سيرين زروقي الليلة الأخيرة قبل الجنون بقلم:د. فتحي عبد العزيز محمد
تاريخ النشر : 2019-12-11
سيرين زروقي الليلة الأخيرة قبل الجنون بقلم:د. فتحي عبد العزيز محمد


سيرين زروقي والليلة الأخيرة قبل الجنون
د. فتحي عبد العزيز محمد
الجنون فوضي تتفلت من خلالها الذات إلي مساحات اللامعقول .. وأحاول هنا أن أكون منطقيا وهو ما يتطلبه عنوان الرواية الأولي للكاتبة الشابة سيرين زروقي التي تعلن في بدايتها أن الرواية اعيدت كتابتها بعد أن تم سرقتها ربما لأسباب منها غرابة النص وجدته من حيث اللغة والمضمون وجماليات التناول أو خشية أن يفهم منها بشكل قاطع أنها سيرة ذاتية لكني إلي الآن لم أعثر علي من نسبها إلي نفسه.
العمل جرئ وصادم منذ العتبة الأولي الليلة الأخيرة قبل الجنون هل للجنون بداية؟ وهل ينام المرء وقد قرر أن ليلته تلك ينتهي العقل عندها ولن يصبح قادرا علي أداء وظيفته وأن صلاحيته قد انتهت. كيف يعرف المرء أنه مجنون ؟ هل سيخبره الآخرون بذلك؟ وقبل أن تمضي بنا سيرين إلي متن الرواية تواجهنا بعبارات منتقاه عن الجنون منها عبارة لإيميل سيوران تنتهي بهذه الكلمات " لعل الجنون مجرد حزن كف عن التطور" كان إيميل سيوران كاتبا ملئ بالحزن فعلا وهذا أيضا حال بطلة قصتنا سيرين والتي منحتها كاتبة الرواية اسمها.
عاشت بطلة الرواية زمن الغربة في نسخته الثالثة فالأب والجد من قبله هاجرا إلي فرنسا لم ينبت ارتباطهم بالوطن الأم فلا تزال نظرات المتعصبين من الفرنجة دالة علي كراهية بلا معني تلك النظرات تعني أنه لابد من تذكيرك انك لست منا. تتكلم لغتنا وتتعلم في جامعاتنا لكن ستبقي منفيا داخل ذاتك. بداية يوم غير مبهج كما سابق الأيام.. ترتبط سيرين ابنة العشرين بإمراة تري صورتها اينما حلت وإن رحلت منذ أعوام تلك هي أمها.وترتبط بأصدقاء ثلاث.خالد . كاتيا. روسيل.زملاء دراسة وشهود علي ما انتابها من اكتئاب وحالات من الغياب عن الوعي وتفتقد الوالد الذي تري أن دفعه إياها إلي العيش في مرسيليا وفي سكن خاص بها نوع من التخلص منها ليتفرغ لإمراة يعشقها بدلا من أن تتفرغ هي لسماع ردوده لأمراة علي الهاتف.
تبدو سيرين بعيدة عن جذورها العربية وهويتها تضيع منها تكثر من التدخين تشرب نوعا خاصا من الخمور النبيذ الأحمر وتتحدث عن النادل شخص منظم التفكير يعامل كل شخص بطريقة تناسبه مرتب جدا
تطلق الكاتبة لبطلتها العنان لتعالج من خلال جنونها مشكلات تعيش في حياة الكثير من عقلاء العالم وسيرين التي تحمل إرثا من الغربة والارتباط المرضي بأمها تري معاناة أبيها وبحثه عن طريقة لتخفيف عنها محاولة للتخلص من مراقبتها له وان مكان أمها ستملأه إمراة أخري إنها الغيرة أيضا تعيش سيرين الهلاوس مع النبيذ الأحمر وبدونه لتفاجئ في نهاية الرواية بما لا يمكنني الافصاح به .
لقد أطلقت لنفسها العنان وبدا اسلوب الكاتبة في وصف الجنون صورة صادقة رسمت بشكل طيب " اتحدث عن نفسي وانفصامي وشياطيني السبعة وسكان مدينة عقلي الوهمية أنا حدث أن اصبحت عبارة عن ثلاثة وخمسين شخصا تخيل أقع في حب شيطان وفي حب ملاك في حب ماسوني .. في حب مسلم والآن آخذ علبة شيبسي وقاعة سينما فارغة وشاشة عرض كبيرة ولك مشاهدة حرب عالمية ثالثة هل تدرك حجم الفوضي؟ رقم اربعه يطعن رقم واحد.. سبعة.. عشرون..فبطبيعة الحال أحدهم فلسطيني والآخر ممن ادعوا أن فلسطين مسكن لبني اسرائيل ههه أعجبك العرض. " بعض مما يؤرقنا يبقي بداخلنا حتى في لحظات غياب العقل.
مما لا شك فيه أن العمل الأول يكون دليلا علي ما سيمضي عليه مستقبل الكاتب وهي هنا بداية ناجحة بما تعرضه من حياة شابة وقعت تحت تأثير حادث مصرع أمها تحت عجلات قطار وارتباطها بوجه أمها التي ترتدي الأبيض وكأنها ملاك حارس أو شبح مؤرق وخوفها من فقد أبيها لصالح أخري. عمل متقن وحبكة متميزة وقد نجحت في رسم شخوص الرواية وبيان مدي قيمة كل شخصية في ايصال رسالتها وشكلت الأحداث دعما لتلك الرسالة .