البحث العلمي في بلادنا... رؤية ناقدة بقلم:د. عبد القادر إبراهيم عطية حماد
تاريخ النشر : 2019-12-11
البحث العلمي في بلادنا... رؤية ناقدة
د. عبد القادر إبراهيم عطية حماد

أستاذ مشارك في جامعة الأقصى-غزة

يشكل الاهتمام بالبحث العلمي في الجامعات الفلسطينية في جناحي الوطن بما في ذلك القدس الشريف فرصة رائعة لإبراز الطاقات العلمية الكامنة في جامعاتنا والعمل على توجيهها الوجهة الصحيحة بما يساهم في المساعدة على ترسيخ عملية التنمية في المجتمع الفلسطيني رغم كل ما يواجهها من تحديات جسيمة.

لقد حرصت السلطة الوطنية الفلسطينية بكافة وزارتها ومكوناتها منذ قيامها على الأجزاء المحررة من فلسطين على الانطلاق في عملية تنمية شاملة للنهوض ببلادنا ولكنها بكل أسف أغفلت أهمية استيعاب واستغلال البحث العلمي في هذه العملية الرائدة... مما ترتب عليه أن كثيرا من الخطط – بالرغم من الإنجازات الكبيرة التي تحققت سيما في مجالات التعليم والصحة والبنية التحتية- بقيت مجرد حبر على ورق.

ان القيام بنهضة شاملة في بلادنا- بعد التخلص من تبعات الانقسام والاحتلال كخطوة أولى على طريق التحرير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف- يتطلب عدم الاكتفاء بما تحقق من إنجازات ملموسة على صعيد البحث العلمي سواء الشخصي أو المؤسسي، بل يتطلب من الأخوة في السلطة الوطنية وتحديداً من وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي العمل الجاد والمنظم  على  بناء استراتيجية علمية وطنية شاملة موحدة ومتكاملة لمنظومة البحث العلمي في بلادنا بكل ما يتطلبه  ذلك من بناء جسم موحد وعناصر مساعدة للتحقق من صحة وجودة البحث العلمي وقبل ذلك وجود نظام شامل للبحث العلمي بما في ذلك الإجراءات والمعايير الخاصة بترقية الأستاذ الجامعي.

 ويجب أن لا يغيب عن أذهاننا أن تكون تلك المنظومة المتكاملة وتنفيذها يأتي ضمن منظومة واستراتيجية أشمل سعياً لتحقيق استراتيجيتنا الوطنية الشاملة –إن وجدت-  بحيث يتم العمل لتطوير الاقتصاد الفلسطيني بشكل يسمح له بالإنفكاك عن الاقتصاد الإسرائيلي بشكل كامل ومتكامل – وهو ما فشلنا به طيلة أكثر من عقدين من الزمان لأسباب موضوعية وشخصية وحزبية ومصالح ذاتية....الخ – وذلك من خلال تنويع مصادر الدخل الوطني، وتقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية، والإهتمام بالقطاعات الاقتصادية المختلفة الزراعية والصناعية والسياحية على وجه الخصوص، والعمل على تحسين ورفع مستوى دخل الفرد،  والعمل الدؤوب لتحفيز الإمكانيات الخاصة بالقطاع الخاص، وتمكين ذلك القطاع الواعد من تحقيق أكبر استفادة ممكنة من المجالات  المختلفة للبحث العلمي وما يتمخض عنه من ابحاث.

إن تنمية أي مجتمع من المجتمعات الحديثة والمعاصرة في عالم اليوم لا يتم دون الاعتماد على عن البحث العلمي في مختلف المجالات والقطاعات الحياتية، ولعل ما نشاهده من نماذج في أمريكا الشمالية وأوروبا ونماذج متطورة وواعدة في أسيا هو بمثابة إشارات لنا على الطريق الصحيح لتطوير البحث العلمي واستغلاله في عملية التطوير والتنمية في كافة المجالات.

وفي ظل تنامي المشكلات التي تواجه المجتمعات المختلفة بما في ذلك المجتمع الفلسطيني مثل: زيادة المخاطر البيئية وتنوعها، والمشكلات السياسية والإقتصادية والمجتمعية.... الخ، يصبح الإعتماد على البحث العلمي، والبحث عن طرق وأساليب خلاقة لتطوير الانتاج وتنويعه بحيث يشمل كافة جوانب النهضة بعناصرها ومكوناتها وقطاعاتها المختلفة، والإهتمام بعملية التنمية البشرية في المجتمع، وترسيخ عناصر ثقافية جديدة ترسخ هذه المفاهيم تزداد الحاجة للبحث العليمي.

ان ما نشاهده من اهتمام بالبحث العلمي في جامعاتنا الوطنية خاصة على الصعيد الفردي أي الجهود الذاتية للعلماء والباحثين والأكاديميين تتطلب منا خاصة الوزارات المعنية والجامعات ومراكز الأبحاث المزيد من الاهتمام بالأبحاث العلمية، وتشجيع العلماء والباحثين والمخترعين وتشجيعهم والعمل الصادق والدؤوب لتخليد إبداعاتهم ونشرها، وبناء المختبرات والمعامل   والمراكز البحثية، وتوفير الأرضيات المناسبة لإطلاق الإبداعات في مجالات البحث العلمي حتى لا تبقى تلك الأبحاث مجرد حبر على ورق أو يتم حفظها في أدراج المكتبات أو رفوف المكتبات.

ونحن نتلمس هذه الجهود لابد من الاهتمام بمن يدير هذه المنظومة من مسؤولين ولجان، فلا يعقل أن يتولى البحث العلمي من يفتقر الى بحث علمي واحد منشور، كما لا يجوز أن يناقش طلبة الماجستير والدكتوراه أشخاص لم يبذلوا جهدا لنشر أي بحث أو مقال علمي رغم مضي سنوات عديدة على حصولهم على الدرجة الجامعية الثالثة،  والأهم من ذلك طلبة الدراسات العليا الذين يجدون ضالتهم في نقش رسائلهم عبر مكاتب منتشرة في الوطن والخارج، ويحصل الطالب على الماجستير والدكتوراه ولا يستطيع كتابة بحث علمي، ثم يقاتل ليتبوء منصباً رفيعاً.  

وحتى يتحقق ما نصبو اليه من أهداف، ونكون على ثقة كبيرة بأن جهودنا في مضمار البحث العلمي قد آتت أكلها وأثمرت ثمارها، يجب إعادة النظر في هذه المنظومة الاستراتيجية لنرى نتائجها في جامعاتنا وكلياتنا وخريجينا وحياتنا بأكملها.... وللحديث بقية.

[email protected]