المفكر الذي قتل بفنجان قهوة!! بقلم:سهام احمد النميلات
تاريخ النشر : 2019-12-11
هنا رجل الدنيا هنا مهبِط التـقى هنا خير مظلوم هنا خير كاتب
قفوا واقرؤوا أم الكتاب وسلموا عليه فهذا القـبر قــــبر الكواكبي.

هكذا رثى الشاعر المصري حافظ إبراهيم، المفكر ورائد النهضة العربية عبد الرحمن الكواكبي على لوحة المرمر التي أقيمت على مدفنه بمنطقة باب الوزير بالقاهرة، بعد أن دُس له السم في آخر فنجان من القهوة شربه في مقهى بالقاهرة، أثناء لقاء بمجموعة من رفاقه، عام 1902م.

"من أقبح انواع الاستبداد استبداد الجهل علي العلم ، واستبداد النفس علي العقل ..!!لو كان الاستبداد رجلاً وأراد أن يحتسب بنسبه لقال: أنا الشر وأبي الظلم وأمي الإساءة وأخي الغدر وأختي المسكنة وعمي الضر وخالي الذل وابني الفقير وابنتي الحاجة وعشيرتي الجهالة ووطني الخراب".

هذه الأقوال وغيرها كثيرة كانت لرائد النهضة العربية وأحد مؤسسي الفكر القومي العربي الشيخ عبد الرحمن الكواكبي , ولد الكواكبي سنة 1855م, في مدينة حلب التي ازدهر فيها العلم وانتشر فيها العلماء والفقهاء فدرس الشريعة والأدب والعلوم الطبيعية,وتعلم اللغتين التركية والفارسية.

عمل الكواكبي في بداية حياته محررا في صحيفة الفرات التابعة للدولة العثمانية, إلا أنه لم يلبث حتى أنشا صحيفته الخاصة به وهي "الشهباء" لكي يكون له كامل الحرية في الكتابة وفي انتقاد الدولة العثمانية, فكان مصيرها في النهاية الإغلاق من قبل السلطات العثمانية, واستبدلها الكواكبي بصحيفة " الاعتدال" إلا أنها أيضا كان مصيرها مثل مصير الشهباء وهوا الإغلاق.

ولكي تلهيه الدولة العثمانية قامت بتعينه في العديد من المناصب الحكومية على رغم من ذلك استمر الكواكبي في محاربته للظلم والاستبداد, وعندما لم يتحمل وضاقت به السبل قرر السفر وترك البلاد, حيث سافر إلى مصر سنة 1899م, وخلال إقامته في مصر مدة سنتين, غادرها مرتين في جولتين سياحيتين شملت سواحل إفريقيا الشرقية والجنوبية , والجزيرة العربية حيث درس أحوالها الاقتصادية والاجتماعية , كما وصل أيضا إلى صحراء الدهناء في الهند وزار كراتشي وبومباي ومنها سافر أيضا إلى جاوة وسواحل الهند الصينية والصين ومن هنا كان الكواكبي بالإضافة لكونه مفكر كان أيضا رحالة.

اهتم الكواكبي طوال حياته في قضيتين لم يهتم بغيرهما وهما :
1-قضية البحث عن أسباب تأخر الأمم ولا سيما أمم العالم الإسلامي وقد وضع آراءه هذه في كتال "جمعية أم القرى" , والذي كان عبارة عن مؤتمر تخيل انعقاده الكواكبي في مكة للتداول في أحوال المسلمين وأسباب تأخرهم, وكان المؤتمر عبارة عن أثنا عشر اجتماع حضره اثنين وعشرين مندوب من جميع الأقطار الإسلامية وقاموا في تحليل أسباب الضعف التي واجهت الأمة الإسلامية واستقروا في النهاية على تسميتها " بالفتور العام" , وعرض كل منهم تصوره للحلول المناسبة لكل القضايا والمشاكل التي تواجه الأمة الإسلامية, وفي نهاية الكتاب اتفقوا على إنشاء جمعية لها شروطها المحددة تكون مسئوليتها البدء في تنفيذ الحلول في الواقع.

2-قضية البحث في عوامل الاستبداد في حكم الدول ولا سيما الدولة العثمانية , وقد وضع آراءه في كتاب " طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد" , فقام بالكتاب في التعريف عن الاستبداد وكيف يظهر ويؤثر في جوانب حياتنا,ثم عرض الرابط ما بين الاستبداد وكل من : الدين والعلم والمجد والإنسان والأخلاق والتربية والرقي , وكيف لهذا الاستبداد آن يكون له الأثر على حياة الإنسان لكي يصل في النهاية إلى مرحلة الخضوع .

" إن المستبد فرد عاجز, لا حول له ولا قوة , إلا بأعوانه وأعداء العدل , وأنصار الجور".
وفي نهاية الكتاب ذكر الكواكبي كيف يمكننا القضاء على الاستبداد بخطوات عملية يمكن السير عليها للوصول إلى الحل المناسب لهذه المشكلة ,يلخصها في أحدا عشر نصيحة يمكن الاعتماد عليها كتصور للتخلص من الطغيان والاستبداد .

وفي نهاية يمكن القول أن الكواكبي قد عانى المر من استبداد الدولة العثمانية ما جعله يركز على معالجة الأمور السياسية ووضع الحلول , إلا أنه كان تربويا أيضا اهتم بالعلم والعلماء , ووضع في هذا المجال ما يمكن أن يكون ركيزة مهمة في أي مشروع تربوي وعلمي في الوقت الحاضر.