خمسون تجربة ثقافية وابداعية فلسطينية بقلم: مهند طلال الاخرس
تاريخ النشر : 2019-12-11
خمسون تجربة ثقافية وابداعية فلسطينية
بقلم مهند طلال الاخرس

كتاب يضم بين دفاته لقائات مع خمسون شخصية ثقافية وابداعيةللدكتور حسن عبدالله، وهو من اصدارات مركز ابو جهاد لشؤون الحركة الاسيرة في جامعة القدس سنة 2018.

وهذه اللقائات كانت في الاصل حلقات تلفزيونية قدمها الكاتب عبر محطة وتلفزيون معا، وهاهو مجددا يمضي قدما بمشروعه الثقافي الرائد والمتأصل بجذور هذه الارض ويُكمل التجربة ويضفي عليها رونقا آخر بتفريغها لنا وتقديمها بصيغة مكتوبة رغم ادراكنا لحجم الصعوبات الجمة التي تواجه هكذا مشروع ، وهذا ان دل على شيء فإنه يدل على ان د.حسن عبدالله صاحب مشروع ثقافي رائد في هذا المجال فهو يسير وفقا للحكمة القائلة:" ان تشعل شمعة خيرا الف مرة من ان تبقى تلعن الظلام" بالاضافة الى ان حسن وامثاله يدركون اصل وطبيعة الصراع وهو صراع على الحكاية واصل الرواية في مقابل الروايات الخرافية القافزة والنافرة من سطور التاريخ المُصاغ بقلم اصحاب الخُرافة واشياعهم من السذج والماجورين وهو ما ذهب اليه محمود درويش حين قال:" من يكتب حكايته يرث ارض الكلام".

حسن عبدالله في هذا الكتاب وبجهد فردي نادر اقدم على عمل تعجز وعجزت عن القيام به المؤسسات والهيئات، فهكذا عمل يتضمن جهدا مميزا وضخما بامتياز، وقد لا يعرف اسرار هذا الجهد الا من كان قريبا او مطلعا على هكذا اعمال، وهذا يتضح جليا بهكذا عمل؛ فعند اطلاعك على نصوص الحوار تعلم جيدا حجم هذا الجهد، حتى يُخيل اليك ومن باب الغبطة او الحسد انه لا يمكن القيام بهكذا جهد دون هيئة اعداد وتحرير مكونة من طواقم متعددة، وعند مطالعتك لاحد فصول الكتاب دون تحديد تجد ان الكاتب والباحث المنهجي حسن عبدالله يوجه الحوار كما يريد، وهذا ليس دكتاتورية كما قد يفتهم وانما ينم عن مقدار البحث ومراجعة الكثير من المصادر ومطالعة معظم اصدارات الكاتب المُستضاف في الحلقة ،هذا ان لم يكن كلها طبعا، وهذا ما منح الفاضل حسن عبدالله ميزة ان تكون حلقاته مزدحمة ومركزة بالاحداث والمواقف.

بحيث يستعرض الكاتب مع هذه الشخصيات لخمسون تجربة ثقافية وابداعية، وكل ذلك الزخم تجده يمتد على مدى 520 صفحة، وبحيث تؤلف بمجملها هذا الكتاب، والذي يصلح بدوره ان يكون مرجعا ومصدرا للباحثين والمهتمين بحقل الثقافية الفلسطينية بل واكثر، فالمواضيع المطروحة ضمن سياقات الكتاب والتي تناولها الكاتب مع ضيوفه بمنهجية علمية تصلح لان تكون مدخلا لدراسة حالة الادب والثقافة الفلسطينية في اطوارها وشرائحها المتعددة، هذا عداك عن امكانية اخذها كعينة لدراسة حالة المجتمع الفلسطيني وابرز الظواهر فيه ضمن مقطع زمني معين.

على ظهر الصفحة 9 من الكتاب وفي معرض تقديمه للكتاب يقول عيسى قراقع :"يجمع اشخاصا ام يجمع تاريخا؟ يلملم المكان والزمان في حلقات تلفزيونية تفوح منها رائحة العشق والحب لهذا الوطن الجريح، جاء بهم من كل صوب، من المخيم والسجن، من المنفى والقرية والمدينة، من المسرح والجامعة، من على الرصيف في الشارع او من المظاهرة"، وقد احسن قراقع هذا الوصف والتلخيص؛ ففي هذا الكتاب يستضيف حسن عبد الله خمسون شخصية ثقافية ومبدعة ويدفعها الى ان تبوح عن صيرورة النشاة والتكوين الخاص بها والذي يسهم بدوره في تشكيل المشهد الجمعي العام لفلسطين القضية والمصير.

هناك مقولة رائجة لمالكوم اكس يقول فيها:" لن يعرف احد ماهي هويتنا إذا لم نعرفها نحن، واذا لم نعرفها بقينا حيث نحن" هكذا يقول مالكوم وهذا ما تجده في هذا الكتاب، فالثقافة بادواتها المتعددة هي الصيغة الحضارية الاكثر بياضا وبقاء والاكثر قدرة على تحديد معالم الهوية لشعب من الشعوب او لحضارة بمجملها، وهذا ما يذهب اليه حسن عبدالله في كتابه خمسون تجربة ثقافية وابداعية فلسطينية(الجزء الثاني)، اذ يذهب بنا الدكتور حسن عبدالله نحو تحديد معالم هذه الهوية الثقافية والوطنية، اذ يتناول الكاتب هذه التجارب مجتمعة من خلال التطرق الى ظروف النشاة وتطورها وجذور تكوينها وابراز المعالم الفارقة فيها ، وهي على تنوعها تشترك بجذر واحد وتتحرك بدافع واحد وهمها واحد وان تنوعت اشكاله وادواته.

في الكتاب محاورة متعددة شملها حسن عبدالله في حواره واحسن بالتغاضي عن اخرى واحسن اكثر بعدم الرد او الدخول في سجال مع الشخص المستضاف حرصا على امور كثيرة، وهنا تحضر شخصية المثقف الوطني المتسامي عن التناقض الثانوي لصالح التناقض الرئيسي، وهو اذ احسن هذا الدور قولا وفعلا استطاع بنجاح كبير ان يبقي البوصلة باتجاه فلسطين القضية والمصير والبعد كل البعد عن كل ميؤذي ويشوه هذه الصورة الناصعة لفلسطين ومثقفيها.

يقولون لكل من اسمه نصيب، وقد يكون حسن عبدالله مثال حي على صحة هذه المقولة وصوابها؛ فهو حسن بالاسم وحسن بالصورة وحسن الطباع واللسان وحسن الحضور بالمشهد الثقافي عبر قلمه الذي يكتب بالندى.

في سطور الحوار يظهر جليا كم ان الكاتب منسجم مع نفسه ومتصالح مع نفسه ومع الآخرين، وكم هو بعيد عن الحسابات الضيقة، بالاضافة الى تجلي الحالة الوطنية الملتزمة لديه وسموها على كل اعتبار، وهو بهذا يظهر قدرا كبيرا من النضوج بحيث يقفز عن كل الحزبية والفئوية الضيقة ويحلق بنا نحو فلسطين ذلك الوطن الجميل العالق باذهاننا والمتجذر بقلوبنا وعقولنا، ويعيد رسم المكان بمخيلتنا وتاكيد حضوره كبطل لا يغادر هذا الزمان.