمل يحذوه وهو المخضرم التسعيني، ألا يغادر مسرح الحياة قبل ان يؤسس لنهضة أمة الإسلام من جديد، ومساعدته على الإفلات من قبضة الماسونية التي سيطرت على أغلب حكامها وما زالت.

الحلف الجديد سيزعج لا محالة القوى الاستعمارية التي تقتات على ضعف هذه الأمة وخيراتها التي لا تنضب، والتي حرصت وما زالت على أن تبقي ضعيفة وممزقة.

كما سيزعج هذا الحلف الجديد المملكة السعودية التي تعتبر نفسها دار الإسلام والمسلمين والمتحدث الرسمي باسمهم، ذات البعد الديني والروحي العميق لوجود الحرمين الشريفين في جزيرة العرب، والتي حاولت أمريكا الدعوة لإنشاء "ناتو إسلامي" بقيادتها إلا أنه باء بالفشل.

التحالف الجديد لا يبدوا أنه موجه ضد أحد، بيد أن مهاتير سيعلن إطلاق نهضة إسلامية وتوحيد العالم الإسلامي، والمساعدة في تخفيف تبعية الأمة الإسلامية وإخضاعها من قبل الآخرين، وهذا الهدف بحد ذاته موجه لكل أعداء الأمة على اختلاف مواقعهم.

أما فلسطين المنكوبة بالاحتلال منذ 71 سنة، فلم تجد لها ظهرا عربيا للاحتماء به، ترجوا دعمه واسناده، وتستظل بظله سوى جامعة الدول العربية، تلك الصنيعة البريطانية التي أقيمت لضمان بقاء العرب تحت هذا الإطار الشكلي المكبل، لا تؤسس لوحدة حقيقية، ولا عملة موحدة، ولا لقوة عسكرية موحدة، ولا حتى لسوق عربية مشتركة على غرار السوق الأوروبية، رغم الوفرة المالية والبشرية والثروات الطبيعية الضخمة التي تتمتع بها.

وربما هي الأقدار وحدها هي التي رتبت تزامن جولة إسماعيل هنية رئيس حركة المقاومة الإسلامية حماس الخارجية منذ ثلاث سنوات، وزيارته لماليزيا مع انعقاد هذه القمة، وحضور هذا الملتقى الإسلامي الكبير ليرفع صوت فلسطين عاليا، مذكرا الأمة وهي تمر بهذا التحول الهام بمسؤولياتها تجاه مسرى رسول الله السليب، ومطالبا أن تكون فلسطين دعمها واسنادها على مختلف الصعد على رأس جدول أعمالها تحت شعار القدس تجمعنا القدس توحدنا.

ليشكل هذا التحالف قوة رادعة بداية للتغول الصهيوني على الدم والحق الفلسطيني، مع الأمل أن يرسى هذا التحالف نواة لقوة عسكرية تصل لمرحلة من الرشاد والنضوج ما يؤهلها للقيام بعبئ التحرير.